الذهب والدرونز.. تمويل بديل وخرائط جديدة للتهديد الإرهابي في الساحل الأفريقي

استراتيجيات جديدة ينتهجها الإرهاب في دول الساحل الأفريقي لتطويق المنطقة الغنية بالثروات بينها «خنق العواصم» عبر تطويقها ببطء، وعزلها عن محيطها الحيوي، وقطع شرايين الإمداد لها.
تلك الكيانات التي تجمع بين العمل المسلح والتنظيم الاقتصادي والدعوي، تستفيد من تآكل مؤسسات الدولة، والفراغ الأمني، والتهميش الاجتماعي.
- من «الانكفاء» لـ«الحوار».. «تحالف الساحل» يختبر استقلاله في مواجهة «إيكواس»
- شبح انهيار دول الساحل.. الإرهاب يهدد خارطة غرب أفريقيا
وبحسب خبراء، فإن موجة الإرهاب الحالية بالمنطقة لم تعد مجرّد تصعيد أمني، بل تمثل ملامح مرحلة جديدة من التهديدات، عنوانها توظيف التكنولوجيا (الدرونز) واقتصاد الذهب، وتمدّد العمليات إلى ما وراء حدود مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وصولًا إلى أطراف بنين والسنغال.
استراتيجية «خنق العواصم»
في سلسلة من الهجمات المتصاعدة، استهدفت الجماعات الإرهابية خلال الأشهر الأخيرة محاور استراتيجية في دول تحالف الساحل الأفريقي، من أطراف العاصمة باماكو، إلى الهجوم المنسّق على تمبكتو، وصولًا إلى السيطرة المؤقتة على مدينة ديبو في بوركينا فاسو، والتي يبلغ عدد سكانها نحو 300 ألف نسمة.
ويُحلّل فرانسوا سودان، مدير تحرير مجلة «جون أفريك» الفرنسية، هذه الظاهرة في مقابلة مع إذاعة «إر.إف.إي» الفرنسية، قائلاً إن الاستراتيجية الإرهابية تهدف اليوم إلى «خنق العواصم عن بُعد عبر تطويقها تدريجيًا»، من خلال الضغط على الطرق الحيوية والغارات المتكررة على البنى التحتية.
تمدّد ريفي.. وضغط غير مسبوق
ويتمثل هذا التحول في الكمائن المنتشرة على الطرق، والهجمات على المرافق الحساسة، ما يشكل نمطًا جديدًا من الضغط غير المسبوق. وعلى الرغم من محدودية قدرة الجماعات الجهادية على السيطرة على المدن، فإن وجودها في الأرياف أصبح «منتشرًا وديناميكيًا»، بحسب سودان.
ويُعدّ إدماج الطائرات بدون طيار (الدرونز) في العمليات الميدانية أحد أبرز ملامح هذا التحول؛ إذ أصبحت هذه التقنية جزءًا من ترسانة الجماعات المسلحة، وأيضًا من الجيوش الوطنية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
الزكاة والذهب بدلا من الرهائن
ومع تراجع قدرات الجماعات الإرهابية على اختطاف الأجانب بسبب التضييق العسكري والاستخباراتي، باتت هذه التنظيمات تعتمد على أدوات تمويل بديلة. ويوضح سودان أن «الزكاة» تحولت إلى أداة جبائية تُفرض على السكان، سواء نقدًا أو عبر المواشي والمحاصيل الزراعية، ما يخلق اقتصادًا موازيًا يُموّل العمليات المسلحة.
أما التنقيب اليدوي عن الذهب، لا سيما في «منطقة الحدود الثلاثية» بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، فقد أصبح من بين الركائز الاقتصادية الأساسية للجماعات المسلحة، التي تسيطر على مناجم تقليدية وتفرض الإتاوات على عمّال التعدين.
توسّع خارجي
ويحذّر سودان من أن العمليات الإرهابية لم تعد محصورة داخل دول تحالف الساحل (AES)، بل بدأت تمتد إلى بنين وتوغو، مع محاولات اختراق نحو السنغال وموريتانيا عبر دعاة سلفيين ينشطون في المجتمعات المهمّشة، كما وثّق «معهد تمبكتو» مؤخرًا.
من جانبه، يقول البروفيسور سليمان بوكار ديالو، الخبير في النزاعات في الساحل والأستاذ في جامعة نيامي، لـ«العين الإخبارية»: «ما يحدث في الساحل ليس مجرد تهديد أمني، بل هو انعكاس لفشل الدول في إعادة توزيع الثروة والاعتراف بالهويات المحلية. توسّع الجماعات الإرهابية هو نتيجة مباشرة لتآكل الثقة بين المواطن والمؤسسات العسكرية».
ويرى ديالو أن تركز الضربات الإرهابية حول العواصم يحمل دلالة سياسية، هدفها التشكيك في شرعية السلطة المركزية وزعزعة الثقة بها.
مرحلة جديدة من التنظيم والتأثير
وفي الاتجاه نفسه، قالت الدكتورة أيساتا ديمبا، المتخصصة في قضايا التطرف في غرب أفريقيا والباحثة بمركز الدراسات الأفريقية في باريس، لـ«العين الإخبارية»: «استخدام الزكاة والدرونز يعني أننا دخلنا مرحلة جديدة. هؤلاء لم يعودوا مجرد مسلحين في الأدغال، بل جهات فاعلة قادرة على تنظيم اقتصاد موازٍ، ونشر خطاب ديني مؤطر في مناطق تعاني من العزلة التاريخية».
وتحذّر ديمبا من أن التداخل بين الخطاب السلفي والاحتياجات الاجتماعية يجعل المجتمعات الهشّة أكثر قابلية للاختراق، خصوصًا في مناطق جنوب موريتانيا وشمال بنين، حيث تتقاطع الهشاشة الاقتصادية مع غياب الخدمات.
وأضافت أن الإرهاب في الساحل يتوسع جغرافيًا ويتطور تقنيًا واستراتيجيًا، موضحة أن التنظيمات باتت تعتمد على أدوات مالية ودعوية غير تقليدية.
وخلصت إلى أن خطر تحوّل دول غرب أفريقيا الهشة إلى قواعد ارتكاز جديدة للجماعات الإرهابية يزداد مع استمرار تجاهل التهميش الاجتماعي، الذي يشكل أحد أبرز محركات التجنيد والتطرف.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTE3IA==
جزيرة ام اند امز