الذكاء الاصطناعي يعيد رسم خريطة التنمية في أفريقيا
تمر القارة الأفريقية بمرحلة مفصلية في مسار تحولها الرقمي في ظل تسارع جهود حكوماتها ومؤسساتها التعليمية والبحثية والاقتصادية لتعزيز قدراتها في مجالات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات والأنظمة الذكية.
يأتي هذا التوجه في ظل قناعة متنامية بأن الذكاء الاصطناعي لم يعد خيارًا مستقبليًا، بل أصبح عنصرًا أساسيًا في بناء اقتصادات أكثر قدرة على التنافس، وتعزيز الحوكمة، وتقديم خدمات رقمية متطورة للمواطنين.
وتضطلع العديد من دول القارة مثل مصر وجنوب أفريقيا وكينيا ونيجيريا والمغرب بدور رئيسي في قيادة التحول الرقمي عبر تطوير البنية التقنية وبناء الكفاءات ودعم الشركات الناشئة، ما يجعل أفريقيا أمام فرصة تاريخية لإعادة صياغة موقعها في الاقتصاد العالمي.
وقال محمد الفيتوري، المسؤول بالهيئة العامة للصحافة في ليبيا، إن الإعلام الأفريقي يعيش تحولًا غير مسبوق بفعل الذكاء الاصطناعي، إذ باتت المؤسسات الإعلامية تعتمد على أنظمة تحليل البيانات لإنشاء محتوى أكثر دقة وتفاعلاً مع الجمهور، مع القدرة على تحليل اتجاهات الرأي العام في الوقت الحقيقي.
وأكد أن هذه التقنيات أسهمت في رفع جودة العمل الصحفي، وتسريع دورة الإنتاج الإخباري، وتعزيز قدرة الصحفيين على الوصول للمعلومات وتنظيمها.
وأوضح الفيتوري أن هذه الثورة الرقمية رافقها تحديات كبيرة، في مقدمتها انتشار المحتوى المزيف وتنامي قدرة تقنيات “الديب فيك” على خلق صور ومقاطع تبدو حقيقية بشكل لا يمكن تمييزه لافتا إلى أن الحل يكمن في تعزيز مهارات الصحفيين الرقمية، وتبني أنظمة تدقيق آلية للمعلومات، وإطلاق أطر مهنية وأخلاقية لحماية الجمهور من التضليل الإعلامي.
من جهتها، قالت الدكتورة غادة عامر، خبير الذكاء الاصطناعي برئاسة مجلس الوزراء المصري، أن أفريقيا تمتلك ثروة بشرية ضخمة وفرصة تاريخية للتحول من مستهلك للتكنولوجيا إلى منتج لها، شرط الاستثمار في المعرفة والبحث العلمي.
وأضافت أن الدول التي تنجح في بناء الكفاءات العلمية القادرة على تطوير خوارزميات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي ستتمكن من قيادة مستقبل الاقتصاد الرقمي.
وأشارت إلى أهمية الشراكات بين الجامعات والمراكز البحثية والقطاع الخاص لإطلاق مشروعات بحثية، وتمويل مبادرات الابتكار وريادة الأعمال، وتوفير بيئة داعمة للشباب المبدع، مؤكدة ضرورة حماية الخصوصية وبناء منظومة تشريعية وأخلاقية تُنظم استخدام البيانات وضمان تطبيق الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول وعادل.
- بقيمة مليار دولار.. الإمارات تطلق مبادرة «الذكاء الاصطناعي من أجل التنمية» في قمة العشرين
- نائب وزير المالية في جنوب أفريقيا لـ«العين الإخبارية»: نثمن دور الإمارات المتنامي في دعم أفريقيا
بدوره قال السفير الدكتور طلال مشلح، رئيس الاتحاد العربي للفنادق والسياحة رئيس الاتحادات العربية النوعية المتخصصة بمجلس الوحدة الاقتصادية العربية، إن الذكاء الاصطناعي يمثل الثورة الصناعية الخامسة التي ستعيد تشكيل الاقتصاد العالمي، مشيرًا إلى أن الدول التي لا تستثمر في هذه الثورة ستواجه فجوة تنموية وتكنولوجية خطيرة.
وأكد أهمية تأسيس تحالف عربي ـ أفريقي لمشروعات الذكاء الاصطناعي وتطوير البنية الرقمية المشتركة.
وأشاد مشلح بالتجربة الإماراتية التي نجحت في وضع رؤية متقدمة للذكاء الاصطناعي وتطوير تشريعات مبتكرة جاذبة للاستثمارات التقنية واعتبرها نموذجا يحتذى في المنطقة.
ودعا إلى إنشاء مراكز بحث إقليمية وتسهيل انتقال الخبرات بين الدول العربية والأفريقية، وتطوير نظم تعليمية تُخرج جيلًا قادرًا على المنافسة عالميًا.
وقالت الدكتورة نيفين مكرم لبيب نائب رئيس الجمعية المصرية لنظم المعلومات، إن مصر وضعت استراتيجية وطنية طموحة للذكاء الاصطناعي تعتمد على تطوير المناهج الرقمية، ودعم الشركات الناشئة، وإطلاق مراكز بحث متخصصة.
وأوضحت أن تطوير التعليم القائم على البيانات والتحليلات الذكية أسهم في تعزيز مهارات الخريجين وتوسيع نطاق التدريب الرقمي، مما مهد لظهور جيل قادر على إدارة الأنظمة الذكية وبناء حلول تكنولوجية متقدمة.
ورأى الدكتور أيمن أبو الحسن، أستاذ مساعد بهندسة الحاسبات بجامعة القاهرة أن الذكاء الاصطناعي أسهم في تحسين جودة التعليم عبر تحليل سلوك الطلاب وتوفير محتوى تعليمي مخصص، غير أنه حذر من الاعتماد الكامل على التكنولوجيا دون الحفاظ على مهارات التفكير النقدي.
وأشار إلى أن الجامعات الأفريقية بدأت اعتماد نماذج تعليمية ذكية تساعد على سد فجوات البنية التحتية، مشددا على أهمية نشر الوعي لدى الطلاب لضمان استخدام التكنولوجيا بشكل مسؤول، مع تعزيز دور المعلمين بوصفهم موجّهين للمحتوى الرقمي، وتوفير تدريب مستمر على أدوات التحليل البرمجي والبحث العلمي.
وأكدت الدكتورة دينا طنطاوي، أستاذ مساعد بكلية الهندسة جامعة القاهرة مدرب بمعهد تكنولوجيا المعلومات، أن التحول الرقمي في التعليم لا يقتصر على إدخال التكنولوجيا، بل يتطلب وضع منظومة قيم تحمي الإبداع وتضمن العدالة التعليمية.
ورأت أن الجامعات الأفريقية نجحت في توسيع نطاق التعليم عبر منصات رقمية، لكنها تظل بحاجة إلى تعزيز الابتكار وإنشاء مراكز بحث تكنولوجية تواكب التطورات العالمية، مع حماية الملكية الفكرية وضمان نزاهة العملية التعليمية في ظل انتشار الأدوات الرقمية.