ليس مستغرباً أن تعد الدوحة وأنقرة أن المجلس الانتقالي الحالي عدو لمصالحهما، وأنه لا بد من إسقاطه بأي ثمن.
لن تقبل الدوحة، بأي شكل، وبسهولة، الإقرار بأي هزيمة إقليمية مهما كان الثمن ومهما كانت الخسائر.
لذلك لا تتوقف عن التصعيد في السودان وليبيا وغزة، ولا تتوقف عن دعم جماعة الإخوان، ولا تتوقف عن السباب والشتائم عبر «الجزيرة» ووكلائها الإعلاميين حول العالم.
آخر حالات الردود القطرية على نجاح القمم الخليجية والعربية والإسلامية في مكة وعلى خسائرها في تحالفاتها الداخلية في ليبيا والسودان هو الآتي:
1- الإعلان الرسمي عن الرفض القطري لبياني قمتي مجلس التعاون والجامعة العربية تحت دعوى رفضها لما جاء في البيانين، لأن فيهما عبارات ومقاطع غير مقبولة، وأنهما سُلما إلى الوفود في وقت متأخر، ولم يعطَ الوفد القطري الوقت اللازم للاطلاع عليهما.
المذهل أن الوفد القطري في كل هذه القمم لم يعترض بكلمة واحدة.
لاحِظ أن قطر هي الوحيدة التي احتجت من ضمن 56 دولة حضرت 3 قمم.
نحن إزاء معركة صراع إقليمي ودولي على الملعب السوداني، وبأدوات سودانية، سوف يدفع ثمنه كعادة مثل هذه الصراعات الشعب الطيب الصبور في كل زمان ومكان، ونعود إلى الفيلم التراجيدي الجديد الذي يبدأ بـ«يسقط.. يسقط» وينتهي بـ«ارحل.. ارحل»!
وأعلنت قطر دعمها المستمر لإيران التي ترتبط معها باتفاقات أمنية وعسكرية وتجارية وتشاركها في أكبر حقل غاز في العالم.
2- نشاط الأجهزة القطرية في تسخين الأوضاع الداخلية في السودان بعد خسارتها الكبرى بفقدان حكم عمر البشير الذي حاول اللجوء لدعم الدوحة في زيارته الأخيرة لها في يناير الماضي.
وتكرر شعور الدوحة بمرارة الخسارة بعد خسارتها للواء «بن عوف» المرتبط بجماعة الإخوان السودانية، والعديد من رموز الدولة العميقة.
دفعت كل من الدوحة وأنقرة مؤخراً أموالاً لا حساب لها لتحريك الأوضاع داخل السودان ضد المجلس الانتقالي العسكري.
العلاقة بين قطر والسودان في عهد عمر البشير فيها «ارتباط قوي» و«تنسيق أمني» ومصالح تجارية وعسكرية وشخصية.
الاستثمارات القطرية في السودان تبلغ 3٫7 مليار دولار، وهي خامس أكبر مستثمر أجنبي، وهناك تمويل حكومي قطري للصناعات العسكرية السودانية، وتمويل لبناء قاعدة عسكرية تركية في جزيرة سواكن بـ4٫7 مليار دولار كان الهدف منها تهديد الأمن القومي المصري.
وليس مستغرباً أن تعد الدوحة وأنقرة أن المجلس الانتقالي الحالي عدو لمصالحهما، وأنه لا بد من إسقاطه بأي ثمن.
ولم تتوقف وسائل الإعلام القطرية والأخرى التابعة لتركيا الناطقة بالعربية عن فعل الدور ذاته تحت دعوى أن ما حدث في السودان هو «انقلاب» وليس ثورة، وأن الحل هو إسقاط المجلس وتسليم السلطة لقوى مدنية معظمها موالية للإخوان والتيارات الموالية تماماً لقطر والمعادية لمثلث مصر والسعودية والإمارات.
وما حدث فجر أمس في الخرطوم من اقتحام الاعتصام من قِبل جهات الأمن والجيش هو استنساخ قصة ميدان «رابعة» في القاهرة، بحيث يتم تصوير الوضع في السودان:
1- إسقاط المجلس العسكري.
2- القصاص للشهداء منذ 11 أبريل حتى الآن.
3- توقف التفاوض بين القوى المدنية والمجلس العسكري.
4- إعلان القوى التابعة للدولة العميقة للعصيان المدني وإحداث حالة من الشلل التام في البلاد.
5- تشويه صورة الحكم الحالي في السودان و«تجريم» سلطته واعتباره قوى «معادية للديمقراطية». وجاء بيان السفارة الأمريكية في الخرطوم ليعكس هذا الموقف تماماً، والذي أكد في نصه: «أنه لا يمكن اعتبار المجلس العسكري قادراً على الحكم وإدارة شؤون البلاد بعد ذلك».
وما نراه في الساعات المقبلة تنسيقا كاملا بين التجمع من أجل التغيير وتجمع المهنيين، والسفارة الأمريكية، وحلفاء قطر وتركيا في السودان على أساس أن ما قبل الثالث من يونيو يخالف ما بعده.
بالطبع لا أحد في الدنيا سوى قطر وتركيا كان يريد أي صدام بين قوى الأمن والجيش من ناحية وقوى مدنية من ناحية أخرى.
إنه نموذج «سابق التجهيز» يتم استحضاره واستنساخه وتسخينه بهدف الوصول إلى الهدف المعلوم وهو إدانة القوى التي قامت بفض الاعتصام بصرف النظر عن أهداف الاعتصام أو نوايا القائمين عليه أو ما يخطط داخله.
باختصار قام «البشير» منذ 30 عاماً بانقلاب وقام الجيش بقيادات موالية له بالانقلاب عليه لحماية المؤسسة العسكرية خوفاً من انفلات الأمور، ثم حدث في أقل من 48 ساعة انقلاب من قيادة المجلس «على الانقلاب على الانقلاب».
ما يحدث الآن هو تحريك الشارع ضد المجلس العسكري غير الموالي للمصالح القطرية - التركية المؤيدة للدولة العميقة المؤسسة خلال 30 عاماً في جميع الأجهزة بجماعات الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان المرتبطة بالتنظيم الدولي في لندن.
نحن إزاء معركة صراع إقليمي ودولي على الملعب السوداني، وبأدوات سودانية، سوف يدفع ثمنه كعادة مثل هذه الصراعات الشعب الطيب الصبور في كل زمان ومكان، ونعود إلى الفيلم التراجيدي الجديد الذي يبدأ بـ«يسقط.. يسقط» وينتهي بـ«ارحل.. ارحل»!
السؤال الكبير: هل فض الاعتصام هو بداية فض الدولة الوطنية في السودان؟
الأيام القليلة المقبلة حُبلى بميلاد مخاض جديد.
نقلاً عن "الوطن المصرية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة