بعد مطالبات صندوق النقد.. كيف يتحرك المركزي المصري (تحليل)
تتفاوض مصر مع صندوق النقد الدولي للتوصل لاتفاق لاستكمال البرنامج الموقع في 2022 للحصول على قرض بـ3 مليارات دولار، وزيادة قيمة التمويل.
ويضع صندوق النقد شروطًا لمواصلة المسيرة وإقرار برنامج التمويل الإضافي، منها تشديد السياسة النقدية (رفع الفائدة) وتحريك سعر العملة (سعر صرف أكثر مرونة).
واستطلعت "العين الإخبارية" آراء خبراء اقتصاد ومصرفيين، لمعرفة السيناريوهات المتوقعة للمركزي المصري خلال الأيام القادمة، لإتمام الاتفاق مع صندوق النقد وزيادة حجم القرض.
اجتماع استثنائي للمركزي.. سيناريو محتمل
يذكر الخبير الاقتصادي، خالد الشافعي، أن عقد اجتماع استثنائي للبنك المركزي هو أبرز السيناريوهات المتوقعة، لرفع سعر الفائدة، وتحرير سعر صرف العملة، مع احتمالية تطبيق سياسة "مرونة سعر الصرف".
ويوضح أن “التعويم ورفع الفائدة” مطلبان أساسيان لصندوق النقد، وفق تصريحات المتحدثة باسم الصندوق خلال يناير/كانون الثاني الجاري، بأن المناقشات مع مصر تناولت الحاجة لتشديد السياسة المالية والنقدية، بالإضافة للتحرك لتطبيق سياسة “سعر صرف مرن”.
ويبين الشافعي، أن تشديد السياسة النقدية يصحبه عادة طرح شهادات ادخارية بعائد مرتفع، لامتصاص السيولة من الأسواق والحد من المضاربة على الدولار، وكان بنكا الأهلي مصر، قد أعلنا في مطلع يناير/كانون الثاني الجاري، طرح شهادات ادخارية بأعلى عائد يصل إلى %27 سنويًا، وشهادة بـ23.5% بعائد شهري.
رفع الفائدة بين 2 و3%
يتفق الخبير المصرفي، محمد بدرة، مع أن البنك المركزي سيلجأ لعقد اجتماع استثنائي خلال الأيام المقبلة، بهدف تشديد السياسة النقدية وتحريك سعر العملة، وسط مطالبات الصندوق بإصلاحات هيكلية.
ويتوقع بدرة، رفع سعر الفائدة ما بين 2 و3%، لمواصلة جهود مكافحة التضخم، وتحقيق مستهدفات الحكومة لوصول التضخم إلى 10% بنهاية 2025، مضيفًا أن تحقيق ذلك يتوقف على توفير عملة أجنبية لتقليل الفجوة بين السوقين الرسمية والموازية.
فيما يتعلق بارتفاع مستويات التضخم خلال الشهور الماضية، ليسجل 34.2% في ديسمبر/كانون الأول 2023، وفقًا لبيانات المركزي، أرجع الخبير المصرفي الأمر إلى عدم التزام الحكومة بخطة الإصلاح الاقتصادي وتطبيق مرونة سعر الصرف.
رفع الفائدة 5%
يرى الخبير الاقتصادي، هاني جنينة، أن البنك المركزي سيرفع سعر الفائدة بما لا يقل عن 5%، على أن يتبعه تحريك سعر الصرف، بالإضافة إلى حزمة اجتماعية جديدة (زيادة المرتبات، والمعاشات) وكذلك رفع أسعار الخدمات، حتى يمكن التعديل في هيكل الموازنة العامة، ليرتفع عجز الموازنة من ناحية الفائدة، فيما يقل من ناحية المصروفات الأخرى، بما يحقق التوازن.
ويؤكد جنينة، أنه لا توجد مؤشرات لاتجاه المركزي لعقد اجتماع استثنائي، على أن تجتمع لجنة السياسة النقدية في موعدها مطلع فبراير/شباط المقبل، بعد التوصل لاتفاق مع صندوق النقد، وتحديد القيمة النهائية للقرض؛ وتتوقع وزارة المالية إتمام مراجعتي الصندوق خلال الربع الأول من 2024.
اجتماع المركزي في موعده
“لا داعي لعقد اجتماع استثنائي”، هكذا ترى الخبيرة المصرفية سهر الدماطي، مضيفة أن اجتماع لجنة السياسة النقدية بات قريبًا مطلع الشهر المقبل، ولا يمكن التنبؤ بخطوات المركزي قبل التوصل لاتفاق نهائي مع الصندوق، سيتحدد بناءً عليه اتجاه الحكومة.
وتضيف الخبيرة المصرفية، أنه بإمكان الحكومة التفاوض مع الصندوق على الشروط المطلوبة، لعدم حدوث تأثيرات سلبية على النشاط الصناعي والتجاري عبر رفع الفائدة البالغة 19.25% للإيداع و20.20% للإقراض.
وتؤكد الدماطي، أن تشديد السياسة النقدية يُحمِِّل موازنة الدولة أعباء إضافية؛ وهو ما ذكره وزير المالية المصرية في ديسمبر/كانون الأول 2022، بأن كل زيادة بنسبة 1% في سعر الفائدة يكبد الموازنة العامة للدولة بين 30 إلى 32 مليار جنيه عبء دين.
أهمية التعويم
“التعويم ليس هدفًا في حد ذاته”، بهذه الكلمات يعلق الخبير الاقتصادي بلال شعيب، قائلًا أن تحرير سعر الصرف يهدف إلى اتخاذ بعض الإجراءات الاقتصادية من خلال الجناحين الأساسيين لإعادة هيكلة الاقتصاد عبر السياسة المالية والنقدية.
ويضيف أن السياسة النقدية تحملت أكثر من استطاعتها خلال الفترة الأخيرة، في ظل ارتفاع أسعار الفائدة وتحرير سعر الصرف، مؤكدًا أن الدولة يمكنها اتخاذ مجموعة من السياسات المالية لتحقيق نتائج أفضل، فحصيلة صادرات مصر نحو 45 مليار دولار مقابل حوالي 90 مليار دولار واردات، ما يعني وجود خلل هيكلي بنحو 50% من التدابير الدولارية المطلوبة.
ويشير شعيب، إلى أن “تحرير سعر الصرف” لن يُحدِث تأثيراً إيجابياً، حتى لو كان أحد شروط صندوق النقد، فالصندوق له بعض التجارب التي أثبتت فشلها مثل البرازيل والأرجنتين.
تحريك سعر الصرف أولاً
تتوقع شركة الأهلي فاروس لتداول الأوراق المالية، أن يُبقي المركزي سعر الفائدة دون تغيير لحين تحريك سعر صرف الجنيه، الذي سيحدث في المستقبل القريب.
وقالت محللة الاقتصاد الكلي بوحدة البحوث بالشركة، إسراء أحمد، في تقرير صدر الأربعاء 11 يناير/كانون الثاني الجاري، إن تباطؤ معدلات التضخم السنوية للشهر الثالث خلال ديسمبر/كانون الأول 2023، جعل رفع سعر الفائدة مرهون بتحريك سعر الصرف في المقام الأول.
وتقترب الحكومة المصرية من التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد لزيادة القرض الموقع في ديسمبر/كانون الأول 2022 لتصل قيمته إلى 6 مليارات بدلاً من 3 مليارات دولار، في ظل تطورات الأحداث بالشرق الأوسط.
وتواجه مصر مستويات ديون خارجية مرتفعة، وتضررت بشدة من حرب غزة، التي تسببت في تعطيل حجوزات السياحة وواردات الغاز الطبيعي، بالإضافة إلى تأثرها بالهجمات الأخيرة على سفن البحر الأحمر التي عرقلت الملاحة في قناة السويس.