الذكاء الاصطناعي في قلب عالم الضيافة.. كيف تتغير الأذواق؟
في صيفٍ عابر، ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي لقطة ليخت ورديّ يرسو في مرسى مراسي على الساحل الشمالي المصري، ويقدم خدمات تجميل فاخرة على متنه.
وخلال دقائق، تحوّل هذا المشهد إلى دافعٍ فعليّ لدى المتابعين لتغيير خططهم والسفر إلى مصر فقط لخوض التجربة. لم يكن الأمر ترفًا أو صدفة، بل مثالًا دقيقًا على تحوّل عميق في سلوك المسافرين: الجيل الجديد لا يسافر بحثًا عن الفنادق أو العلامات التجارية، بل عن اللحظة الآسرة، والقصة التي تستحق أن تُروى.
وقال تحليل نشره موقع "هوسبيتاليتي نت" إن هذه اللحظة تختصر واقع صناعة الضيافة اليوم. فالنزيل لم يعد ينجذب إلى العلامة بقدر ما ينجذب إلى التجربة.
تجربة آسرة
وقال التحليل إن عالم السياحة والضيافة يعيش تحولًا جذريًا من “رحلة منظمة” إلى “تجربة آنية” تصنعها الرغبة والفضول وسرعة المحتوى. الصورة التي تتصدر منصات التواصل يمكن أن تغيّر اتجاه السوق أسرع من أي حملة تسويقية أو افتتاح فندق فاخر.
ومع أن المسافرين باتوا يتحركون بسرعة الثقافة الرقمية، فإن معظم العلامات الفندقية لا تزال تعمل بمنطق البيروقراطية القديمة: اجتماعات، دراسات سوق، ومفاهيم تصميمية تستغرق سنوات قبل أن ترى النور. وبينما تفتح الفنادق الجديدة أبوابها، يكون المسافرون قد انتقلوا بالفعل إلى موجة جديدة من الاهتمامات والتوجهات.
الذكاء الاصطناعي
وهنا يأتي دور الذكاء الصناعي ليقلب موازين اللعبة. فبدل أن تكون العلامة التجارية ردّ فعلٍ لما يطلبه السوق، يمكنها أن تصبح نظامًا حيًّا يتنبأ بما يريده الضيف قبل أن يدرك هو نفسه ما يبحث عنه.
والذكاء الصناعي لم يعد أداة تقنية فحسب، بل أصبح بمثابة حاسة سادسة للعلامات الفندقية، تلتقط إشارات الثقافة الرقمية، من عمليات البحث والسلوك الشرائي إلى المحادثات عبر الإنترنت، لتفهم إلى أين تتجه الرغبة الإنسانية التالية.
وفي الماضي، كان بناء العلامة التجارية يعتمد على الحدس ومجموعات التركيز ودورات اعتماد طويلة تناسب زمنًا كانت فيه الاتجاهات تدوم سنوات. أما اليوم، لم يعد ذلك ممكنًا. فالضيافة تتحرك بسرعة “الترند”. وتتدخل خوارزميات الذكاء الصناعي لتحليل ملايين الإشارات الثقافية وتوقع ما سيبحث عنه المسافرون لاحقًا. النتيجة أن المطورين والفنادق يمكنهم تصميم تجارب تواكب السوق لحظة بلحظة، لا بعد فواتها.
وهذه الرؤية الاستباقية لا تُحسّن التفاعل فقط، بل تقلّل أيضًا من الهدر المالي والإبداعي. فباستخدام أدوات مثل النماذج الرقمية التوأمية (Digital Twins) والمحاكاة ثلاثية الأبعاد، يمكن للمطورين اختبار سلوك النزلاء الافتراضيين: كيف يتحركون داخل المساحات؟ أين يتوقفون؟ ما الذي يدفعهم للبقاء فترة أطول أو العودة لاحقًا؟ هذه النماذج تساعد على توفير ملايين الدولارات من تكاليف إعادة التصميم وتحسين عوائد التشغيل قبل أن يُبنى الفندق فعليًا.
لكن القيمة الأهم ليست مالية فقط، بل عاطفية. عندما يتعاون الإبداع البشري مع التحليل الذكي من البداية، يصبح المكان أكثر انسجامًا مع الإحساس الإنساني. النزلاء يشعرون أن كل تفصيلة في المكان وُجدت من أجلهم — وهي المعادلة التي تولّد الولاء الحقيقي للعلامة.
ذكاء العلامة التجارية
واعتبر التحليل إنه قد أصبح ما يُعرف اليوم بـ “ذكاء العلامة التجارية” (Brand Intelligence) التخصص الأحدث في عالم الضيافة. إنه دمجٌ بين البيانات والعاطفة، بين السلوك البشري والأداء الاقتصادي. ففي هذا النموذج، لا تبقى العلامة ثابتة بل تتطور لحظة بلحظة وفقًا لتفاعل النزلاء، تمامًا كما تتطور المنصات الاجتماعية بحسب المستخدمين. يمكن للعلامة أن تقيس في الزمن الحقيقي كيف يتجاوب الضيوف مع تصميمها أو قصتها، وأن تعدّل حملاتها وتجاربها تبعًا لذلك.
وهذا لا يعني أن الذكاء الصناعي يحلّ محل الإبداع البشري، بل إنه يضاعفه. فالآلة تتولى تحليل البيانات والتنبؤات، بينما يتحرر المصمم والمطور للتركيز على القصة والمشاعر والتجربة الإنسانية. حين يلتقي الخيال بالدقة، تتحول “الملاءمة” من هدفٍ عابر إلى ميزة مستدامة.
والدمج بين التقنية والعلامة ليس نزعة عابرة بل ثورة استراتيجية تعيد تعريف الاستثمار الفندقي. فهو لا يسرّع فقط من دورة التطوير، بل يحوّل العلامة من تكلفة تسويقية إلى أصلٍ يتضاعف في قيمته بمرور الوقت.
فالمطورون الذين يتبنون هذا النهج لا يبنون فنادق فحسب، بل يخلقون منظومات حية تتطور مع الثقافة وتعيش أطول من مواسمها. إنهم يصممون المستقبل قبل أن يتحدد شكله في وعي السوق.
نهاية عصر التنبؤ... وبداية عصر المعرفة
والفنادق التي ستقود العقد المقبل لن تكتفي بعكس الثقافة، بل ستشارك في صياغتها. بفضل الذكاء الصناعي، يمكن للعلامات أن تلتقط “الطلب العاطفي” قبل أن يظهر، وأن تبني التجربة التي يبحث عنها المسافر قبل أن يدرك هو نفسه حاجته إليها.
واختتم بالتأكيد على أن الضيافة الجديدة لا تُدار بالتخمين، بل بالمعرفة المسبقة. والمستقبل لن يكون لمن يحاول اللحاق باتجاهات السوق، بل لمن يصنعها — أولئك الذين يدمجون الإبداع بالذكاء، والثقافة بالتقنية، ليبنوا عالم الضيافة القادم، الآن وليس غدًا.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNTgg
جزيرة ام اند امز