انسحاب «فاغنر» من مالي.. انتقال روسي من التكتيك للاستراتيجية

تساؤلات أثارها انسحاب مجموعة فاغنر من مالي حول مستقبل النفوذ الروسي بالساحل، وسط مؤشرات على إعادة تموضع وتعزيز للسيادة الإقليمية.
وأكد خبراء ومحللون سياسيون أن الانسحاب لا يعني بالضرورة نهاية النفوذ الروسي في منطقة الساحل، بل قد يمثل بداية استراتيجية روسية جديدة أكثر رسمية عبر «فيلق أفريقيا»، التابع مباشرة لوزارة الدفاع الروسية.
- «فاغنر» تنسحب من مالي.. هل تفسح الطريق لـ«فيلق أفريقيا»؟
- الهجوم الأوكراني على كورسك.. نبوءة مؤسس «فاغنر» التي تحققت
ويأتي هذا التحول في توقيت حساس يشهد تصاعداً في التهديدات الأمنية وتحولات في التحالفات الإقليمية، ما يفتح الباب لتساؤلات واسعة حول مستقبل الوجود الروسي في غرب أفريقيا.
وأعلنت مجموعة فاغنر الروسية، يوم الجمعة 6 يونيو/حزيران، انتهاء مهمتها في مالي عبر قناة تليغرام تابعة لها، مؤكدة أن «المهمة أُنجزت» وأن «القوات عادت إلى الوطن».
وأشار البيان إلى أن «جميع العواصم الإقليمية باتت تحت سيطرة السلطات الشرعية»، و«تم القضاء على آلاف المقاتلين»، فيما أصبحت القوات المحلية «أكثر انضباطًا وقوة».
انتقال مدروس
لكن هذا الإعلان لا يعكس انسحابًا نهائيًا بقدر ما يعكس انتقالًا مدروسًا، إذ تشير المعطيات إلى أن روسيا بصدد إعادة تشكيل وجودها عبر «فيلق أفريقيا»، وهي قوة شبه عسكرية أكثر انضباطًا وترابطًا مع الدولة الروسية، يُتوقع أن تحل محل فاغنر في مهام الدعم والتنسيق الأمني.
ومنذ دخول فاغنر إلى الساحة المالية عقب انسحاب القوات الفرنسية وتدهور العلاقات بين باماكو وشركائها الغربيين، لعبت المجموعة دورًا محوريًا في دعم الجيش المالي.
هذا الوجود عزز نفوذ موسكو في الساحل، لكن اغتيال مؤسس فاغنر، يفغيني بريغوجين، دفع روسيا إلى إعادة النظر في أدوات تدخلها الخارجي، وهو ما يبدو أنه تجسّد في قرار الانسحاب.
من جانبه، قال الخبير في شؤون الساحل والصراعات الأفريقية، بيار دومينيك ديبوا، من المعهد الفرنسي للدراسات الاستراتيجية، لـ«العين الإخبارية» إن «هذا الانسحاب لا يمثل نهاية الوجود الروسي، بل بداية لتدخل أكثر مؤسسية».
وأوضح أن فاغنر كانت أداة تكتيكية، أما «فيلق أفريقيا» فهو مشروع استراتيجي طويل الأمد.
واعتبر ديبوا أن «تنسيق الانسحاب مع السلطات المالية وعدم وجود انتقادات علنية يكشف أنه جزء من خطة مسبقة».
ورأى الخبير السياسي الفرنسي أن رحيل فاغنر قد يكون الفصل الأول في كتاب جديد من التدخلات المنظمة تحت غطاء رسمي، مشيرًا إلى أنه مع تنامي الحاجة الإقليمية إلى شركاء أمنيين خارج الأطر الغربية، تبدو روسيا مستعدة لتقديم نفسها في هذا الدور، من خلال أدوات أكثر قابلية للتنسيق الدبلوماسي والعسكري، مثل «فيلق أفريقيا».
الموقع الجيوسياسي الجديد لروسيا
في الوقت الذي أعلنت فيه مالي والنيجر وبوركينا فاسو انسحابها من المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا «الإيكواس»، وتشكيل «تحالف دول الساحل» AES، تظهر روسيا كخيار بديل للشراكات الأمنية، في ظل تنامي الرغبة لدى هذه الدول في التحرر من الهيمنة الغربية.
وفي هذا السياق، صرح الباحث في العلاقات الدولية في مركز أفريقيا الجيوسياسي، فانسون ديالو، لـ«العين الإخبارية»، بأن «روسيا تدرك أن المرحلة الحالية تتطلب أدوات أقل جدلاً على الساحة الدولية، ولهذا يأتي فيلق أفريقيا كبديل يُضفي شرعية أكبر على تدخلاتها».
وأضاف: «نحن أمام تغيير في الشكل لا في الجوهر، لأن موسكو لا تنوي الانسحاب من المنطقة، بل تعتزم تثبيت أقدامها بمزيد من الانضباط السياسي والعسكري».
بين المهمة المنتهية واستراتيجية الاستمرارية
رغم أن بيان فاغنر قدّم الانسحاب على أنه «نهاية لمهمة»، إلا أن مراقبين يؤكدون أن إعلان «تحقيق الأهداف» ليس سوى غطاء لإعادة تموضع استراتيجي. فالمجموعة لم تكشف عن جدول زمني دقيق للانسحاب، ولم توضح مصير المعدات أو التنسيق مع القوات المحلية.
ووفق محللين، فإن روسيا تحاول اليوم تصدير صورتها كحليف موثوق وطويل الأمد لدول الساحل التي تبحث عن شركاء أمنيين جدد، خاصة مع التراجع الغربي. وتأتي هذه الخطوة متزامنة مع جهود موسكو لتقنين أدوات تدخلها، في ضوء الانتقادات الدولية التي طالت فاغنر بسبب سجلها في مجال حقوق الإنسان.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTQ4IA==
جزيرة ام اند امز