ذهب أفريقيا في قبضة المصارف.. تحول اقتصادي يعيد تشكيل خريطة الثروات
 
                                        يشهد قطاع التعدين في غرب أفريقيا تحولا اقتصاديا لافتا، مع دخول المصارف الإقليمية كمستثمر رئيسي يعيد تشكيل خريطة الثروات الأفريقية.
أكد الدكتور تييري فيركولون، الخبير في اقتصاديات الموارد الطبيعية، والباحث في معهد العلاقات الدولية الفرنسية، أن دخول المصارف الإقليمية في غرب أفريقيا إلى مجال المعادن الثمينة لم يعد مجرد تجربة، بل تحوّل اقتصادي واضح يعكس نضج القطاع المالي المحلي ورغبة الحكومات في إبقاء الثروة داخل القارة.
وأوضح في حوار خاص لـ "العين الإخبارية" أن ما حدث مؤخرًا يمثل "أول مرة منذ عقود تستحوذ فيها مؤسسات مالية أفريقية كبرى على أصول كانت تحت سيطرة شركات أجنبية"، معتبرًا أن "هذه الخطوة تعبّر عن ثقة متزايدة بقدرة السوق المحلية على إدارة مشاريع معقّدة مثل المناجم".
وأضاف تييري فيركولون أن "دخول المصارف لم يعد مجرد تمويل، بل امتلاك مباشر للأصول الإنتاجية"، محذرًا في الوقت نفسه من أن نجاح التجربة "يتوقف على الشفافية والفصل بين وظيفة المموّل ومالك المشروع حتى لا تتحول المناجم إلى أدوات احتكار".
وإلى نص الحوار:
شهدت الأشهر الأخيرة دخول أسماء مصرفية بارزة في غرب أفريقيا إلى مجال التعدين، مثل استحواذ إدريسا ناسا على شركة هامينغبرد ريسورسيز، وشراء برنارد كونيه دوسونغوي لمشروع تونجون في كوت ديفوار. هل يمكن اعتبار هذا تحوّلًا جديدًا في الاقتصاد الإقليمي؟
نعم، هذا التحوّل حقيقي. لأول مرة منذ عقود نرى مؤسسات مالية أفريقية كبرى تستحوذ على أصول تعدينية كانت في السابق تحت سيطرة شركات غربية أو كندية.
هذا يشير إلى أمرين: أولًا، ثقة متزايدة في قدرة السوق المحلية على إدارة مشاريع معقّدة مثل المناجم، وثانيًا، رغبة في الاحتفاظ بقيمة الثروة داخل المنطقة بدل خروجها إلى الخارج.
البعض يرى أن دخول البنوك قد يكون مجازفة في قطاع مليء بالمخاطر السياسية والبيئية. ما تعليقك؟
التعدين محفوف بالمخاطر، لكن البنوك الإقليمية تمتلك ما لم يكن متاحًا سابقًا: معرفة عميقة بالسوق المحلية، وعلاقات مباشرة مع الحكومات، وقدرة على تمويل سريع دون انتظار مستثمرين أجانب.
إضافة إلى ذلك، فإن البنوك لا تدير المناجم بنفسها، بل تعتمد على شركات تشغيلية متخصصة، لكنها تملك القرار الاستراتيجي، وبالتالي فالمخاطر مُدارة أكثر مما يعتقد البعض.
لماذا نرى هذا الاهتمام المفاجئ من رجال المال مثل إدريسا ناسا أو دوسونغوي؟
لسبب بسيط؛ فالمناجم أصبحت أقل اعتمادًا على تقلب الأسعار وأكثر ارتباطًا بالبنية التحتية والتمويل، وهذه الشخصيات تمتلك شبكات مالية ضخمة وبنية فنية متطورة للاستثمار، ولذلك نجدهم ينتقلون من المصارف إلى الاستثمار المباشر.
وفي السابق، كانت البنوك المحلية مجرد ممول فقط، أما اليوم فقد أصبحت مُلاك أصول، وهذا فرق جوهري في طبيعة الدور الاقتصادي.
كيف سينعكس ذلك على العمالة والاقتصاد المحلي في غرب أفريقيا؟
إذا تمت الإدارة بشكل جيد، فإن الفوائد ستكون كبيرة، من خلق وظائف محلية، وزيادة نسبة المحتوى المحلي، وارتفاع الضرائب والإتاوات لصالح الحكومات، وبقاء الأرباح داخل الدول بدل تحويلها إلى الخارج.
لكن في المقابل، إذا غاب التنظيم أو الشفافية، فقد تحدث مشاكل مثل الاحتكار أو صراع المصالح بين التمويل والتشغيل.
هل تتوقع موجة استحواذات جديدة من بنوك أو مستثمرين إقليميين؟
نعم، بالتأكيد. هناك ثلاث دول ستشهد نشاطًا واضحًا خلال الفترة ما بين 2026 و2028، وهي: كوت ديفوار، ومالي، وغينيا الغنية بالبوكسيت والذهب.
القطاع المالي الأفريقي ينضج الآن، ويدرك أن الثروة الحقيقية ليست في خدمات التحويلات أو القروض فقط، بل في الأصول الإنتاجية التي تُولّد القيمة المضافة محليًا.
البعض يخشى أن يؤدي دخول البنوك إلى تضارب بين دور "المموّل" و"المالك". ما رأيك؟
الخطر موجود، لكن يمكن السيطرة عليه عبر فصل إداري واضح بين إدارة المناجم والإدارات المصرفية، إلى جانب رقابة حكومية فعّالة، والتزام بمعايير الشفافية الدولية.
وإذا نجحت البنوك في تحقيق ذلك، فستصبح غرب إفريقيا لاعبًا عالميًا في مجال التعدين، لا مجرد مورد خام للآخرين.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTI2IA==
جزيرة ام اند امز
 
                                                            
                                                     
                                                            
                                                     
                                                            
                                                    