أحمد زكي.. بـ"غباء وعجرفة" فشل في تكوين أسرة وورث ابنه الوحدة
في ذكري ميلاد أحمد زكي إمبراطور التمثيل، نستعيد حياته الشخصية التي تركت أثرا قاسيا على نفسه، فعاش ومات وحيدا
تأتي ذكرى ميلاد أحمد زكي كل عام لتضعنا أمام حقيقة نتغافلها، وهي أن أحدا لم يعرف الفتى الأسمر بحق، بالتأكيد عشنا معه تفاصيل الصعود من الصفر، وحلم التمثيل والنجاحات المتلاحقة، والموهبة الفذة في التجسيد والأداء المتفرد المخلص، التي استحق عنها عشرات الجوائز، واختبرنا أيضا اللحظات الأخيرة قبل الرحيل وألم المرض ووجيعة الفراق.
ورغم ما عرفناه عن حياته، رحل أحمد زكي حابسا داخل صدره جراح الوحدة التي اختارته واختارها، ومتحسرا بخيبة أمله أن "الإمبراطور" وحش التمثيل لم يكن قادرا على أن يحتفظ بحب عمره أو يعيش مستقرا وسط أسرة صغيرة سعيدة، فترك "الوحدة" إرثا عاشها ابنه هيثم حتى غادر في 2019.
فيديو نادر.. سؤال دفع أحمد زكي للانفعال على مفيد فوزي
طفولة أحمد زكي
بعد أقل من عام من ولادته في 18 نوفمبر 1946 في أحد أحياء مدينة الزقازيق بالشرقية، فقد أحمد زكي متولي عبد الرحمن بدوي والده لتكون أول صدمة يستقبلها في طفولته، فهو لا يذكر والده، ولكنه عاش آثار رحيله المريرة، فكما جرت العادة قديما، لا يمكن للأم أن تعيش أرملة تربي ابنها وحدها، فلم يمر سوى عامين تقريبا، حتى تم تزويج والدته مرة ثانية، وانتقل ليعيش مع جده.
لأنه يتيم ويعيش وحيدا دون حنان والدته وتوجيه والده ومحبتهما الصافية دون شروط، قرر أحمد زكي أن يكتفي بنفسه ويأتنس بوحدته ويصاحبها، رافضا أن يتلقى محبة يشوبها العطف والشفقة لحاله، يخشى أن يشعر بان وجود غير مرغوب أو "تقيل على حد"، مما انعكس عليه طوال سنوات عمره، فكان يتعمد الانزواء وحرم نفسه- بعد أن حرمته الظروف- من المحيطين، يخاف تكوين الصداقات والدخول في علاقات عميقة.
صار التمثيل صديقا
"كنت بذاكر كويس، عشان أكون متميز وشاطر وأصلي وأصدقائي يحبوني" هكذا اعتقد أنه يمكنه كسب محبة الآخرين دون عطف، فرأى في التميز حلا، حتى وجد التمثيل الذي صار صديقه المخلص، فبعد مرحلة الإعدادية التحق بمدرسة الزقازيق الثانوية الصناعية نظام الخمس سنوات قسم ميكانيكا، وكان محظوظا بناظر المدرسة المحب للفن.
اهتم ناظر مدرسته بالفنون، وأهمها المسرح، فشجع الطلاب على الاستراك في العروض المسرحية، كل مجموعة من الطلاب وفق تخصصهم، فاختار أحمد زكي التمثيل، وبدأ بأدوار مسرحية صغيرة مع المدرسة، حتى تأدية البطولة في مسرحيات مأخوذة عن روايات عالمية، والاشتراك في مبادرة الثقافية الجماهيرية التي كانت تجوب القرى والمدن تقدم العروض وتستغل المواهب.
بعيدا عن عالمه الوحيد، وجد أحمد زكي في التمثيل عوالم مختلفة "لقيت السرح بيشكل وجداني، ولقيت نفسي في الموهبة دي"، وعلم أن مساره يحتاج إلى الدراسة ليكتمل، وبعد أن حصل على شهادة الثانوية الصناعية لملم نفسه واتجه إلى المعهد العالي للفنون المسرحية في القاهرة، وخضع لاختبار الدخول وكان الأول "سمعت واحد بيقول عن النتايج إن الاول واد أسود ميكانيكي.. مدح في ذم كده بس فرحت"
موهبة عاشت رغم التحديات
لا يمكن أن يغفل عن موهبة احمد زكي أي عاقل، فمع سنوات دراسته الأولى في المعهد، أنضم لأكثر من عمل مسرحي وسينمائي، فكان أول ظهور له من خلال مسرحية "حمادة ومها" عام 1967، التي أعقبها مسرحية "هاللو شلبي" 1969 وتمكن أن يلفت الانتباه لموهبته خلالها، أما أول أفلامه فكان "ولدي" عام 1972، ثم توالت أعماله التي وصلت إلى أكثر من 60 فيلما، و7 مسرحيات.
زواج وحب لم يكتمل
"غبائي هو سبب فشل جوازي" حقيقة لم يخفها أحمد زكي، الذي غرق في حب هالة فؤاد لكنه لم يمتلك مهارة إنجاح زواجهما، البداية كانت مع مشاركتها لأحمد زكي في مسلسل "الرجل الذي فقد ذاكرته مرتين" 1981، حين نشأت بينهما قصة حب انتهت فعليا بالزواج عام 1983، حين أجبرها على اعتزال الفن، فوافقت محبة له، لكنها ظلت تتمنى العودة إليه.
كان يريد من الأبناء ستة، وطمح أن يكون زواجه تعويضا عن سنوات الوحدة واليتم "كنت عاوز البيت اللي في ناس بتصرخ وناس بتذاكر، وطبيخ وعيال.. كنت عاوزة أعمل أسرة كاملة"، لكنه أدرك أن عدم قدرته على رؤية الأمور بوضوح والتعامل معها بحكمة، ومنعه لزوجته عن التمثيل، وتدخل أسرة زوجته في مشاكلهما أفشل كل ما تمنى.
رُزق أحمد وهالة بابنهما هيثم، وبعد الطلاق عادت هالة للتمثيل مرة ثانية، وظلت لأربع سنوات تحاول استرداد أحمد وإنججاح زواجهما، ولكنه رفض بـ "عجرفة وغباء" كل محاولاتها حتى لا ينصاع لرغبتها ويعود لها وهي ممثلة كأنه "أمر واقع"، ثم تمر السنوات وتتزوج هالة فؤاد من آخر، ثم ترحل عام 1993، ليتملك الندم من أحمد زكي على السنوات التي أهدرها بعيدا عن حب حياته.
علاقته بابنه هيثم
لم يبقى في الحياة لأحمد زكي سوى ابنه هيثم "بحاول أجنبه اللي أنا شوفته، وبحاول أكون صاحبه عشان أنا مكنش حد مصاحبني"، لكن يبدو أنه لم يفلح. كان هيثم يفضل أن يعيش مع جدته بعد وفاة والدته لأنها تذكره بها، فرغم الغرفة التي جهزها له أحمد زكي بمنزله، كان الابن يوده بزيارات متتالية، وهو ما كان يصرف الأب عن المنزل مفضلا حياة الفنادق الخالية من الالتزامات أو التعلق.
"أنا مبتلى زي والدي" ورث هيثم الوحدة وآلامها، فبعد رحيل والده ذاق المرارة التي عاشها أحمد زكي، بعد أن فقده عام 2005 وبعده فقد جدته ثم خاله، فظلّ وحيدا يسأل عنه الأقارب كل فترة ويبقى على اتصال بأخيه من والدته رامي بركات، الذي يعيش في لندن، حتى رحل في منزل والده بجامعة الدول العربية في المهندسين يوم 7 نوفمبر 2019.
ذكرى وفاة أحمد زكي.. صور من حياة الإمبراطور "الغائب الحاضر"
مرض أحمد زكي
لم يعرف أحمد زكي الاستسلام "هقاوم المرض لآخر نفس"، بعد أن أصيب بسرطان الرئة ومضاعفاته، ومراحل التعافي ثم كبوات المرض، لم يفت الامر في عضده، فأصر على تصوير مسلسل حليم، الذي عُرض بعد وفاته، وظلّ حتى لحظاته الأخيرة يفكر في التمثيل الذي كان صديقه الوحيد حتى رحل في 27 مارس 2005.
محبة فوق الوصف
من الممكن أن تكون الوحدة آلمته وأبقته شهورا مكتئبا منعزلا، لكن قبل رحيله لمس محبة جموره التي اعتبرها "فوق الوصف"، حين علم بزيارة رجل بسيط قادم من صعيد مصر إلى المستشفى يطل أن يتبرع له بالكلى "ولما قالوله مش عيان بالكلى، قالهم طب خدوا أي حاجة"، والفتاة التي كانت على استعداد للتبرع برئتيها ليبقى أحمد زكي، فأدرك مكانته في قلوب محبيه.
aXA6IDMuMTQ3Ljg5LjUwIA==
جزيرة ام اند امز