العالم ينتظر فعاليات غير مسبوقة في COP28 (مقابلة)
مدير إقليم شرق المتوسط بمنظمة الصحة العالمية يكشف التفاصيل
قد تمر سنوات على تقلد المسؤول منصبه، ولا تشعر ببصماته الواضحة، ربما يكون لذلك أسباب تتعلق بطبيعة الفترة التي تسلم خلالها المنصب، كأن تكون "هادئة بلا أي تحديات"، وبالتالي لا تعطي المسؤول فرصة لإظهار قدراته.
لا ينطبق هذا الوضع بأي حال من الأحوال على الدكتور أحمد المنظري، مدير إقليم شرق المتوسط بمنظمة الصحة العالمية، إذ يكفي أن تكون مديرا لإقليم يعج بالصراعات والأحداث الساخنة، حتى يكون على أجندتك اليومية عشرات التحديات، التي تنتظر منك قرارات سريعة وحاسمة.
وبينما كان الدكتور المنظري، ذلك الرجل القادم من تجربة نجاح في تطوير النظام الصحي بسلطنة عمان، يواجه عشرات التحديات الصحية بمنصبه الإقليمي، وهو يحاول ألا يتخلى عن ابتسامته الهادئة، حتى جاءت جائحة "كوفيد 19"، بعد نحو ثلاث سنوات من تقلده المنصب، لتضيف تحديا جديدا وكبيرا، قاد خلاله جهود دول الإقليم البالغ عددها 22 دولة، للعبور إلى بر الأمان بأقل الخسائر الممكنة.
ولم يكد يلتقط الأنفاس حتى عبرت الطبيعة عن غضبها من خلال زلزال تركيا وسوريا، وقبله فيضانات باكستان، مما استلزم تحركات إضافية، لاستيعاب التداعيات الصحية للكارثتين.
وتوصف كارثة باكستان على وجه التحديد، بأنها "الكارثة المناخية الأكبر"، والتي تكشف بوضوح عن العلاقة بين الصحة والمناخ، فإلى جانب ما خلفته من تدمير بالبنية التحية كانت المحرك للأوبئة المنقولة بواسطة البعوض، والتي تجد في بيئة مياه الفيضانات، فرصة للانتشار، وهو ما يؤكد أن الصحة يجب أن تكون في قلب العمل المناخي، وهو التوجه الذي يعمل عليه المكتب الإقليمي للمنظمة، ويتحدث عنه الدكتور المنظري، في مقابلة خاصة مع "العين الإخبارية"، قبل أشهر من استضافة دولة الإمارات قمة المناخ "COP28".
بداية نجحت المنظمة خلال "COP27" بشرم الشيخ في وضع الصحة ضمن أولويات العمل المناخي، فماذا تخططون لقمة "COP28" في دبي؟
تجري بالفعل عملية بناء على ما تحقق، وتم الوصول إليه خلال قمة المناخ الأخيرة (COP27)، التي عقدت العام الماضي في شرم الشيخ، وسيتم ولأول مرة في تاريخ مؤتمرات الأطراف إدراج "يوم للصحة" كجزء لا يتجزأ من أجندة مؤتمر COP28 في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة هذا العام، وسيتضمن هذا اليوم فعاليات صحية متعددة، بما في ذلك اجتماع عالمي لوزراء الصحة والمناخ للتداول بشأن العلاقة المعقدة بين تغير المناخ والصحة العامة، وجناح دائم لمنظمة الصحة العالمية لاستضافة الفعاليات الصحية طيلة أيام المؤتمر، واجتماع للتحالف العالمي، من أجل إحداث تحوّل في مجالي المناخ والصحة لمناقشة بناء أنظمة صحية مرنة ومستدامة بيئياً للتأقلم والتقليل من الآثار الصحية السيئة للتغير المناخي.
وما هي قيمة هذه الفعاليات المتنوعة من وجهة نظرك؟
هي بمثابة تحول كبير، حيث سيتم خلالها تسليط الضوء على الاعتراف بالصحة كركيزة مركزية في مناقشة المناخ على أعلى مستوى خلال مؤتمر الأطراف، وهو الحدث السنوي الذي يجمع حكومات العالم تحت رعاية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وسيتم توعية حكومات العالم وواضعي السياسات بضرورة زيادة الوعي حول الآثار الصحية المباشرة وغير المباشرة لتغير المناخ، وسيتم التقييم العالمي الأول لاتفاقية باريس خلال COP28، وهي عملية لتقييم تنفيذ اتفاقية باريس بهدف تقييم التقدم الجماعي العالمي نحو تحقيق الغرض من الاتفاقية وأهدافها طويلة الأجل، وستعمل منظمة الصحة العالمية مع جميع الشركاء على أن يتم إدراج البعد الصحي.
تركز دوما في مداخلاتك على نهج الصحة الواحدة.. فهل يمكن تخصيص وحدة تابعة للمكتب الإقليمي، ضمن الآلية الإقليمية التي تم الاتفاق عليها مؤخرا، وذلك لتعقب الأمراض التي يتسبب تغير المناخ في اتساع رقعتها؟
لقد اتبعنا في إقليم شرق المتوسط نهج رؤية الإقليم 2023، وهو الصحة للجميع وبالجميع، والتي من خلالها استطعنا تسليط الضوء على أن الصحة هي مسؤولية الجميع شاملا بذلك جميع القطاعات والأفراد والمجتمعات وليس قطاع الصحة فقط، وقمنا خلال السنوات الخمس الماضية من عمر هذه الرؤية بتنفيذ عدد من البرامج التي طبقت نهج الصحة الواحدة.
فعلى سبيل المثال أصدرت اللجنة الإقليمية لشـرق المتوسط لمنظمة الصحة العالمية في دورتها التاسعة والستين عام 2022 قرارا للنهوض بنهج الصحة الواحدة في إقليم شرق المتوسط ، وذلك من خلال تطبيق الإطار التنفيذي الإقليمي بشأن الصحة الواحدة، وأكدت أن الأمراض التي تسببها مسببات الأمراض المنقولة بالغذاء والمياه لا تزال تشكل قلقا لمسؤولي الصحة العامة في جميع أنحاء العالم.
وأن الكائنات الحية الدقيقة المقاومة للمضادات الحيوية آخذة في الازدياد بين البشر والحيوانات والغذاء والبيئة، ما يجعل مقاومة مضادات الميكروبات تهديدا للأمن الصحي؛ وأن كلتا هاتين المسألتين تهدد تحقيق أهداف التنمية المستدامة، مع ملاحظة الوضع المعقد والصعب في إقليم شرق المتوسط بسبب الصراع الاجتماعي والاضطرابات والأحداث المتعلقة بالتغير المناخي وعدم الاستقرار السياسي والقيود الاقتصادية، وما ينجم عن ذلك من تعطل للنظام الصحي والهجرة البشرية والتهجير القسري وتحركات الحيوانات عبر الحدود، وما لها من آثار على ظهور الأمراض الحيوانية المنشأ ومكافحتها وإدارتها.
وقد تم إنشاء آلية تنسيق صحي إقليمية رباعية الأطراف تشمل منظمات الفاو والصحة العالمية وصحة الحيوان وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، للإشراف على الأنشطة ذات الصلة بالصحة الواحدة داخل الإقليم وإدارتها ولتسهيل تنفيذ خطة العمل المشتركة العالمية للصحة الواحدة (2022-2026)، بالتنسيق مع المكاتب القطرية لمنظمة الصحة العالمية، والمكاتب الإقليمية الأخرى لمنظمة الصحة العالمية والمقر الرئيسي لمنظمة الصحة العالمية، وقد عقدت هذه اللجنة أول اجتماعاتها في العاصمة العمانية مسقط في شهر مايو/أيار 2023، وأوصت بضرورة التصدي للتغير المناخي والتأقلم معه كركيزة أساسية في نهج الصحة الواحدة.
صندوق الخسائر والأضرار
أقرت قمة "COP27" صندوق الخسائر والأضرار، وسيتم الاتفاق على تفاصيله في "COP28"، هل يمكن أن يكون لمنظمة الصحة العالمية نصيب من حصة الخسائر والأضرار؟
سيكون "COP28" علامة فارقة للتقدم في مباحثات صندوق الخسائر والأضرار، وسيتم تخصيص بعض الموارد ليتم تفعيله في المؤتمر، وسيساعد إنشاء صندوق الخسائر والأضرار البلدان والمجتمعات في التعامل مع الطرق العميقة التي يغير بها تغير المناخ حياتنا والاستجابة لها، وستعمل منظمة الصحة العالمية على تأكيد ضرورة أن يقوم صندوق الخسائر والأضرار بتعويض الدول التي تتضرر منشآتها وأنظمتها الصحية من تأثيرات التغير المناخي المباشرة وغير المباشرة بما في ذلك الأضرار التي لحقت بالمرافق الصحية والبنية التحتية لسلسلة التوريد، وتكاليف علاج الأشخاص الذين يعانون آثارا صحية، والتكاليف التي تتكبدها الأسر والاقتصاد الوطني الناتجة عن فقدان إنتاجية العمل، ويمكن أن تكون هذه الخسائر حادة، مثل الوفيات الناجمة عن الظواهر الجوية المتطرفة، أو مزمنة مثل سوء التغذية الناجم عن ندرة الغذاء، أو العبء المتزايد للأمراض المنقولة بالنواقل، والمرتبطة بالتغيرات المناخية في هطول الأمطار ودرجة الحرارة.
ضمن استعداد المنظمة لإعداد معاهدة الأوبئة، هل ترى أن تغير المناخ وما يثيره من مخاوف تتعلق بانتشار الأوبئة، يمكن أن يكون دافعا من أجل الاتفاق السريع؟
قامت جمعية الصحة العالمية في عام 2021 بإنشاء هيئة تفاوض حكومية دولية لصياغة اتفاقية أو صك دولي آخر والتفاوض بشأنها بموجب دستور منظمة الصحة العالمية لتعزيز الوقاية من الأوبئة والتأهب والاستجابة لها، ويعتمد عمل هذه الهيئة على مبادئ الشمولية والشفافية والكفاءة وقيادة الدول الأعضاء وتوافق الآراء.
وما زالت المفاوضات مستمرة حول الشكل والصيغة النهائية للمعاهدة أو الاتفاقية أو أي شكل آخر من الآليات للوقاية من الجوائح المرضية والتأهب والاستجابة لها، وقد قامت هذه اللجنة خلال اجتماعها الرابع في يناير/كانون الثاني من العام 2023 بصياغة المسودة صفر، والتي تتضمن العديد من الفقرات التي تشدد على ضرورة التصدي للتغير المناخي والمخاطر البيئية الأخرى كإحدى الركائز الأساسية.
المناخ والحديث عن الذكاء الاصطناعي وقدراته، هل ترى أنه مقبول أم أنكم تخشون بشكل مطلق التوسع في استخداماته بمجالات الصحة؟
إن إنشاء نظم رصد وإنذار مبكر للأمراض المتعلقة بالمناخ ضرورة ملحة، وتحتاج هذه النظم إلى بيانات جغرافية ومناخية وصحية وبيولوجية كثيرة، ولا بد من استخدام النماذج المحوسبة من أجل تزويد النظم الصحية بالمعلومات الكافية التي تنذر بظهور أمراض جديدة، أو بظهور أمراض مستوطنة في مناطق جغرافية جديدة مما يزيد من قدرة واستعداد النظم الصحة على التصدي للجوائح المرضية، ولكن هذه النماذج معروفة ومجربة خلال السنوات العشر الماضية، وهي لا تستخدم الذكاء الاصطناعي، ولكنها تعتمد على بيانات يتم جمعها من خلال أنظمة الرصد الصحية والبيئة والجغرافية ومن الأقمار الصناعية.
أخيرا.. هل يوجد تنسيق مع المسؤولين في دولة الإمارات بشأن حجم مشاركة المنظمة في "COP28"، وماذا تتوقعون من مخرجات لهذه القمة في مجال الربط بين الصحة والعمل المناخي؟
لقد بدأ التنسيق بين المنظمة والمسؤولين في دولة الإمارات العربية المتحدة في أثناء "COP27"، والذي عقد في شرم الشيخ عام 2022، حيث تم عقد اجتماع جانبي مطول بين المنظمة، ورئاسة "COP27" ورئاسة "COP28"، والعديد من الشركاء العالميين والممولين، حيث تمت مناقشة تصورات البرنامج الصحي لـ"COP28"، وتبع ذلك رسالة من مدير عام منظمة الصحة العالمية إلى رئاسة "COP28" تحدد فيها الخطوط العريضة للتعاون في سبيل وضع الصحة على سلم أولويات القمة، وقد تم تشكيل لجنة توجيهية لمراجعة البرنامج الصحي لـ"COP28"، تضم في عضويتها منظمة الصحة العالمية ورئاسة كوب ووزارة الصحة الإمارتية والعديد من الشركاء والداعمين، وتجتمع هذه اللجنة بشكل دوري حتى موعد انعقاد "COP28"، وتم كذلك عقد جلسة حوارية حول الطريق إلى "COP28"، وذلك على هامش اجتماعات جمعية الصحة العالمية في 24 مايو/أيار 2023، وتم تعيين مسؤول اتصال في دولة الإمارات العربية المتحدة للتنسيق بين المنظمة ورئاسة "COP28".