تلوّث الهواء سيف مسلّط على رقاب سكان نيودلهي
ارتفاع موجة التلوّث الجوّي في نيودلهي، حيث يلفّ ضباب سامّ المدينة، ويتغلغل إلى المنازل والمكاتب، بينما تفوح رائحة مواد محروقة في الجو
يعاني يوغيش كومار, المصاب بالسل, من صعوبة في التنفس إثر استئصال إحدى رئتيه ويجهل الأطباء إن كان في وسعه العيش خارج المستشفى في نيودلهي؛ حيث تلوث الهواء هو من بين الأشد في العالم.
ويقول سرينيفاس غوبيناث الطبيب المتخصص في جراحات الصدر في مركز سير غانغا رام الاستشفائي حيث يعالج الشاب البالغ من العمر 29 عاما، إن "الجو في نيودلهي هو بمثابة حكم بالإعدام نزل به".
وكما الحال كل سنة، تشهد العاصمة الهندية في هذه الفترة من العام موجة تلوث جوي شديد, ويلف ضباب سام المدينة، متغلغلا إلى المنازل والمكاتب وتفوح رائحة مواد محروقة في الجو.
وباتت موجة التلوث هذه في أوجها الاثنين في المدينة التي تقطنها 20 مليون نسمة بعد أن ارتفعت مستويات التلوث فجأة إثر اشتداد وتيرة حرق المخلّفات الزراعية في المناطق المجاورة.
وتخطى تركز الجزئيات الدقيقة, بقطر دون 2,5 ميكرومتر, 620 ميكروغراما في المتر المكعّب الواحد من الهواء، بحسب بيانات السفارة الأميركية، علما بأن منظمة الصحة العالمية توصي بعدم تخطي 25 ميكروغراما في المعدّل.
في كل فصل خريف، تتوافد جحافل من المرضى يعانون صعوبات في التنفس إلى المستشفيات المحلية، في مؤشر إلى خطورة الوضع.
وبالنسبة إلى الأكثر حرمانا من أمثال يوغيش كومار، قد يكون الضباب الدخاني بمثابة قاتل مستتر، "فداخل المستشفى، يُحافَظ على نوعية الهواء لكن الشاب سيعاني من التلوّث فور خروجه منه"، بحسب ما يقول الطبيب غوبيناث لوكالة فرانس برس.
ويردف "نظامه المناعي ضعيف. ولم يعد لديه سوى رئة واحدة, فتصوروا صعوبة تحمّل هواء بهذه النوعية الرديئة برئة واحدة“.
أعلى حصيلة وفيات
التلوّث الجوّي مشكلة تلقي بظلالها على الجزء الشمالي من الهند في هذه الفترة من السنة، فالطقس البارد وانعدام الهواء يبقيان الانبعاثات الملوّثة أرضا مع الحؤول دون انتشارها.
وتشتدّ وطأة المشكلة في نهاية تشرين الأول/أكتوبر وبداية تشرين الثاني/نوفمبر مع بدء حرق المخلفات الزراعية في المناطق الريفية في شمال الهند وباكستان.
ويلجأ المزارعون إلى حرق فضلات حصاد الأرز للتخلّص منها بطريقة ميسورة الكلفة بغية زرع القمح محلّها.
ويبلغ التلوث أشدّه عادة خلال عيد الأنوار الهندوسي المعروف بديوالي الذي يصادف هذه السنة الأربعاء المقبل، وقت يزيد الدخان المتصاعد من المفرقعات من كثافة الضباب.
وهذه الجزئيات العالقة في الضباب الدخاني تفاقم أمراض القلب والأوعية الدموية والرئات، فضلا عن السرطان. وتتغلغل الجزئيات الصغيرة منها التي لا يتخطى قطرها 2,5 ميكرومتر إلى الدم عبر الرئات.
ويشتد وقع تلوث الهواء على الأطفال خصوصا, وكل سنة تؤدي هذه المشكلة إلى وفاة نحو 600 ألف طفل دون الخامسة عشرة في العالم، بحسب منظمة الصحة العالمية.
وبالإضافة إلى مخاطر التعرض للتلوث خلال الحمل، قد تعيق سمية الهواء النمو العصبي للجنين وتجعله أكثر عرضة للأمراض.
وبقول أرفند كومار وهو اختصاصي بارز في الأمراض الرئوية إن "الطفل المولود في نيودلهي يستنشق كمية هواء ملوثة في اليوم الأول من عمره توازي 20 إلى 25 سيجارة".
وخلال أول مؤتمر عالمي حول "تلوث الهواء والصحة"، قال تيدروس أدهانوم غيبرييسوس المدير العام لمنظمة الصحة العالمية إن تلوث الهواء أشبه بـ "السم الجديد".
وبغية زيادة وعي سكان العاصمة حول تداعيات التلوث، وضع مستشفى رئتين اصطناعيتين خارج مبناه يظهر تأثير الهواء الملوث عليهما.
وترزح الهند التي تضم 1,25 مليار نسمة تحت وطأة تلوث الهواء. ولم تكن الخطوات التي اتخذتها السلطات كافية لاحتواء هذه المشكلة.
وتقدّر الوفيات الناجمة عن التلوث الجوي والبري والبحري بـ 2,5 مليون حالة في الهند سنة 2015، وهي أعلى حصيلة وفيات من هذا النوع تسجل في العالم، بحسب ما أظهرت دراسة نشرت في محلة "ذي لانسيت" العلمية.