محاربة الإرهاب في ساحل أفريقيا.. «قوة موحدة» وتحديات
خطوة جديدة تقطعها دول الساحل الأفريقي، مالي وبوركينا فاسو والنيجر، في حائط صد يستهدف محاربة تنظيمات إرهابية باتت تثقل المنطقة بأسرها.
وقبل أيام، أعلنت البلدان الثلاثة تشكيل قوة موحدة قوامها 5 آلاف جندي لمحاربة الإرهابيين.
وتعد هذه المبادرة، التي كشف عنها وزير دفاع النيجر ساليفو مودي، جزءا من تحالف دول الساحل (إيه إي إس) والذي تشكل عام 2022.
وخلال إعلان تشكيل القوة، قال الوزير "مودي": "نحن في نفس المكان، ونواجه نفس التهديدات"، مضيفا أن "توحيد جهودنا أمر ضروري لأمن أراضينا وشعوبنا بمواجهة مجموعات متنقلة للغاية، تنفذ هجمات من منطقة الحدود الثلاثية".
وتشير تقارير إعلامية إلى أن هذه القوة المجهزة بموارد جوية وبرية واستخباراتية، ستدخل حيز التنفيذ خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
تحديات
من المعروف أن الدول الثلاث تغطي مجتمعة مساحة شاسعة من الأراضي تبلغ 2.8 مليون كيلومتر مربع، وتواجه نفس التحديات التي تعمل على زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة.
ودفعها ذلك إلى تشكيل كونفدرالية دول الساحل في 6 يوليو/تموز من العام الماضي، بعدما كانت معاهدة دفاع مشترك أنشئت في 16 سبتمبر/ أيلول عام 2023، والهدف الأساسي للتحالف هو الحماية من التهديدات المحتملة.
ويأتي تشكيل هذه القوة الموحدة بين الدول الثلاث بعد هجمات للتنظيمات الإرهابية الموجودة في المثلث الساحلي، والتي تهدد كل دولة على حدة، بالإضافة إلى تهديد الحدود المشتركة في منطقة تسمى "مثلث الموت".
فهل تستطيع الدول الثلاث محاربة هذه التنظيمات الإرهابية أفضل مما كانت عليه وقت وجود القوات الفرنسية على أراضيها؟
وهل تمتلك من الإمكانيات العسكرية واللوجستية ما يؤهلها للقيام بهذا الدور، خاصة مع عودة الهجمات الإرهابية من جديد؟
فرنسا «المعرقلة»؟
الدكتور علي يعقوب، عميد كلية الدراسات العليا والبحث العلمي بالجامعة الإسلامية بالنيجر، والمتخصص في شؤون غرب أفريقيا، يرى أن الدول الثلاث تستطيع محاربة الإرهاب بنفسها أفضل من القوات الفرنسية.
ويقول يعقوب، في حديث لـ"العين الإخبارية": "عندما كانت القوات الفرنسية موجودة، كان الإرهابيون في مالي يسيطرون على الشمال، والآن تم طردهم من المنطقة باستثناء بعض النقاط".
وأضاف أنه "في النيجر أيضا كانوا يهاجمون بقرب العاصمة نيامي، وهذا كله انتهى الآن"، مشيرا إلى أن "بوركينا فاسو استطاعت أن تحرر جزءا كبيرا من مناطقها الشمالية وبقي الجنوب فقط".
ووفق الخبير، فإن "الدول الثلاث استطاعت محاربة الإرهاب وتستطيع، لكن القوات الفرنسية كانت تعرقلهم، ولم تكن تساعدهم كما ينبغي -وفق ما رأينا واقعيا".
وتابع: "إذا حدث أي هجوم إرهابي يكون هناك رد فعل قوي جدا مباشرة، أما في السابق كان هذا غير ممكنا"، لافتا إلى أنه لم يقتل جندي فرنسي في البلدان الثلاثة.
وقال إن "جنودنا يموتون الآن للدفاع عن وطنهم، فمن يدافع عن بلاده يختلف عمن استؤجر للدفاع عن وطن غيره"، موضحا أنه "تبقى فقط مشاكل التنقلات والأوضاع الاقتصادية مع دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إكواس)".
«إثبات وجود»
من جهته، يعتبر مدير جامعة الميغلي الأهلية الدولية بالنيجر، الدكتور عبدالمهيمن محمد الأمين، أن "هذه القوة الموحدة بين الدول الثلاث يمكن أن تنجح إذا اتفقت بشكل صحيح ورتبت أمورها وأصبحت الأهداف واحدة والكل يساهم بدون أن يكون هنالك خلل".
ويتوقع الأمين، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن "أداء هذه الجيوش ربما سيكون أفضل من أداء القوات الفرنسية رغم إمكانات باريس الهائلة".
وأوضح أن "هذه الدول تحارب في مناطق جغرافية تعرفها، وهذا سيساعدها على أن تقوم بهذا الدور أفضل من القوات الفرنسية".
وأشار إلى أن "هذه الجيوش ستكون مدفوعة بهدف إثبات الوجود، وستستفيد كثيرا من تكنولوجيا المعلومات الموجودة من روسيا والصين وتركيا وغيرها".
وباعتقاد للأمين فإن "هذه الجيوش الثلاثة تشهد، من الناحية النفسية والإيمان بقضيتها، تحسنا كبيرا، ولديها عزم على تحقيق كل المكاسب الوطنية والأمن والاستقرار مع الإيمان بالقضية، ما يؤهلها للقيام بما لم تفعله فرنسا مع طرد القوات الفرنسية".
مقاربات أخرى
الخبير نفسه أشار إلى أن "الجيوش الثلاثة لديها معلومات الآن من العناصر التي تم القبض عليهم، وهذا سيفيدها كثيرا في الميدان والمعركة".
ومستدركا في الوقت نفسه: "لكن لا بد من استحضار مقاربات أخرى بالإضافة للمعادلة العسكرية لأنها دائما لا تحسم القضية".
وقال إنه "ينبغي أن نترك مساحة للحوار والمناقشة والتصالح خاصة مع الذين يحملون السلاح مع أبناء الوطن"، معتبرا أن "فرنسا والغرب وضعوا استراتيجية خطيرة تتبنى خيارا واحدا وهو العسكري".
في المقابل، يرى الكاتب الصحفي الموريتاني عبدالله امباتي أن القوة المشتركة لدول الساحل الأفريقي، "تشكل باختصار سند الضعيف على الضعيف".
وقال امباتي لـ"العين الإخبارية"، إن "فرنسا عندما كانت تحارب الإرهاب في الساحل استطاعت جعلت الكثير من المناطق خضراء، مقارنة مع الوضع هناك الآن".
وأضاف أن أغلب "المناطق في الساحل الآن صارت حمراء، ولا وجه للمقارنة بين الجيش الفرنسي وجيوش الساحل، من حيث العتاد والاستخبارات والتقنيات والقدرة المالية على الإنفاق على الحرب".
وبحسب الخبير، فإنه "لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون جيوش الساحل بديلا أفضل من فرنسا"، معتبرا أن "القادة العسكريين في الدول الثلاث يقودون دولهم إلى مزيد من انعدام الأمن في المنطقة".
aXA6IDMuMTMzLjE0My4xOTkg
جزيرة ام اند امز