مسؤول بـ"فاو" يكشف لـ"العين الإخبارية" أضرار المناخ على غذاء العالم
ثائر ياسين: الضرر السنوي لآفات النبات بين 30 و40% من الإنتاج العالمي للزراعة
يؤثر تغير المناخ على قطاع الزراعة بأكثر من طريقة، فمن ناحية يتسبب الجفاف أو الفيضانات في تدمير النبات وينعكس بالضرورة على الأمن الغذائي، ومن ناحية أخرى يساهم في نشر الآفات الضارة التي تهاجم النبات، وتسبب خسائر اقتصادية ضخمة.
"العين الإخبارية" حاورت الدكتور ثائر ياسين، المسؤول الإقليمي لوقاية النبات في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا في منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "الفاو"، وتضمن الحوار نقاطاً عديدة حول أبرز التحديات التي تواجهها الصحة النباتية في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا في ظل تغير المناخ، والحلول المقترحة والإجراءات التي تتخذها "الفاو" في هذا الصدد.
وإلى نص الحوار:
ما التحديات التي تواجه حماية الصحة النباتية في ظل تغير المناخ؟
تغير المناخ يتسبب في تحديات عديدة أمام حماية الصحة النباتية، إذ يسبّب ارتفاعا شديدا في درجات الحرارة في بعض المناطق، ونقصا في المياه، مما يتطلب زراعة أصناف جديدة، وهذا قد يستقطب أمراضا وآفات جديدة تصيب النبات.
والتغير المناخي قد يسمح لمرض ثانوي في النباتات أن يتحول إلى مرض أساسي ومنتشر في البلد، لأنني أدخلته بشكل غير مقصود، لذا لدينا تحدٍّ رئيسي متعلّق بـ"تطوير السلطة النباتية"، بما يتناسب مع احتياجات البلدان بشكل كافٍ، أي السلطة المسؤولة عن منع انتشار هذه الآفات، لأنّ تبادل النباتات بين الدول يجب أن يتم عادة بعد إخضاعها للفحص ومنحها الاعتماد، لتكون خالية من الآفات ومطابقة للمواصفات، وهو ما نسميه "جواز سفر النبات"، أي شهادة تثبت صحته وخلوه من الأمراض للسماح له بالتنقل بين الدول حتى لا ينقل العدوى للبلد الجديد الذي يذهب إليه.
وما هي الحلول المقترحة للحفاظ على الصحة النباتية في ظل تغير المناخ؟
يجب إقرار نظام اعتماد النبات الخالي من الآفات والأمراض، لأننا بذلك نحافظ على صحة النبات وتكون مناعته أقوى، وإنتاجيته أكبر، ومقاوما للتغير المناخي.
هذا النظام تعمل به دول العالم منذ أكثر من 35 سنة وبدأ يدخل مؤخراً في منطقتنا، لذا تقوم "الفاو" بجهود كبيرة لإقراره والاستعداد بالحلول قبل أن تتنتقل الآفات وتحدث المشكلة، ونجحت بالفعل في بعض الدول مثل تونس والمغرب، لكن بقية الدول ما زالت تواجه صعوبات كبيرة في إقراره بسبب النظم التشريعية، وبالتالي هي غير قادرة على التعامل بشهادات الصحّة النباتية.
وتكوين هذا النظام يحتاج تقريباً إلى ست سنوات في كل دولة حسب أنواع النباتات، ليتم عمل بنك وراثي لكل أصناف النبات الموجودة في البلد نفسها، واختيار الأصناف الأكثر ملاءمة للبيئة ثم إكثارها ووضعها ضمن النباتات الموثقة أو السليمة صحيا.
ونحن في "الفاو" وجهنا دعوة إلى كل البلدان من أجل لقاء عالمي مقبل في إيطاليا، لمناقشة إنشاء سلطة شهادات الصحة النباتية، والتي ستعتني بالنباتات الأوّلية وتنقلها إلى مناطق الإكثار ثم تمر بعدد من المراحل حتى تصل في النهاية إلى الحقول.
وللأسف لن نستطيع مواجهة تغير المناخ بدون شهادات اعتماد الصحة النباتية التي تمنع انتقال الآفات العابرة بين الدول.
هل تستطيع أنظمة الحجر الزراعي في المنطقة التعامل مع النباتات المصابة؟
لدينا تحدٍّ متعلق بعدم وجود أنظمة فعالة في أماكن الحجر الزراعي التي تفحص النباتات الواردة إلى البلد، فمثلاً تقول التشريعات على الورق في كثير من الأحيان إنه من الممنوع أن يدخل النبات المصاب بهذه الآفة، ولكن لا توجد أجهزة أو تقنيات كافية لفحص النباتات، وهذا واجهناه في آفة خطيرة هدّدت مصر والعديد من البلدان الأخرى وهي "إكسيليلا فاست ديوزا Xylella fastidiosa "، والتي تدمّر الزراعات إذا أصابتها.
وفي هذا الصدد، كان للفاو مشروع ناجح في سبع دول منها مصر، استخدمت فيه أجهزة حديثة تستطيع من خلال فحص قطعة من النبات معرفة إذا كان سليماً أم مصابا، وتحدّد نوع الآفة المصاب بها، وحققت نجاحا في مصر عندما كشفت بعض الأجهزة عن بعض النباتات التي كانت تحمل المرض ومنعتها من دخول البلد كي لا تسبب أي أضرار.
أيضاً قد لا تتوفر التقنيات اللازمة في مختبرات فحص النبات، وغالباً لا يسهل فحص النبات الذي لا تظهر عليه الأعراض دون هذه التقنيات، لذا نحن بحاجة إلى جهود كبيرة لتوثيق النباتات والتأكد من فحصها وسلامتها.
كم يبلغ حجم الضرر الذي تسببه هذه الآفات للنبات؟
تقدر الإحصائيات الضرر السنوي لهذه الآفات بنسبة تتراوح بين 30 و40% من الإنتاج العالمي للزراعة، وبالتالي فلا يكفي للتعامل مع أزمة تغير المناخ أن نبحث فقط عن توفير المياه وعن مصادر للطاقة البديلة فقط، بل أن نهتم أيضاً بالنبات الذي أنفقنا عليه الكثير من الأموال لإنتاجه، وألاّ نتركه غذاء للآفات الضارة.
وأثبتت الأبحاث أن كل دولار نقوم بإنفاقه على وقاية النبات، يوفّر لنا في النهاية 100 دولار، لذا يعتمد الأمر على كيفية توجيه الدول لمواردها المالية، ورؤيتها المستقبلية لحماية زراعتها.
على سبيل المثال "سوسة النخيل الحمراء" ضررها في المملكة العربية السعودية 404 ملايين دولار سنويا، والضرر الذي سببته بكتيريا "إكسيليلا فاست ديوزا" في أوروبا يقدر حالياً بـ20 مليار دولار سنوياً، وهذه البكتيريا كانت موجودة في نباتات القهوة في أمريكا الجنوبية ثم انتقلت إلى أوروبا بعد زراعتها في جنوب إيطاليا، وانتقلت إلى نبات الزيتون عن طريق حشرة، ونتج عنها كارثة سموها "سرطان الزيتون".
أيضاً انتقلت "دودة الحشد الخريفية" من أمريكا الجنوبية إلى أفريقيا ، ويقدر الضرر السنوي حالياً بـ9.1 مليار دولار في أفريقيا سنويا، وهذه الأرقام الضخمة تجعلنا نعي أهمية محاولة منع هذه الآفات، وبضرورة وجود دراسات اقتصادية واجتماعية لإثبات هذه الأضرار، وفهم العلاقة بينها وبين تغير المناخ، ومعرفة كيف يمكن التعامل معها.
ومن المهم البحث في البنك الوطني للأصناف داخل كل بلد، لمعرفة السلالات التي تستطيع مقاومة التغير المناخي، وملاءمة ظروف البيئة ومقاومة الأمراض، ومن ثم إكثارها.
وفي لبنان، رأينا مرض "الذبول الفطري" أو "الفيوزاريومي"، الذي كاد يقضي على زراعة الموز في لبنان والأردن، والذي انتشر بسبب أن مزارعا استورد نبتة من دولة أخرى تحتوي على هذه الآفة ولم يتم فحصها، وحين زرعها نشر المرض، وللأسف جراثيم هذا المرض يمكنها أن تبقى في التربة لمدة تصل إلى 40 سنة.
نحن لا نقوم بتهويل الموضوع، لكن نتطلع إلى تكثيف إجراءات الحماية، ولدينا مؤتمر كبير قادم في إيطاليا لوزراء الزراعة لمناقشة الكارثة البيئية التي تسببت فيها بكتيريا "إكسيليلا فاست ديوزا"، والتي بسببها رأينا أكثر من 200 كيلومتر من أشجار الزيتون الميتة في أوروبا فيما سموه لاحقاً "مقبرة الزيتون".
هذا المشهد لو رآه بعض الناس لشرعوا في البكاء، لذا نحاول أن نصل لصناع القرار ليدركوا حجم الخسائر الاقتصادية الناتجة عن هذه الآفات، وأن يتم التركيز على بناء القدرات والاستعداد المسبق، لأنه إذا دخلت الآفات إلى البلد فستكون كل الإجراءات متأخرة جدا.
لا مفر من حماية صحة النبات، ومن العثور على طريقة للتنسيق بين أنظمة اعتماد النباتات، بحيث يكون لكل نبات جواز سفر يساعد على تسهيل نظام التجارة وتبادل الأصناف المقاومة للتغير المناخي.
كيف يتقاطع تأثير الأسمدة المفرطة مع تغير المناخ على الزراعة؟
عندما تكون لدينا ظروف مناخية جديدة، يضطر المزارعون إلى مساعدة هذا النبات الهش والضعيف الذي لا تتوفر له الظروف المناخية المثلى، ويستخدمون مبيدات أكثر ضد الآفات، وأسمدة أكثر، وفي النهاية ينتج محصول به بقايا مبيدات مسرطنة يستهلكها الإنسان، إضافة إلى غياب النظام الرقابي الذي يحلّل ويؤكد خلو هذه النباتات من المبيدات.. أيضاً بسبب تغير المناخ قد تظهر آفات بمناطق لم يكن من المعتاد أن تظهر بها من قبل.
على الجانب الآخر، يصبح النبات الذي تتم تغذيته بالكثير من الأسمدة هشاً ومعرضاً للأمراض، ولو تم تحويله إلى علف، ستأكله الحيوانات ويتركز بكثافة في لحومها ومن ثم ينتقل للإنسان بشكل مركز، لذا ظهرت الكثير من الأمراض التي لم تكن موجودة من قبل.
نجحنا في "الفاو" في لبنان بتقليل استخدام الأسمدة لنبات البطاطا بنسبة 61%، وتقليل المبيدات بنسبة 54%، كما نعمل على توعية المزارعين لإيجاد حلول طبيعية وغير سامة وغير ضارة بالبيئة.
الحلول المستدامة موجودة، لكنها تحتاج إلى جهود أكثر للسماح بسهولة تسجيلها، مع توعية المزارعين، لذلك نستخدم "مدارس المزارعين الحقلية" ليقنع الفلاحون بعضهم بهذه المستجدات.
هل الإجراءات كافية في بلدان المنطقة لحماية البيئة من آثار المبيدات؟
ما زلنا بعيدين جدا عن الهدف، وفي الفاو أجرينا دراسة عن استخدام المبيدات عالية السمية في العام الماضي، وكانت الأرقام مخيفة، لذا نحتاج إلى جهود قطرية وإقليمية لإنشاء استراتيجية إقليمية للإدارة المستدامة للمبيدات.
وللأسف بعض شركات المبيدات الضخمة التي يتم منعها من تصدير بعض المبيدات إلى بعض الدول، تلجأ إلى تصدير هذه الأنواع الممنوعة إلى بلدان أخرى لا توجد بها قوانين تمنع استيراد هذه المواد، وتبيعها بثمن رخيص حتى لا تضطر إلى إعدامها وتخسر أموالا ضخمة.
ما هي التحديات التي تواجه أساليب الزراعة الذكية مناخيا في منطقتنا؟
الزراعة الذكية مناخيا ما زالت في طور الدراسة في منطقتنا، لذا من المهم تركيز الجهود على الأبحاث القابلة للتطبيق والتي بإمكانها تحقيق نتيجة على أرض الواقع، كما نحتاج إلى دراسات اقتصادية كافية.
على سبيل المثال، البذور المقاومة للجفاف موجودة، لكنّها تحتاج إلى ترويج وتطبيق، وأيضاً طرق الري الحديثة الموفرة للمياه نتحدث عنها دائماً، ولكن الواقع منفصل والأغلبية تروي بالطرق التقليدية.
كما أننا نواجه الآن مشكلة "تفتت الحيازات الزراعية" والتي تعني بالضرورة تجزئة الإنتاج الزراعي، والفلاح إذا كانت لديه مساحة صغيرة لن يقوم بإنشاء شبكة مخصصة للري بالتنقيط على سبيل المثال، لذا يجب تحديث السياسات الزراعية في البلدان، لأن هذا هو سر النجاح الحقيقي، وتصميم الزراعات وتنفيذها بناء على احتياجات السوق واحتياجات المستقبل، وتوجيه البحوث العلمية لتلبّي حاجات البلدان، وتبحث في الأصناف الجديدة التي بإمكانها مقاومة الآفات والتغير المناخي، وتعثر على حلول مناخية ذكية مستدامة، كما يجب ضخ التمويل في المنطقة البحثية التي توفر الحلول التي تحتاج إليها كل بلد.
aXA6IDMuMjEuNDYuNjgg جزيرة ام اند امز