الكونغو ورواندا.. اتفاق السلام عالق بمنعطف الاتهامات

منعطف جديد دخلته الأزمة بين الكونغو الديمقراطية ورواندا يهدد بعرقلة تنفيذ اتفاق السلام بين البلدين.
خبراء في الشأن الأفريقي رأوا أن الأزمة بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا دخلت مرحلة حساسة للغاية بعد اتهامات مباشرة وجهها الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي إلى كيغالي بعرقلة تنفيذ اتفاق السلام الموقع في يونيو/حزيران الماضي.
وأكد الخبراء أن ما يحدث اليوم لا يقتصر على نزاع حدودي أو خلاف سياسي، بل يرتبط بشكل وثيق بمعادلات إقليمية ودولية تشمل الصراع على النفوذ والموارد الطبيعية الحيوية، وعلى رأسها الكوبالت والذهب والمعادن النادرة.
واتهم الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي، أول أمس الإثنين، رواندا بالقيام بـ"مناورات" لتعطيل تنفيذ اتفاق السلام الموقع في يونيو/حزيران بين كينشاسا وكيغالي برعاية الولايات المتحدة.
وقال تشيسيكيدي خلال لقائه الصحفيين في نيويورك على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة: "الوضع الحالي ليس مشجعاً () الأمور لا تتقدم فعلياً على الأرض".
ويشهد شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، الغارق في نزاعات منذ ثلاثة عقود، عودة التوتر بين حركة 23 مارس (M23) المسلحة المناوئة للحكومة والمدعومة من رواندا، وبين الجيش الكونغولي.
ورغم استمرار مفاوضات برعاية قطر بين الحركة والحكومة، فإن تطبيق الهدنة ما زال متعطلاً.
وبعد توقيع اتفاق واشنطن في يونيو/حزيران، التزمت الأطراف في يوليو بوقف إطلاق النار، غير أن تشيسيكيدي اعتبر أن "كيغالي تعرقل الالتزام"، مؤكداً أن "رواندا تدّعي سحب قواتها لكنها لا تزال موجودة على الأراضي الكونغولية وتدعم مقاتلي M23، مضيفا أن كيغالي "تسعى لكسب الوقت كي تتفاقم الأزمة".
وفي جانب آخر، كشف عن مفاوضات جارية مع واشنطن من أجل توقيع اتفاق يضمن للأمريكيين سلسلة إمداد مستقرة ومباشرة بالمعادن الاستراتيجية، خصوصاً الكوبالت المستخدم في صناعة المكوّنات الإلكترونية، بحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية.
وفي المقابل، تطمح كينشاسا إلى تعزيز التعاون الأمني مع الولايات المتحدة، إضافة إلى مشاريع تنموية تشمل البنية التحتية والطاقة والتصنيع والتعليم.
وقال تشيسيكيدي: "ليس الأمر بيعاً لمواردنا من أجل مصالح قلة من الأفراد، بل هو تبادل للمعادن مقابل تنمية البلاد".
من جانبه، قال الدكتور بول نسانزي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ماكيريري بأوغندا لـ"العين الإخبارية" إن اتهامات تشيسيكيدي لرواندا تكشف عن أزمة ثقة عميقة بين البلدين".
وأكد أن رواندا تدرك أهمية شرق الكونغو كممر اقتصادي ومصدر للمعادن، ما يجعلها تسعى لفرض نفوذ غير مباشر عبر دعم مجموعات مسلّحة.
واعتبر أن استمرار هذا الوضع يهدد ليس فقط الاستقرار في الكونغو، بل أيضاً مشاريع التنمية الإقليمية مثل منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية.
بدوره، قال الدكتور باتريك موانزا، أستاذ العلوم السياسية في جامعة كينشاسا، بجمهورية الكونغو الديمقراطية لـ"العين الإخبارية" إن "اتهامات الرئيس تشيسيكيدي تعكس قلقاً داخلياً متزايداً لدى النخب الكونغولية من أن يتحول اتفاق السلام إلى مجرد حبر على ورق".
وأشار موانزا إلى أن رواندا لديها مصلحة في إبقاء حالة عدم الاستقرار، لأنها تستفيد اقتصادياً من تهريب المعادن عبر حدودها، مضيفاً أن الوسطاء لم يفلحوا في خلق آلية مراقبة شفافة لتنفيذ وقف إطلاق النار، ما يمنح الأطراف مساحة واسعة للمراوغة.
وأكد أن الرأي العام الكونغولي بات أكثر وعياً بخطورة استمرار النزاع، إذ يرى فيه عائقاً أمام التنمية، خاصة في مجالات الطاقة والبنية التحتية.
ولفت موانزا إلى أن "السلام الحقيقي لن يتحقق ما لم يتم إشراك المجتمعات المحلية في شرق الكونغو، فهي أول من يدفع ثمن هذه المناورات، وهي أيضاً مفتاح الاستقرار الدائم".
كما اعتبر أن اتفاق واشنطن سيضعف دور الوسطاء الدوليين، وسيدفع اللاعبين الإقليميين مثل أوغندا وبوروندي لمحاولة استغلال الفراغ الأمني.