2025.. عام اجتياح مقاطع الفيديو المولدة بالذكاء الاصطناعي
سلطت صحيفة "لوموند" الفرنسية، في تقرير لها الضوء على استخدام آليات الذكاء الاصطناعي، علي شبكات التواصل الاجتماعي لتوليد مقاطع الفيديو، معتبرة أن عام 2025 مثل عام اجتياح مقاطع الفيديو المولدة بالذكاء الاصطناعي شبكات التواصل الاجتماعي.
وفي عام 2025، أصبح من شبه المستحيل على مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي مثل "إنستغرام" و"تيك توك" و"يوتيوب" و"إكس" و"فيسبوك" الإفلات من سيل متواصل يضم ملايين المقاطع المصورة التي أُنتجت باستخدام الذكاء الاصطناعي، والأهم من ذلك أن الجمهور لا يكتفي بالمشاهدة، بل يطالب بالمزيد.
وأشارت الصحيفة الفرنسية إلي أنه من أرانب وهمية تقفز على ترامبولين، إلى ما يعرف بـ"التحلل الذهني الإيطالي" مرورًا بانقلابات عسكرية مختلقة في فرنسا، وإعلانات جديدة لشركتي كوكاكولا وماكدونالدز، وصولًا إلى مقاطع دعائية سياسية مرتبطة بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومحتويات يظهر فيها صانع المحتوى الفرنسي "تيبو إنشيب" وهو يسخر من منشورات عنصرية تُقحمه في سياقها… جميعها أمثلة على مقاطع صنعت بالكامل بواسطة الذكاء الاصطناعي، واحتلت واجهة المشهد الإعلامي خلال الأشهر الأخيرة.
مليارات المقاطع
ووفقاً للصحيفة الفرنسية فإنه لا يقتصر حضور هذه المقاطع على الأحداث البارزة فقط، بل باتت تغذي يوميًا تدفقات المحتوى لدى مستخدمي معظم الشبكات الاجتماعية، دون أن يكون كثير منهم مدركًا لطبيعتها الاصطناعية.
وتشير مؤشرات عدة إلى حجم الظاهرة، إذ أظهرت دراسة أُجريت في الربيع الماضي أن أربعًا من بين أكثر عشر قنوات يوتيوب شعبية في الولايات المتحدة تنشر بشكل منتظم مقاطع مولدة بالذكاء الاصطناعي، معظمها ذات طابع موسيقي.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني، أعلن متحدث باسم تيك توك أن عدد هذه المقاطع على المنصة بلغ نحو 1.3 مليار فيديو.
ويرجع هذا الطوفان الرقمي إلى الانتشار الواسع لأدوات إنشاء الفيديو بالذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل Veo الذي أطلقته "ألفا بت"، و"سورا" من "أوبن آي"، و"كاب كات" التابع لـByteDance، وMovieGen من "ميتا"، إضافة إلى "غروك" من "إيه آي إكس".
وقد جرى دمج هذه الأدوات مباشرة في حلول الذكاء الاصطناعي الموجهة للجمهور مثل Gemini وChatGPT وMeta AI، ما أتاح للمستخدمين إنتاج مقاطع فيديو خلال دقائق عبر أوامر نصية بسيطة، مع قفزة لافتة في مستوى الواقعية خلال فترة قصيرة.
جمع كم هائل من البيانات الشخصية
ونقلت الصحيفة الفرنسية عن الباحث المتخصص في قضايا التضليل الإعلامي أليكسيوس مانتزاريس، من موقع Indicator، قوله إن الشركات المطورة لهذه التقنيات هي نفسها التي تدير كبرى شبكات التواصل الاجتماعي، معتبرًا أن هذه المجموعات "بحاجة إلى إثبات أن للذكاء الاصطناعي غاية واضحة، فتضع أدواته مباشرة بين أيدي المستخدمين"، في محاولة لتبرير التقييمات المالية المرتفعة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، رغم تصاعد الشكوك حول فقاعة محتملة في هذا القطاع.
وترى الباحثة إيوانا مانوليسكو، مديرة الأبحاث في "إينيرا"، أن هذه المقاطع تشكّل أيضًا وسيلة فعالة لجمع كم هائل من البيانات الشخصية. فالأوامر النصية التي يكتبها المستخدمون، إضافة إلى تفاعلاتهم مع المقاطع، تتيح للمنصات فهم ما يرغب الجمهور في مشاهدته، حتى وإن لم يكن موجودًا في الواقع.
وتؤكد أن الهدف النهائي يظل واحدًا، وهو تعظيم عائدات الإعلانات عبر إبقاء المستخدم أطول وقت ممكن أمام الشاشة.
من الناحية التقنية، تعد أدوات الفيديو بالذكاء الاصطناعي بارعة في إنتاج محتوى قابل للانتشار السريع، يعتمد على المقاطع القصيرة، والإثارة العاطفية، أو العبث البصري الجاذب.
محاكاة الأنماط البصرية الشائعة
وقد أظهر تحقيق لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أن برنامج "سورا" قادر على محاكاة الأنماط البصرية الشائعة على منصات مثل يوتيوب وتيك توك وتويتش وحتى نتفليكس بدرجة عالية من الإتقان.
هذا الواقع شجّع بعض صناع المحتوى على استغلال هذه الإمكانات، إذ بات بإمكانهم إنتاج عشرات أو مئات المقاطع يوميًا بتكلفة منخفضة، ضمن ما يُعرف إعلاميًا بـ"سلوب" أي المحتوى الرديء المولد بالذكاء الاصطناعي والمُصمَّم خصيصًا لإرضاء جماعات محددة.
ومن الأمثلة البارزة حساب "بوني رابيت" ، الذي أُنشئ في أوكرانيا في يوليو/ تموز 2025، والمتخصص في صور وهمية لجحور الأرانب.
وخلال ستة أشهر فقط، حصدت مقاطعه 364 مليون مشاهدة على إنستغرام و70 مليون مشاهدة على يوتيوب.
ولا يشكّل السعي إلى الواقعية هدفًا دائمًا لهؤلاء الناشرين، إذ يصرّح كثير منهم صراحة بأن محتواهم مُولَّد بالذكاء الاصطناعي.
حسابات إعلامية وهمية
وتشير الباحثة الفرنسية لورانس ألار إلى ظهور حسابات إعلامية وهمية تعتمد كليًا على الذكاء الاصطناعي، وتنشر مقابلات مزيفة مع مشاهير أو أخبارًا خيالية، معتبرة أن الظاهرة امتداد معاصر لصحافة الإثارة والمجلات الشعبية.
وعلى فيسبوك، يتابع نحو 28 مليون شخص حسابًا ينشر يوميًا قصصًا مختلقة عن حيوانات أو مسنين أو أشخاص محتاجين، رغم إدراك كثير من المتابعين لطبيعتها المصطنعة.
وتتعدد التحديات التي تطرحها هذه الظاهرة، بدءًا من الاستهلاك الكبير للطاقة المرتبط بإنتاج الفيديو بالذكاء الاصطناعي، وصولًا إلى قضايا حقوق الملكية الفكرية ومستقبل المهن الإبداعية. إلا أن الأخطر، بحسب لورانس ألار، يتمثل في تأثيرها على علاقتنا بالواقع، إذ تتيح هذه التقنيات خلق عوالم خيالية تُلبّي الرغبات بالكامل، في ما تصفه بـ"تحقق الوقائع البديلة".
وترى الباحثة أن هذا الانفصال المتزايد عن الواقع يطرح إشكاليات عميقة تتعلق بالديمقراطية الرمزية وبفكرة العالم المشترك، لا سيما في ظل ارتباط توسّع تقنيات الفيديو بالذكاء الاصطناعي بأيديولوجيات مالكي المنصات الرقمية، مشيرة إلى أن شركات مثل OpenAI وميتا و"جوجل" و"إكس" أظهرت، بدرجات متفاوتة، تقاربًا سياسيًا مع دونالد ترامب منذ عودته إلى السلطة.
وفي مطلع فبراير/ شباط، رصد موقع Indicator أكثر من 460 مقطع فيديو مُولَّد بالذكاء الاصطناعي، حصدت مجتمعة أكثر من 700 مليون مشاهدة، ظهر فيها كل من دونالد ترامب ورجل الأعمال إيلون ماسك في صورة مدربين شخصيين، في محتوى استُخدم لتضخيم الحسابات، وتسويق منتجات، والترويج لرؤى سياسية محددة.
أما في فرنسا، فقد استُخدمت هذه التكنولوجيا سريعًا على تيك توك من قبل حسابات نشرت مقاطع ذات طابع عنصري، فيما ترى مانوليسكو أنه امتداد لتقنيات دعائية تقليدية، لكن بقدرة انتشار وتأثير مضاعفين في العصر الرقمي.