من الساحل إلى الشاطئ.. كيف غيّر الإرهاب خريطة التهديدات بغرب أفريقيا؟

تواجه منطقة غرب أفريقيا تصاعدا خطيرا في تهديدات الجماعات الإرهابية، مع تمدد الجماعات التابعة لتنظيمي "القاعدة" و"داعش" في منطقة الساحل نحو الدول المطلة على المحيط الأطلسي مثل ساحل العاج وغانا وتوغو وبنين.
ويشير تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية إلى أن هذه الجماعات حققت مكاسب ميدانية كبيرة في دول مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر، التي تعاني من فراغ أمني واسع وحكم عسكري هش، وتتحرك حاليا نحو الجنوب، مما ينذر بخلق بؤر جديدة من التوتر والنزوح الجماعي.
ويأتي هذا التمدد في وقت حساس تشهده المنطقة، حيث قامت الولايات المتحدة وعدد من حلفائها الأوروبيين بتقليص وجودهم العسكري والمساعدات الأمنية بشكل ملحوظ، لا سيما بعد استيلاء المجالس العسكرية على السلطة في بلدان الساحل.
وقد عززت هذه الديناميكية من ضعف الجبهة الإقليمية في مواجهة التهديد الإرهابي، خاصة بعد إعلان إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجميد كافة المساعدات الخارجية، بما فيها برامج مكافحة الإرهاب والتطرف، ومن أبرزها برنامج بقيمة 20 مليون دولار كان يهدف إلى رصد مؤشرات التطرف المبكر في المنطقة.
وبحسب التقرير الذي طالعته "العين الإخبارية"، تشكل بلدة توغبو الواقعة على الحدود مع بوركينا فاسو أحد النقاط المتقدمة في المواجهة بين القوات العاجية والجماعات المسلحة.
ورغم انتشار الجيش في المنطقة، إلا أن السكان المحليين ومصادر أمنية أفادوا بأن الإرهابيين يتحركون بحرية داخل البلدات، ويشترون الإمدادات من الأسواق المحلية، بل ويتلقون العلاج في المراكز الصحية تحت غطاء من السرية.
ويُتهم بعض الشباب المحليين بالتعاون معهم مقابل المال، أو الانضمام إليهم بسبب الفقر والبطالة، إذ تؤدي الظروف الاقتصادية الصعبة إلى جعل الشباب هدفًا سهلًا للجماعات الإرهابية، حيث ينجذبون إلى عروض مغرية تتضمن المال أو دراجات نارية أو وظائف سريعة.
وبحسب قادة المجتمع المحلي، فإن الانضمام إلى الجماعات الإرهابية يتم أحيانًا تحت الضغط أو اليأس، خصوصًا داخل فئة "الفلان"، وهي مجموعة عرقية تواجه تمييزًا متزايدًا في ساحل العاج، خاصة مع تدفق اللاجئين الفارين من بوركينا فاسو إلى أراضيها.
ويشير التقرير إلى أن الجماعات الإرهابية لا تستخدم العنف وحده، بل تتبنى كذلك تكتيكات ناعمة للسيطرة، كالوعد بحماية السكان من فساد الحكومات أو تأمين بعض الخدمات. وقد شهدت قرى مثل "بوليه" احتجاز السكان من قبل عناصر مسلحة خلال شهر رمضان، وتهديدهم بعدم التعاون مع الجيش.
غير أن السكان واصلوا تنسيقهم مع السلطات، مما دفع الجيش إلى تعزيز وجوده في هذه المناطق، مثل بلدة كافولو التي شهدت هجومين دمويين في 2020 و2021، قبل أن يُبنى فيها معسكر جديد عام 2023 أدى إلى استقرار نسبي.
وعلى الصعيد العسكري، كثفت حكومة ساحل العاج جهودها لاحتواء التهديد، من خلال إنشاء نقاط تفتيش، وتعزيز جمع المعلومات الاستخبارية، ونشر القوات على الحدود.
ويؤكد ضباط في الجيش أن قواتهم بدأت تضيق الخناق على المسلحين، لكنهم يعترفون بأن السكان المحليين كثيرًا ما يظهرون التعاون مع الجيش ظاهريًا، بينما يتعاملون في الخفاء مع الإرهابيين، إما بدافع الخوف أو المصالح.
إلى جانب الجهود الأمنية، أطلقت حكومة ساحل العاج، بالتعاون مع منظمات دولية، برامج تنموية تهدف إلى تقليص أسباب الإرهاب، وجرى ترميم السدود لتوفير مياه الري، وبناء الطرق، وتم توصيل الكهرباء إلى قرى نائية، كما تلقى أكثر من 50 ألف شاب تدريبات مهنية في مجالات مثل الزراعة والحدادة والميكانيكا.
لكن التأثير العملي لهذه المبادرات ظل محدودًا، حيث يشكو العديد من الشباب من عدم توفر وظائف بعد انتهاء التدريب. وقد قال بعض المتدربين إنهم تلقوا "قطعة صابون" فقط كتعويض أسبوعي، مما يعكس فشل السياسات في توفير حلول مستدامة.
ويرى وزير الشباب في ساحل العاج، مامادو توريه، أن الفقر هو العامل الرئيس في انضمام الشباب للجماعات الإرهابية، محذرًا من أن الفشل في تقديم حلول مبتكرة وسريعة للبطالة سيحوّلها إلى "قنبلة موقوتة" قابلة للانفجار في أي وقت.
وقد عبّر عدد من القادة المحليين عن خيبة أملهم، مؤكدين أن عدم التعامل بشكل جذري مع الوضع، فسيتحول إلى أزمة كبرى لا يمكن احتواؤها، خاصة وأن الجماعات الإرهابية تقدم للشباب إغراءات مادية يصعب مقاومتها في ظل غياب البدائل.
أما من جانب الجماعات المتطرفة، فقد ردّ زعيم فرع تنظيم القاعدة في غرب أفريقيا، أبو يوسف عبيدة العنابي، على أسئلة "نيويورك تايمز" مؤكدًا أن جماعته "نشطة رسميًا" في ساحل العاج والدول الساحلية المجاورة.
وعندما سُئل عن انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها مقاتلوه، قال إنهم ارتكبوا "بعض الأخطاء والتجاوزات"، مبررًا ذلك بأن "من لا يعمل لا يُخطئ"، في محاولة لتبرير الممارسات الدموية المتزايدة.