أقوى جماعة إرهابية في غرب أفريقيا تشقّ طريقًا إلى الأطلسي

في ظل أوضاع أمنية هشّة وتحالفات على رمال متحرّكة، نجحت جماعة إرهابية موالية لتنظيم القاعدة في التمدّد، باحثةً عن طريق إلى المحيط الأطلسي.
فخلال أشهر، اجتاحت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" مدنًا رئيسية في بوركينا فاسو ومالي، ونفّذت أعنف هجوم في بنين، ووسّعت نطاق حكمها المتشدّد في الساحل الأفريقي.
بعد سنوات قضتها في اكتساب القوة بهدوء، أصبحت الجماعة الآن القوة الأكثر تسليحًا في غرب أفريقيا، ومن بين أقوى الجماعات في العالم، مع وجود ما يصل إلى 6000 مقاتل تحت قيادتها.
ويرى مسؤولون وخبراء أن الاستراتيجيات المحلية المستخدمة لمحاربة "نصرة الإسلام والمسلمين" تؤدي إلى تسريع صعود الجماعة، وذلك وفقًا لما ذكرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، التي أشارت إلى انسحاب الولايات المتحدة، أو إجبارها على الانسحاب، ممّا ترك فراغًا أمنيًّا عميقًا وقلقًا متزايدًا بشأن أهداف الجماعة وقدراتها.
وقال هاني نسايبية، كبير محللي غرب أفريقيا في مشروع بيانات مواقع وأحداث الصراعات المسلحة (ACLED): "إنهم يخلقون ما يشبه الدولة، التي تمتد كحزام من غرب مالي وصولًا إلى المناطق الحدودية في بنين.. إنه توسّع كبير".
وإلى جانب منافستها "ولاية الساحل" التابعة لتنظيم داعش، حوّلت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" المنطقة إلى مركز للتطرّف، في حين ساعدت الفوضى على نجاح الانقلابات العسكرية في المنطقة، حيث تعهّد ضباط الجيش بالانفصال عن الغرب واستعادة الهدوء، لكن في معظم البلدان ازداد الوضع الأمني سوءًا.
في عام 2024، صُنِّفت بوركينا فاسو كأكثر الدول تضررًا من العنف الإرهابي، وذلك للعام الثاني على التوالي، في حين شهدت النيجر أكبر زيادة في الوفيات المرتبطة بالإرهاب على مستوى العالم.
وفي إشارة إلى انتشار جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" جنوبًا، أبلغت توغو عن أكبر عدد من الهجمات الإرهابية في تاريخها، كما أبلغت بنين عن وفيات في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام تعادل تقريبًا عدد وفيات عام 2024 بأكمله، فيما تمتد شبكات الجماعة إلى دول مستقرة مثل غانا، والسنغال، وغينيا، حيث تخشى حكوماتها أن يصل إرهابيو التنظيم إليها.
وخلال السنوات الأخيرة، اقتحم أعضاء من "نصرة الإسلام والمسلمين"، مدجّجين بالسلاح، مساجد في بوركينا فاسو، وأعلنوا "تطبيق الشريعة"، وإغلاق المدارس، واستهداف مؤسسات الدولة، وأوضحوا أن انتهاك هذه القواعد سيكون له ثمن.
ووفقًا لمشروع بيانات أحداث الصراعات المسلحة (ACLED)، فقد قُتل ما يقرب من 6 آلاف مدني خلال السنوات الخمس الماضية.
وفي البداية، واجهت الجماعة رفضًا تامًّا، لكن ردّ الحكومة عليها أثار الغضب بعد استهداف "الفولانيين"، وهم أقلية عرقية شبه بدوية ذات أغلبية مسلمة منتشرة في غرب أفريقيا، وهو ما جعل السكان المحليين متحمّسين للانضمام إلى الجماعة.
ومع تنامي التهديد في غرب أفريقيا، اختفت المنطقة إلى حدّ كبير عن الرادار في واشنطن، بعدما أجبر المجلس العسكري في النيجر الولايات المتحدة على إغلاق قاعدتها، فلم يعد هناك إلا ما يقلّ عن 200 جندي، معظمهم متمركزون في دول على طول الساحل، بانخفاض عن حوالي 1400 جندي في عام 2023.
وفي حين تركّز الولايات المتحدة على مساعدة الدول الأفريقية على بناء "الاعتماد على الذات" لمكافحة الإرهاب، أوقفت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الغالبية العظمى من البرامج التي تهدف إلى تعزيز الاستقرار في دول غرب أفريقيا المعرّضة للخطر.
وقال أحد المسؤولين الأمريكيين السابقين: "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في صعود.. في منطقة اعتدنا فيها رصد ما يحدث، لم نعد نملك الأدوات اللازمة".
وتأسست جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" في مالي عام 2017 كمنظمة جامعة تضمّ أربع جماعات متطرفة، ويرأسها إياد أغ غالي وأمادو كوفا، قائدا انتفاضة عام 2012، التي شهدت سيطرة الانفصاليين على جزء كبير من شمال البلاد.
وينتمي أغ غالي إلى جماعة الطوارق العرقية، والتي حاربت لعقود من أجل إقامة دولة مستقلة في شمال مالي، أما كوفا فهو واعظ من الفولاني يقيم في وسط مالي. وكان لهذا الاختلاف بين الرجلين تأثيره في منح الجماعة جاذبية واسعة، كما ساهم في حالة من الغموض تحيط بأهدافها.
وقال الخبراء إن الجماعة "تعمل وفقًا لنموذج الامتياز، بمعنى أنها تُكيّف استراتيجياتها مع العادات المحلية، وتُجنّد عناصرها في ضوء المظالم المحلية، لكن أينما ذهب مسلحوها، فإنهم يُطبّقون نسخة متشددة من الشريعة".
وأوضح الخبراء أن الجماعة، في معاقلها بوسط وجنوب مالي، أبرمت اتفاقيات مع المجتمعات المحلية تُلزم السكان بالالتزام بقواعدها ودفع الزكاة، أو الضرائب، مقابل عدم التعرّض للهجوم، وسمحت هذه الاتفاقيات للجماعة بتحويل تركيزها في الأشهر الأخيرة، ونقل قوّتها البشرية إلى بوركينا فاسو المجاورة، والدول الساحلية مثل بنين.
ويقدّر مسؤولون وخبراء من غرب أفريقيا وغربها أن جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" لديها ما بين 5000 و6000 مقاتل، لكن نقص المعلومات الاستخبارية يجعل من الصعب تحديد رقم نهائي.
ودائمًا ما يستهدف المقاتلون رموز النفوذ الأجنبي في المنطقة، بما في ذلك هجمات ضد القوات الفرنسية وقوات الأمم المتحدة، ومؤخرًا هدّدوا المقاتلين الروس الذين يقاتلون إلى جانب القوات المالية.
وقالت أنيليس برنارد، المستشارة السابقة في وزارة الخارجية والتي تدير الآن شركة أمنية خاصة تعمل في غرب أفريقيا، إن الجماعة انتشرت بشكل كبير لدرجة أنها "تؤثّر بشكل مباشر على الأمن القومي الأمريكي"، وأضافت: "إنهم يتوسّعون دون رادع في الدول التي طالما اعتبرناها شركاء أمنيين أقوياء".
ومنذ عام 2019، قتلت الجماعة أكثر من 5800 مدني في المنطقة، وفقًا لـACLED، وقُتل حوالي 9600 مدني على يد الجيوش الإقليمية والمليشيات المتحالفة مع الحكومة.
وقال سائق شاحنة إن جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" تسيطر على العديد من الطرق الرئيسية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر؛ وقد أبرم أصحاب الشاحنات صفقات مع المسلحين لضمان عدم إيقاف السائقين، حيث تُعدّ هذه الصفقات جزءًا من شبكة معقّدة من التجارة غير المشروعة للجماعة لتمويل نشاطها، والتي تتضمّن سرقة ماشية، وشبكات اختطاف، وتهريب المخدرات، والدراجات النارية.
ووفقًا للمحلّلين، فإن حصة كبيرة ومتزايدة من تمويل الجماعة تأتي من الضرائب المفروضة على المجتمعات في مالي وبوركينا فاسو.
وتقوم "نصرة الإسلام والمسلمين" الآن بتجنيد نشط في بنين، وبشكل عام تأتي أسلحة الجماعة من القوات الحكومية التي هزمتها، حيث جمعت ترسانة هائلة من المدافع الرشاشة، والطائرات المُسيّرة، والأسلحة المضادة للطائرات.
وأكّد مسؤول أمريكي أن الجماعة ترى في توسّعها نوعًا من "القدر المحتوم"، ويبدو أنها تسعى جاهدًة لإيجاد طريق إلى المحيط الأطلسي، مما سيزيد بشكل كبير من نطاق شبكات التهريب التابعة لها.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTQ4IA== جزيرة ام اند امز