«العين الإخبارية» تنشر صورا لأول مرة للضحايا العرب في أحداث 11 سبتمبر
عند محاولة استعادة تفاصيل هجمات 11 سبتمبر 2001، قد يكون من الصعب تحديد عدد الضحايا العرب بدقة، رغم أن المعلومات حول جنسياتهم تتناثر هنا وهناك.
لا يوجد ملف شامل يجمعهم، مما يجعل الوصول إلى صورة واضحة عنهم أمراً معقداً. وعليه، فإن الادعاءات التي تذكر أن عددهم بالعشرات تبقى غير موثقة بشكل دقيق.
بعد مرور 23 عاماً على هذه الهجمات التي شكلت منعطفاً تاريخياً في العالم، لم يتم تسليط الضوء على الضحايا العرب، سواء في الصحافة العربية أو الأجنبية.
يعتبر الملف الحالي في "العين الإخبارية" واحداً من الملفات القليلة التي تتناول هؤلاء الضحايا، الذين تاهت ذكراهم وسط الصرخات المدوية التي عمت العالم في أعقاب تلك الكارثة، حيث تنشر صور الضحايا بعد تعديلها وتحسينها بواسطة الذكاء الاصطناعي.
ألبرت الألفي: قصة حب تجمع بين قارتين وتنتهي في فاجعة
من بين ضحايا هجمات 11 سبتمبر كان المصري ألبرت الألفي، الذي جمعته قصة حب عبر القارات وأوصلته إلى مصيره المأساوي. كان ألبرت مقيماً في تورونتو بكندا، حيث حصل على جنسيتها، بينما كان حبه الكبير من القاهرة، حيث التقى بالشابة إيريني غرغيس أثناء حضوره حفل زفاف شقيقه في 1998. لم يستغرق الأمر طويلاً حتى وقع في حب إيريني، وبعد أسبوعين فقط خطبها.
تزوج ألبرت وإيريني بعد مرور عام، وانتقلا للعيش في تورونتو حيث تلقت إيريني عرضاً للعمل في شركة "كانتور فيتزجيرالد" في نيويورك، وهو العرض الذي قبله ألبرت وعاشوا في المدينة، حيث كانت إيريني حاملاً بطفلهما الأول.
لكن القدر لم يمنح ألبرت فرصة رؤية طفلته التي لم تولد بعد، حيث لقي حتفه في الهجوم الذي دمر مكاتب الشركة في برج التجارة العالمي، وهو في سن الثلاثين. ترك وراءه أرملة وابنة وحيدة، التي تبلغ الآن 19 عاماً.
وليد إسكندر: قدر يجمع ويباعد في رحلة واحدة
من بين ضحايا الهجوم على البرج الشمالي لمبنى التجارة العالمي كان وليد إسكندر، اللبناني الذي كان يرتبط بخطيبته نيكوليتا من جنوب إفريقيا. وليد ونيكوليتا، اللذان كانا يعيشان في لندن، سافرا معاً إلى اليونان قبل شهر من الهجمات للتحضير لزفافهما المقرر في يونيو/ حزيران 2002 في أثينا. بعد هذه الرحلة، انتقلا إلى بوسطن لزيارة شقيقة وليد المقيمة هناك.
في بوسطن، قررا السفر إلى لوس أنجلوس لحضور حفل زفاف أحد أقربائه. ومع ذلك، طلب وليد من خطيبته أن تبقى في بوسطن مع شقيقته، ووعدها بالعودة لاستئناف رحلتهم إلى لندن بعد ثلاثة أيام. غير أن الهجمات التي وقعت صباح يوم الثلاثاء وضعت حداً لمخططاته، حيث قرر وليد السفر بمفرده إلى لوس أنجلوس، ليواجه مصيره بشكل مأساوي.
وُلد وليد إسكندر في بيروت عام 1967، ودرس في الكويت قبل أن ينتقل إلى الولايات المتحدة لإكمال دراسته في الهندسة بجامعة هارفارد. بعد تخرجه، عمل في شركة "مونيتور كونسالتينغ" الأمريكية، حيث ترقى ليصبح شريكاً مساهماً ثم تولى إدارة فرع الشركة في لندن.
عبدالسلام ملاحي: بطل لم ينل حقه من التقدير
تظل التفاصيل المتعلقة بعبدالسلام ملاحي غامضة إلى حد كبير. عبدالسلام، الذي كان يعرف بلقب "عبدو"، كان من بين الضحايا العرب القلائل الذين فقدوا حياتهم في تلك الهجمات. لم تُنشر تفاصيل كثيرة عنه، وفي كثير من الأحيان، يتم الإشارة إليه باختصار شديد.
وفقاً لمقال نادر في صحيفة "نيويورك تايمز" بتاريخ 10 فبراير 2002، كان عبدالسلام، البالغ من العمر 37 عاماً، متزوجاً من يمنية وأباً لطفلين. كان يعمل كمهندس صوت وصورة في فندق ماريوت الذي كان يقع في البرج الشمالي لمبنى التجارة العالمي، حيث وقع الهجوم الذي أودى بحياة آلاف الأشخاص.
على الرغم من أن عبدالسلام نال تعاطفاً من قلة عبر الإنترنت، فإن تقديره في وسائل الإعلام كان محدوداً. في موقع "فليكر"، كتب 21 شخصاً تعازيهم، بينهم ثلاث فقط من العرب، معبرين عن تقديرهم لشجاعته وإنسانيته.
ومع ذلك، فإن ذكرى عبدالسلام لا تحظى بالاهتمام الذي تستحقه من قبل الإعلام اليمني والعربي، بل وحتى الأمريكي. في "دفتر الزوار" على الإنترنت، نجد مشاركة مؤثرة من ابنه مالك عبدو ملاحي، الذي كتب في 21 سبتمبر 2010: "أنا مالك عبدو ملاحي.. عبدو هو أبي". كما أضافت ابنة عم عبدالسلام، جميلة ملاحي، كلمات مؤثرة عن حياة عبدالسلام وعائلته، مشيرة إلى اسم شقيقته إلهام.
بطرس الهاشم: حياة انتهت في سماء الكارثة
وفقاً لما كشفه القنصل اللبناني الأسبق في نيويورك، حسن نجم، في حديثه بعد 13 يوماً من هجمات 11 سبتمبر، كان من بين الضحايا أربعة لبنانيين كانوا يقيمون في الولايات المتحدة. من بين هؤلاء، كان بطرس الهاشم، الذي يُعرف في الولايات المتحدة باسم بيتر، أحد الضحايا الذين فقدوا حياتهم بشكل مأساوي.
بطرس، الذي هاجر من لبنان إلى أمريكا في عام 1969 وهو في الخامسة من عمره، كان على متن الطائرة التي تحولت إلى صاروخ طائر باتجاه البرج الشمالي لمبنى التجارة العالمي في نيويورك.
بطرس، الذي ولد في بلدة العاقورة شمال لبنان، كان قد حجز تذاكر السفر إلى لوس أنجلوس، واحدة له والأخرى لشقيقته روز. كان يعمل كمدير إنتاج في شركة "تيرادين" للإلكترونيات ويعيش في بوسطن مع زوجته وابنة خالته، ريتا الهاشم.
وبسبب تأخير شقيقته في تجهيز أمتعتها، أخبرته في اللحظة الأخيرة أنها لن تتمكن من السفر معه، فقرر بطرس السفر بمفرده. وقد كانت تلك الرحلة هي آخر رحلة له، تاركاً وراءه أرملة وابنين، باتريك وكريستوفر، اللذين كانا في عمري 29 و31 عاماً حالياً.
جود موسى: الاتصال الأخير قبل الفاجعة
كان جود موسى، اللبناني البالغ من العمر 35 عاماً، يعمل كسمسار أسهم وسندات في شركة "كانتور فيتزجيرالد" بنيويورك، والتي كانت من أبرز شركات التأمين المالي وتبادل الأسهم. وكان مقر الشركة يقع في الطوابق 101 إلى 105 من مركز التجارة العالمي، فوق الموقع الذي ارتطمت فيه الطائرة. لم تنج الشركة من الكارثة، حيث لقي جميع موظفيها البالغ عددهم 658 حتفهم في الهجمات، وكان جود موسى من بينهم.
هاجر جود إلى الولايات المتحدة عام 1984 كطالب مراهق، وفيما بعد انتقلت عائلته إلى جزيرة غواديلوب في البحر الكاريبي. اعتاد جود على الاتصال بوالدته كل صباح، وحدث ذلك أيضاً في صباح الهجمات. بعد ربع ساعة من آخر مكالمة، وقع الهجوم المأساوي، ما أدى إلى احتراقه.
بعد وفاته، واجهت والدته صعوبات نفسية كبيرة، مما دفعها وزوجها للعودة إلى قريتهما في كوسبا بشمال لبنان عام 2008.
روبرت تلحمي: جاب العالم وانتهت رحلته في نيويورك
روبرت إلياس تلحمي، الأردني الذي لقي حتفه في هجمات 11 سبتمبر عن عمر يناهز 36 عاماً. كان تلحمي يعمل كسمسار في شركة "كانتور فيتزجيرالد"، وكان مكتبه يقع في الطابق 104 من برج التجارة العالمي، حيث قضى حياته في تلك اللحظة المأساوية.
وُلد تلحمي في باكستان حيث كانت تقيم عائلته، ثم انتقل إلى الولايات المتحدة عندما كان في السابعة من عمره. لاحقاً، انتقلت العائلة إلى فنزويلا حيث عمل والده، إلياس تلحمي، في مجال المشاريع الهندسية. بعد إتمام دراسته العليا في كاراكاس عام 1979، عاد روبرت إلى الولايات المتحدة، ثم بدأ رحلته المهنية الدولية.
عمل تلحمي في طوكيو من عام 1990 إلى 1994، تلاها فترة في لندن حتى عام 2001. وفي أبريل/ نيسان من نفس العام، انتقل إلى نيويورك ليبدأ مرحلة جديدة في حياته، إلا أن القدر لم يمهله، حيث قتل في الهجمات، تاركاً وراءه زوجته الأمريكية ديانا وابنيه الصغيرين جاك ونوا.
رمزي دواني: الأردني الذي عُرف بخدمة الآخرين
في الأرشيفات الأمريكية، يظهر الأردني رمزي دواني كأحد الضحايا العرب في هجمات 11 سبتمبر. كان دواني، الذي توفي عن عمر يناهز 35 عاماً، يعمل كمدقق حسابات في شركة "مارش أند ماكلينن" الشهيرة، وكان مكتبه في الطابق 100 من برج التجارة العالمي.
وفي صباح يوم الهجمات، كان دواني قد بدأ يومه بالكتابة على الكومبيوتر ليرسل رسائل إلى عائلته وأصدقائه، يبلغهم بعودته إلى نيويورك بعد رحلة عمل.
وُلد دواني في عمان لأبوين فلسطينيين، وكان له شغف كبير بالطهي. أنهى دراسته الثانوية في لندن قبل أن يهاجر إلى الولايات المتحدة في سن التاسعة عشرة، حيث تخرج من جامعة أمريكية في عام 1992 وتدرج في عدة شركات قبل أن ينضم إلى "مارش أند ماكلنن".
عُرف دواني بتفانيه في خدمة الآخرين؛ فقد كان دائماً سريعاً في تقديم المساعدة لمن يحتاجها. اعتنى بامرأة مريضة وأم لولدين، كما استضاف صديقاً له وزوجته في شقته لمدة عامين بعد أن وجد وضعهما صعباً. نظراً لهذه السمات الإنسانية، حضر العشرات جنازته التي أُقيمت في كنيسة الفادي بعمان، رغم أن جثته لم يعثر عليها في نيويورك.
ضحايا العرب: قصص حياة مجهولة
من بين ضحايا هجمات 11 سبتمبر، نجد أربعة أمريكيين من أصل لبناني، ظهرت أسماؤهم في قائمة أصدرتها كنيسة "سيدة لبنان" المارونية في بروكلين، نيويورك. ومن هؤلاء، جود صافي، الذي كان يعمل كسمسار في شركة "كانتور فيتزجيرالد" منذ أربعة أشهر فقط، وتوفي عن عمر 24 عامًا في برج التجارة العالمي. جده لأبيه كان قد هاجر من بلدة عينطورة بلبنان إلى الولايات المتحدة.
كما نرى اسم كاثرين كارمن غريّب، التي قضت في الهجمات عن عمر 41 عامًا، أثناء حضورها مؤتمرًا في مبنى التجارة العالمي. كانت غريّب مديرة تسويق في شركة "راندوم وولك" بنيويورك، وراحلة كأم عزباء لابنة وحيدة. وهناك أيضًا مارك هندي، لبناني الأصل، الذي توفي عن عمر 28 عامًا أثناء عمله كسمسار في "كانتور فيتزجيرالد".
ومن بين الضحايا أيضًا جاكلين صايغ، التي قُتلت عن عمر 34 عامًا في الطابق 107 من برج التجارة العالمي، حيث كان يعمل مطعم "وندوز أون ذي وورلد" الذي نظمت له فعاليات قبل مقتلها. تزوجت جاكلين قبل ستة أشهر من زميل أميركي في العمل.
تظل هذه القصص تذكيرًا بصعوبة العثور على تفاصيل دقيقة حول هؤلاء الضحايا، بعد مرور ثلاثة وعشرين عامًا على الهجمات، حيث لم تُعطَ ذكرى هؤلاء الأفراد حقها من التوثيق أو الاهتمام في الأرشيفات العربية أو الأمريكية.
aXA6IDM1LjE3MS4xNjQuNzcg جزيرة ام اند امز