«معركة» الساحل الأفريقي.. روسيا تشيد أعمدة النفوذ وواشنطن توسّع الثغرة

وضعت روسيا عمليًا قدمًا في الساحل الأفريقي، ورفع علمها حشود الغاضبين من السنوات الفرنسية، لكن يبدو أن الولايات المتحدة لن ترضى بذلك.
وتباينت آراء مراقبين تحدثت معهم "العين الإخبارية" بشأن النتائج المحتملة للصراع الصامت إنما المحتدم بين موسكو وواشنطن، ففي حين رأى البعض أن روسيا قادرة على تعزيز موقعها في الساحل عبر دعم جيوشها في مواجهة الإرهاب، يعتقد آخرون أن الولايات المتحدة تواصل جهودها لاحتواء ثلاثي الساحل (مالي وبوركينا فاسو والنيجر).
والخميس الماضي أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن موسكو عقدت أول اجتماع رسمي مع القادة العسكريين لبوركينا فاسو والنيجر ومالي، والذي توّج بتوقيع مذكرة تفاهم لتحسين التعاون الدفاعي بين هذه الدول.
وقال عميد كلية الدراسات العليا والبحث العلمي في الجامعة الإسلامية في النيجر، والكاتب المتخصص في غرب أفريقيا، الدكتور علي يعقوب، إن اتفاق التعاون العسكري بين روسيا ودول الساحل مهم للغاية.
وأوضح يعقوب لـ"العين الإخبارية" أن روسيا ستوفر لدول الساحل الأفريقي الآليات العسكرية والأسلحة التي ستساعد في تعزيز دفاعات هذه الدول، ورأى أن هذا التعاون سيساهم بشكل كبير في مكافحة الإرهاب، لافتًا إلى أن جيوش دول الساحل ينقصها أسلحة متطورة، وروسيا ستوفر لها هذه الأسلحة من خلال اتفاق التعاون بينها.
في المقابل، رأى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الموريتاني المتخصص في غرب أفريقيا عبدالله إمباتي أن الوضع في منطقة الساحل الأفريقي، وخصوصًا مالي، لا يجري بما تشتهي رياح روسيا.
وقال إمباتي لـ"العين الإخبارية" إن عدة تطورات حدثت في الفترة الأخيرة أدّت نتائجها إلى تقارب مالي-أمريكي، معتبرًا أن العلاقات المالية-الروسية ليست على أحسن ما يرام، مضيفًا أن دولة إقليمية لها دور كبير في ذلك، لأنها ببساطة لا توافق على الطريقة التي يدير بها النظام المالي الصراع في منطقة أزواد. ورأى أن نتائج الاجتماع الروسي الأخير مع قيادات دفاع دول الساحل ستنتج عنها إما تغييرات في الأنظمة الحاكمة بهذه الدول، أو ستكون روسيا خارج هذه المنطقة كما حدث في سوريا.
وأكد أن الولايات المتحدة الأمريكية تجيد اللعبة، وأن المؤشرات قوية على نجاحها في الحلول محل الحليف القوي لهذه الدول، ألا وهي روسيا.
بدوره، أكد الخبير المصري في الشؤون الأفريقية الدكتور رامي زهدي أن التعاون العسكري الروسي-الساحلي بصيغته الجديدة يمثل نقلة نوعية من "التدخل بالوكالة" إلى "الشراكة الأمنية الرسمية".
وقال زهدي لـ"العين الإخبارية" إن التعاون الروسي-الأفريقي قد يؤدي إلى نجاحات تكتيكية في مواجهة الإرهاب، لكنه يحمل أيضًا مخاطر هيكلة الصراع في الساحل كجزء من مواجهة جيواستراتيجية أوسع بين الشرق والغرب على الأرض الأفريقية.
وأضاف أن التحرك الروسي يتجه نحو تأسيس آلية للتعاون العسكري المؤسسي مع دول الساحل (مالي – بوركينا فاسو – النيجر) في إطار ما يمكن وصفه بتحول استراتيجي أعمق في السياسة الروسية تجاه القارة الأفريقية، يقوم على الانتقال من الوجود العسكري عبر العقود الخاصة مع مجموعات فاغنر سابقًا، ثم الفيلق الروسي الأفريقي، إلى وجود رسمي حكومي منظم عبر قنوات الدولة الروسية.
ورأى الخبير المصري أن أثر هذا التعاون على مكافحة الإرهاب بالساحل سيجعل التنسيق المشترك بينهم يسمح بتبادل معلومات استخباراتية عملياتية أكثر دقة وسرعة حول تحركات الجماعات الإرهابية النشطة في حزام الساحل مثل (نصرة الإسلام والمسلمين، داعش، القاعدة، بوكو حرام)، وكذلك الجماعات الأصغر المنتمية لهذه التنظيمات.
وأشار إلى أن روسيا لديها تكنولوجيا واستطلاعات جوية ومسيرات قتالية قادرة على تغطية مساحات صحراوية يصعب السيطرة عليها بالطرق التقليدية، ما قد يؤدي إلى عمليات أكثر فاعلية.
وقال إن الاعتماد على روسيا جاء بعد تراجع الدور الفرنسي والأوروبي، ما يعني أن موسكو ستملأ الفراغ الأمني وتمنح هذه الأنظمة شرعية داخلية لمواجهة التهديدات بعيدًا عن الضغط الغربي التقليدي المرتبط بالديمقراطية وحقوق الإنسان. لكنه أضاف أن نجاح هذا التعاون في الحد من الإرهاب مرتبط بإصلاحات سياسية وتنموية داخل هذه الدول، وإلا فإن الظاهرة ستستمر بالتجدد.
ولفت زهدي إلى أن تصاعد النفوذ الروسي قد يُدخل دول الساحل في دائرة الاستقطاب الدولي بين روسيا والغرب على أرضها، وهو ما قد يعقّد الوضع أكثر. وقال بصفة عامة إن توقيع مذكرة تفاهم وإنشاء منصة حوار رباعية بهدف وضع آلية دائمة يؤكد أن موسكو لا تنظر إلى الساحل على أنه ملف ظرفي، وإنما جزء من عقيدتها الدفاعية الجديدة خارج محيطها التقليدي.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNyA= جزيرة ام اند امز