"أسطورة" أحمد خالد توفيق

لسنوات طويلة، ما يقترب من ربع القرن، تربع الكاتب والطبيب المصري أحمد خالد توفيق على عرش الأكثر "جماهيرية وانتشارا ومبيعا" في مصر والعالم العربي
لسنوات طويلة، ما يقترب من ربع القرن، تربع الكاتب والطبيب المصري أحمد خالد توفيق على عرش الأكثر "جماهيرية وانتشارا ومبيعا" في مصر والعالم العربي، منذ دشن سلسلة الجيب الشهيرة "ما وراء الطبيعة" وبطلها الدكتور رفعت إسماعيل في عام 1992. اسمه دون منازع يحلق وحده بين الشرائح العمرية التي تتراوح بين الثالثة عشرة والثلاثين (وهناك قطاع لا بأس به فوق هذه السن يعتبره كاتبه المفضل بلا منافس)، نجح أحمد خالد توفيق في الحفاظ على هذه المكانة والاحتفاظ بهذا الجمهور باقتدار وتواضع وتواصل، طوال ما يزيد على العشرين عاما.
"العراب" هو اللقب المفضل لعشاق كتابته، واللقب الأكثر التصاقا به منذ أطلقه عليه مريدوه وجمهوره العريض خاصة في المحافظات خارج حدود القاهرة الكبرى، كانت تجربته العملية والكتابية ملهمة بأكثر من وجه وعلى أكثر من مستوى: خرج من عباءة أحمد خالد توفيق جيل أو جيلان (ربما ثلاثة أو أكثر!) تتراوح أعمارهم الآن بين الثلاثين والأربعين؛ صار منهم أسماء معروفة في مجال الكتابة (كتابة الرعب والفانتازيا) وفي مجالات أخرى أبرزها كتابة السيناريو والميديا والفضائيات والصحافة.
البعض اعتبر أحمد خالد توفيق وما أنتجه على مدار عقدين من الزمان "ظاهرة كتابية" مثيرة للخيال والاهتمام معا، فالرجل الذي بدا أن تركيبته الشخصية "غريبة" و"مختلفة" وأمْيل إلى التأمل والانطواء، بدأ حياته كاتبا لروايات الجيب، تسلم الراية من رائدها الكبير "د.نبيل فاروق" ألمع اسم ظهر في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، بعد أن صار حلقة أساسية في تكوين أجيال من القراء أو الذين صاروا قراء يمارسون عادة القراءة ويشغفون بها، من خلال سلاسل الجيب التي أنتجها وانتشرت كالنار في العالم العربي كله (رجل المستحيل، وملف المستقبل، ومن بعدهما كوكتيل 2000، ثم بانوراما، وزوم.. إلخ).
كان ظهور أحمد خالد توفيق بسلسلته "ما وراء الطبيعة" إعلانا عن بدء مرحلة جديدة في تاريخ كتب الجيب وكتب الإثارة وقصص التسلية والمتعة في الثقافة العربية، كان طموحه أكبر من هذا بكثير، ثقافته الواسعة وإجادته للإنجليزية ونهمه للقراءة خاصة في مجال الأدب والخيال العلمي والفانتازيا ساعده على أن يتجاوز فكرة تقديم سلسلة للجيب، مثيرة وشائقة، وانتهى الموضوع عند هذا الحد!
وَعْي أحمد خالد توفيق بالنوع الكتابي الذي استهل به تجربته الكتابية كان مركزا للدرجة التي يصح معها القول إنه نجح باقتدار في أن يكون رائدا لكتابة الرعب والإثارة، عنها يقول "منذ زمن طويل وقصص الرعب تشد اهتمامي، وكنت أبحث عنها في نهم ولم أجد العدد الكافي الذي يشبعني فقررت أن أكتبها أنا شخصيا حتى يكون لدي ما يكفيني منها. ولذلك فأنا قارئ جيد جدا لقصصي وأستمتع بها أيضا".
من ناحية أخرى، كان نصب عينيه دائما أنه يكتب لشرائح عمرية معينة، ومن ثم تغيا أهدافا تثقيفية متعددة؛ أولها أن تكون "القراءة" سلوكا محببا ومرغوبا فيه لدى الشباب بدءا من سن الثانية عشرة فما فوق، وأن تصبح القراءة كفعل طقس يومي مثل الأكل والشرب، وثانيا أن تكون عملية "القراءة" هذه ممتعة ومثيرة ومسلية، فضلا عن أن تكون مضمنه بقدر لا بأس به من الإشارات إلى مواد معرفية متنوعة؛ في الطب والفلك والنجوم والكواكب، في التحليل النفسي والاجتماع، في طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة، في التاريخ والأدب.. إلخ. وثالثا تكون قراءة هذه الأعمال (أعمال الجيب) مرحلة تقود إلى مرحلة تالية ينتقل إليها الشاب/ الشابة لقراءة أشكال وأنواع أخرى مختلفة من الأدب. يعلن ذلك بوضوح "لاحظت أن الأدب العربي رغم تنوعه إلا أنه محدود القرّاء فعمدت إلى هذه الخلطة في قصصي والتي تعتمد على مزج الأدب بالمغامرة، شيء يمكن أن تطلق عليه "تأديب المغامرة" أو" تغمير الأدب".".
وفي حوار أجراه معه الصحفي سامح فايز، قال أحمد خالد توفيق بوضوح "لا أستطيع أن أقول إن كل ما أكتبه ينفع لكل فترات العمر، فأنا أكتب لشريحة عمرية معينة، ثم بعد فترة ينتقلون لقراءة نوع آخر من الأدب، ومع ذلك فقد حاولت في كتاباتي أن أنتقل لشريحة أعلى في مستوى الكتابة، إلى جانب أنني دائما أسعى لفتح سكك جديدة للقراءة، حيث إنني أعتبر نفسي مثل مدرس الابتدائي الذي يظل مع تلاميذه ويوجههم لنوع الدراسة اللاحقة ولا يتركهم. قرائي يعرفون أنني لم أكف لحظة عن الكلام عن يوسف إدريس وطه حسين وتشيكوف وبرادبوري وجابرييل جارثيا ماركيز.. وغيرهم".
كان أحمد خالد توفيق واعيا ومدركا لهذا كله، صريحا ومباشرا في الإعلان عن هذه الأهداف، يقول: "دائمًا ما أحاول الوصول إلى المعادلة الوسط أن أكتب ما أريد أن أكتبه، وأيضًا أن أكتب ما يمكن أن يقرأه الشباب، لا أزعم أن ما أكتبه يناطح كتابات "يوسف إدريس" أو"صنع الله إبراهيم" مثلا، ولكني أعتقد أنه أرقى مما كتبته "أجاثا كريستي" مثلا".
يمكن، إجرائيا، تقسيم إنتاج أحمد خالد توفيق، خلال خمسة وعشرين عاما، إلى ثلاث دوائر: الأولى، كتابة روايات الجيب وسلاسل الجيب، في هذه الدائرة قدم حوالي ست سلاسل شملت ما يقرب من 236 عددا، أيضا ضمن هذه الدائرة قدم كمًّا لا بأس به من ترجمات عالمية لروايات أجنبية في قطع الجيب (سلسلة روايات عالمية للجيب)، من السلاسل الست التي قدمها أحمد خالد توفيق (ما وراء الطبيعة (عام 1993)، و"فانتازيا" (عام 1995)، و"سافاري" (عام 1996)، وغيرها. هذه المرحلة حقق خلالها أحمد خالد توفيق نجاحا غير مسبوق، حقق ما يطمح إليه أي كاتب من انتشار وجماهيرية ورواج، صار اسمه لما يزيد على عشر سنوات "أيقونة" لهذا اللون من الكتابة.
الدائرة الثانية خلال الفترة (2000-2005)، وهي التي بدأ فيها كتابة المقالات الدورية للصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية، وهذه الدائرة أيضا حظيت برواج كبير ومتابعات مذهلة، خاصة أنها تواكبت مع انتشار الإنترنت والميديا الحديثة (2000-2005)، ويعد أحمد خالد توفيق من كتاب المقالات الممتازين الذين يحققون قراءات بالآلاف، خاصة أن هذه النافذة أظهرت إلى حد كبير الخلفية الثقافية الواسعة التي حصلها كما ظهرت أيضا سماته الأسلوبية ككاتب مقال وعلى رأسها السخرية المبطنة بمرارة، والنقد الناعم لظواهر ثقافية واجتماعية وسياسية.. إلخ.
أما الدائرة الثالثة، فهي دائرة كتابة الرواية بمعناها "الفني" الذي يراه قراؤها المحترفون والمتخصصون فيها، وفي هذه الدائرة أخرج أحمد خالد توفيق 4 روايات نالت حظها هي الأخرى من الانتشار والرواج، استهلها برواية "يوتوبيا"، ثم "السنجة"، و"مثل إيكاروس"، وأخيرا "في ممر الفئران". بالتأكيد، يمثل أحمد خالد توفيق وكتاباته وتأثيره واسع المدى ظاهرة حقيقية جديرة بالبحث، وتشكل تجربته في مجملها مادة ثرية للباحثين في علم اجتماع الأدب، ومنظِّري الأنواع الأدبية، والمهتمين بأشكال الكتابة البوليسية وكتابة الرعب.
aXA6IDIxNi43My4yMTcuMSA= جزيرة ام اند امز