«الساحل» و«إيكواس».. خبراء يرسمون لـ«العين الإخبارية» سيناريوهات ما بعد الانسحاب

اعتبر خبراء سياسيون أفارقة أن انسحاب دول الساحل من مجموعة الإيكواس يشكل لحظة مفصلية في التاريخ الإقليمي لغرب أفريقيا.
ومع حلول منتصف ليل اليوم الثلاثاء، تنتهي رسميًا المهلة التي منحتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس) لدول تحالف الساحل الثلاث؛ مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو؛ لمراجعة قرار انسحابها من المنظمة، وهو القرار الذي اتُخذ في يناير/كانون الثاني 2024 ودخل حيز التنفيذ في يناير/كانون الثاني 2025.
ورغم انتهاء المهلة، لم تبد الدول الثلاث أي نية للتراجع عن انسحابها، بينما ما زالت المفاوضات الفنية حول تفاصيل الخروج قائمة، وإن كانت تسير بوتيرة بطيئة وغير معلنة.
من جانبه، قال أليكس كواديو، مدير مركز الدراسات الإفريقية المعاصرة في جامعة بواكي الإيفوارية والخبير في شؤون التكامل الإقليمي لـ"العين الإخبارية" إن "انسحاب دول الساحل من الإيكواس يُعد تحولًا كبيرًا ستكون له تداعيات أوسع من الحدود الجغرافية".
وأضاف كواديو أن "هذا الانسحاب يحمل رسائل مزدوجة: الأولى هي رفض الوصاية السياسية والاقتصادية المفروضة من الإيكواس، والثانية هي رغبة واضحة من دول الساحل في تشكيل كتلة بديلة.. لكن هذا الطموح محفوف بالمخاطر".
وأشار كواديو إلى أن الخطر الحقيقي يكمن في تفكك المنظومة الإقليمية، حيث إن غياب 3 دول مهمة كمالي والنيجر وبوركينا فاسو يعني فقدان عمق استراتيجي للإيكواس، خاصة في ملفات الأمن ومحاربة الإرهاب، معتبرًا أن أي ضعف في التنسيق الأمني سيصبّ في مصلحة الجماعات الإرهابية.
واعتبر كواديو أن الحل يجب أن يكون مرنًا ومتدرجًا، بحيث لا يتم حرمان الشعوب من فوائد السوق المشتركة، فيما طالب الدول الثلاث بـ"إظهار حسن النية تجاه مواطنيها أولًا، من خلال ضمان بدائل حقيقية تنموية، بدل الاكتفاء بالشعارات السيادية".
بدوره، قال الباحث المالي بابا داكونو، الخبير في الشؤون السياسية، الأمين التنفيذي للمرصد المواطن للحكامة والأمن في باماكو (OCGS) لـ"العين الإخبارية" إن "الرهان الأساسي هو ضمان أن الانفصال لا يؤدي إلى تقويض المكتسبات، خصوصًا في حرية تنقل الأشخاص والبضائع".
وأضاف أن "الانسحاب قرار سياسي، لكن يجب تخفيف تبعاته على الشعوب والأسواق، كي لا نعود إلى مستوى تبادل التجارة والنقل في السبعينيات، قبل تأسيس الإيكواس".
وأشار إلى أن دول الساحل الثلاث تواجه تعقيدات داخلية، من هشاشة سياسية إلى تحديات أمنية، موضحًا أن انسحاب تلك الدول لا يجب أن يخلّف أثرًا سلبيًا على ما تبقى من وحدة إقليمية في غرب أفريقيا، خصوصًا في ظل احتدام تهديد الجماعات الإرهابية التي تهدد بالانتشار نحو الدول الساحلية.
وأكد داكونو أن الإيكواس لا تواجه فقط أزمة انسحاب الدول الثلاث، بل أيضًا تحديات هيكلية داخلية من حيث الإصلاحات والحاجة لتعزيز ثقة الأعضاء، ما يجعلها مطالبة بإدارة هذا الانفصال بدقة دون التضحية بمبادئها أو بمصالح الشعوب.
اتفاق سياسي.. وشبه استمرارية اقتصادية
ورغم الانسحاب السياسي الرسمي، استمرت الامتيازات العملية لمواطني الدول الثلاث، حيث لا تزال بطاقات الهوية وجوازات السفر الممهورة بشعار الإيكواس سارية المفعول، وتُطبَّق حقوق التنقل والإقامة وتبادل السلع والخدمات كما كانت.
وتبقى هذه الوضعية الانتقالية معلقة حتى اكتمال المفاوضات بشأن آليات الخروج النهائية، بما يشمل التعرفة الجمركية، حرية الاستثمار، وديون الدول الثلاث لدى بنك الاستثمار والتنمية التابع للإيكواس.
انطلاقة متعثرة للمفاوضات
في مايو/أيار الماضي، عقد وزراء خارجية الدول الثلاث أول جولة مشاورات مع رئيس مفوضية الإيكواس عمر عليو توراي في العاصمة المالية باماكو، حيث أصرّت دول الساحل على التفاوض كمجموعة واحدة.
وتم التوافق على مناقشة ملفات سياسية، أمنية، دبلوماسية، وقانونية.. ولكن منذ ذلك الحين، توقفت اللقاءات العلنية، ويفيد مسؤول في الإيكواس أن المفاوضات مستمرة في الكواليس، دون أن يكشف عن تقدم أو عراقيل.