أمريكا وحروب المستقبل.. «إخفاقات» أكبر من المبادرات
أمريكا تبدو غير مستعدة بعد لحروب المستقبل بسبب مبادرات تعد غير كافية لتصحيح إخفاقات ستجعلها عاجزة عن مواجهة جيوش الذكاء الاصطناعي.
وعلى مدار أكثر من عامين من القتال، جعلت المسيرات وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي المستقبل يتحول إلى حاضر بفعل التطورات التكنولوجية المتسارعة التي تتسابق كييف وموسكو للحصول عليها وتطوير المزيد من تقنياتها.
ولا يقتصر الأمر على أوكرانيا، ففي ميانمار مثلا يستخدم المتمردون والجيش المركبات غير المأهولة والخوارزميات أثناء القتال.
وفي 2020، استخدمت أذربيجان مسيرات تركية وإسرائيلية الصنع في ناغورني قره باغ، وأخيرا في غزة نشرت إسرائيل آلاف المسيرات المتصلة بخوارزميات الذكاء الاصطناعي.
ولا تمثل وتيرة التطورات أي مفاجأة لأنه دائما ما تحفز الحرب الابتكار، لكن تحولات اليوم سريعة بشكل غير عادي وتأثيرها سيكون كبيرا.
فحروب المستقبل لن تدور حول حشد أكبر عدد من الناس أو نشر أفضل الطائرات النفاثة والسفن والدبابات، وإنما ستهيمن عليها الخوارزميات القوية وأسلحة الذكاء الاصطناعي.
مستعدة؟
الولايات المتحدة الأمريكية تبدو غير مستعدة لهذا المستقبل، كما أن قواتها غير جاهزة للقتال في هذه البيئة، فطائراتها وسفنها ودباباتها ليست مجهزة بعد للدفاع ضد هجوم المسيرات وجيوش الذكاء الاصطناعي، وفقا لما ذكرته مجلة "فورين أفيرز" المحلية.
وقالت المجلة في تقرير لها إنه ليس لدى وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) مبادرات كافية لتصحيح هذه الإخفاقات، كما أن الجهود الحالية شديدة البطء.
في المقابل، نشرت روسيا العديد من المسيرات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي بأوكرانيا، وفي أبريل/نيسان الماضي، أعلنت الصين عن أكبر عملية إعادة هيكلة عسكرية لها منذ ما يقرب من عقد من الزمان، مع التركيز على بناء القوات التي تعتمد على التكنولوجيا.
ويرى التقرير أنه إذا كانت واشنطن تريد أن تظل القوة العالمية البارزة، فإنها ستضطر إلى تغيير مسارها بسرعة حيث تحتاج إلى إصلاح هيكل قواتها المسلحة.
كما يحتاج الجيش الأمريكي إلى إصلاح تكتيكاته وتطوير القيادة وشراء أنواع جديدة من المعدات وتدريب جنوده بشكل أفضل على تشغيل المسيرات واستخدام الذكاء الاصطناعي.
وقد تكون فكرة الإصلاح الشامل غير محببة لصناع السياسات بأمريكا، لكن مع دخول الروبوتات والذكاء الاصطناعي، فإن فشل واشنطن في قيادة الثورة التكنولوجية سيعني أن تصبح الجهات الفاعلة المزودة بتقنيات حديثة أكثر استعدادًا لمهاجمة الولايات المتحدة.
وحتى لو انتصرت واشنطن، فستجد نفسها محاطة بأنظمة عسكرية مصممة لدعم الأنظمة الاستبدادية لذلك، يتعين على الولايات المتحدة تحويل قواتها المسلحة حتى تتمكن من الحفاظ على ميزة عسكرية حاسمة وضمان استخدام الذكاء الاصطناعي بطريقة أخلاقية.
وإذا كانت جميع الحروب قائمة على سعي أحد الجانبين على فرض إرادته السياسية بالقوة ووسط ديناميكيات متغيرة، فهذه أمور لن يغيرها التكنولوجيا الحديثة التي يمكنها فقط أن تغير الطريقة والأسلحة التي تتقاتل بها الجيوش، والتي غالبًا ما يعتمد أداؤها على قدرتها على التكيف مع الابتكارات التكنولوجية وتبنيها.
وفي كثير من الأحيان كان من الصعب على المخططين العسكريين التنبؤ بالابتكارات التي ستشكل المعارك المستقبلية، ولكن اليوم أصبحت التنبؤات أكثر سهولة مع انتشار المسيرات والروبوتات.
جنود وراء المكاتب
من المرجح أن يشهد الصراع الرئيسي القادم دمج الذكاء الاصطناعي بالكامل في كل جانب من جوانب التخطيط العسكري والتنفيذ.
ويمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي محاكاة مناهج تكتيكية وعملياتية مختلفة آلاف المرات، مما يؤدي إلى تقصير الفترة بين الإعداد والتنفيذ بشكل كبير.
وسيصبح من الممكن أن يحتسي الجنود القهوة في مكاتبهم، ومراقبة الشاشات بعيدا عن ساحة المعركة.
بينما يدير نظام الذكاء الاصطناعي جميع أنواع آلات الحرب، وبالفعل سعت أوكرانيا إلى تسليم أكبر عدد ممكن من المهام الخطيرة في الخطوط الأمامية إلى الروبوتات للحفاظ على القوى البشرية.
وحتى الآن، جرى التركيز على المسيرات الجوية والبحرية لكن التطور سيشمل القوات البرية لتقود الروبوتات الأرضية الاستطلاع التي نشرتها روسيا بالفعل لإطلاق الصواريخ المضادة للدبابات والقنابل اليدوية والمسيرات كما استخدمتها أوكرانيا لإجلاء الضحايا والتخلص من المتفجرات.
وسيقود الجيل القادم من الآلات أنظمة الذكاء الاصطناعي لرسم خريطة ساحة المعركة والتنبؤ بنقاط الهجوم، وإذا امتدت الحرب إلى أوروبا، فإن الموجة الأولى من الروبوتات الأرضية والمسيرات ستنتشر على خط مواجهة سيكون أوسع من أن يتمكن البشر وحدهم من تغطيته.
ويمكن أن تكون التكنولوجيا ضرورية لإنقاذ أرواح المدنيين فمن المرجح أن تكون ساحات معارك المستقبل في مناطق مكتظة بالسكان.
ورغم أن الولايات المتحدة لا تزال تملك أعلى أنظمة ذكاء اصطناعي وتنفق عليها أكثر من غيرها فإن الصين وروسيا تكتسبان أرضية بسرعة.
عقبات
في حين تمتلك واشنطن الموارد اللازمة للاستمرار في الإنفاق بشكل أكبر، فإنها قد تكافح للتغلب على العقبات البيروقراطية والصناعية التي تحول دون نشر اختراعاتها في ساحة المعركة لذا فإن الجيش الأمريكي يخاطر بخوض حرب تكون فيها تدريباته وأسلحته التقليدية المتفوقة أقل فعالية.
ويحتاج الجيش الأمريكي لإصلاحات كبرى ويمكنه أن يبدأ بزعزعة عملياته لشراء البرمجيات والأسلحة والشراء من مجموعة أوسع من الشركات.
ويتعين أيضا على الولايات المتحدة تغيير الهياكل التنظيمية وأنظمة التدريب وتنويع سلسلة الاتصالات المعقدة والهرمية.
ورغم أن التقدم التكنولوجي يمكن أن يقلل ضحايا القصف العشوائي فإن معدلات الخسائر بين المدنيين في أوكرانيا وغزة تلقي بظلال الشك على فكرة أن الصراعات أصبحت أقل فتكا.
وفي أسوأ السيناريوهات، قد تعرض حرب الذكاء الاصطناعي البشرية للخطر حيث وجدت ألعاب الحرب أن نماذج الذكاء الاصطناعي تميل إلى التصعيد فجأة إلى حرب حركية، بما في ذلك الحرب النووية، مقارنة بالألعاب التي يجريها البشر.
وفي أعقاب قمتهما العام الماضي تعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ بمناقشة مخاطر الذكاء الاصطناعي وحتى لو بدا التعاون بين البلدين صغيرا فقد يضع الأساس لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الحرب.
وفي كل الأحوال، يتعين على الولايات المتحدة أن تضمن خضوع الذكاء الاصطناعي العسكري الخاص بها لضوابط صارمة تجعلها قادرة على التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية.
كما يجب أن تبقيها تحت القيادة البشرية وأن تختبرها باستمرار، وأن تضغط على الدول الأخرى لتبني إجراءات مماثلة.
aXA6IDE4LjExOC4xNDQuMTk5IA== جزيرة ام اند امز