"العين الإخبارية" تكشف أسرار مومياء "الفتى الذهبي" في مصر (حوار)
نجح فريق بحثي، قبل أيام، في الكشف عن مومياء لصبي مصري، يعود تاريخ تحنيطه إلى 2300 عام.
وقالت وزارة السياحة والآثار المصرية، في بيان نشرته عبر صفحتها الرسمية بـ"فيسبوك"، إن التعرف على المومياء جاء بواسطة الأشعة المقطعية والطباعة ثلاثية الأبعاد، وهذا بعد تخزينها لما يزيد على قرن من الزمان داخل بدروم المتحف المصري في ميدان التحرير بالقاهرة.
ونوه البيان بأن البحث كشف ارتداء المومياء لقناع ذهبي وصدرية مصنوعة من الكارتوناج، بجانب صندل من النسيج، بخلاف 49 تميمة صُنعت من الذهب والقاشاني وبعض أنواع الأحجار.
للوقوف على تفاصيل الكشف عن "الفتى الذهبي"، حاورت "العين الإخبارية" الدكتورة سحر سليم، أستاذة ورئيسة قسم الأشعة في كلية الطب بجامعة القاهرة، التي قادت الفريق البحثي خلال دراسة المومياء، وتطرقت إلى عدد من الجوانب المثيرة التي أحاطت بهذا الصغير.. وإلى نص الحوار:
ما سر وجود هذه المومياء لفترة طويلة داخل بدروم المتحف المصري؟
المتحف المصري وقت افتتاحه في عام 1902 كان بمثابة مكان لتخزين الاكتشافات المصرية، إلى حد تتجاوز فيه أعداد الآثار المخزنة داخل البدروم نظيرتها المعروضة للزوار.
بعض هذه القطع تجاوزت مدة تخزينها 100 عام ولم يتم دراستها، وهذا هو أساس مشروعي مع المتحف المصري.
كيف جرى نقل هذه المومياء إلى المتحف المصري في السابق؟
المعلومات عن هذه المومياء قليلة، المعروف عنها أنها نُقلت إلى المتحف المصري في عام 1916، وكانت متواجدة في جبانة إدفو بمحافظة أسوان جنوب مصر، التي كانت متواجدة في العهد البطلمي في الفترة بين عامي 300 ق.م: 30 ق.م.
كيف جرت عملية فك اللفائف حول المومياء؟
عملية الفك حدثت بشكل افتراضي باستخدام الأشعة المقطعية، ففي واقع الأمر لم يجر فك اللفائف إطلاقًا، وهو توجه في علم الآثار يشدد على ضرورة عدم لمس المومياوات أو أي شيء مغلق لحمايتها من التدمير.
المومياء لم تتعرض للمس منذ أن تعامل معها وتركها المحنّط، الأشعة المقطعية في هذه الحالة هي طريقة مثلى وفريدة للدراسة، فمن المهم أنها لم تتعرض لأي ضرر خلال البحث.
كم عمر الصبي؟
يتراوح ما بين 14: 15 عامًا.
ما هي ملامحه؟
بعد إزالة اللفائف افتراضيًا اتضح الوجه وملامحه، الأنف متوسط وليس دقيقًا أو غليظًا، والعينان كانتا شبه مفتوحتين، هي في المجمل ملامح صبي مصري.
ما المحتويات التي اكتشفتموها داخل المومياء؟
بدايةً جرت عملية الفحص في حديقة المتحف المصري بجهاز الأشعة المقطعية، وتمكنا من إزالة اللفائف بواسطة برامج عالية الجودة، حتى وجدنا المومياء ترتدي قناعًا مذهبًا، وصدرية مصنوعة من الكارتوناج، وصندل، وبين اللفائف عثرنا على 49 تميمة مرصوصة بشكل متناسق في 3 صفوف.
التمائم التي وجدناها مميزة وغير اعتيادية نظرًا لعددها الكبير، كما أن لها 21 شكلًا مختلفًا، و30 قطعة منها مصنوعة من الذهب، والبقية من بعض أنواع الأحجار، وتواجدت في تجويف الصدر والبطن وغيرها من الأماكن.
بالاطلاع تبين أن التحنيط كان على مستو عال، خاصةً مع إزالة المخ من الأنف والأحشاء من فتحة أسفل البطن، ووضع الحشوات والمواد الراتنجية.
ما دلائل وجود هذه التمائم داخل المومياء؟
التمائم لها أهمية لدى المصري القديم، فهي تعيد الحياة للأجزاء المختلفة من الجسم، مثلًا يوجد اللسان الذهبي حتى يتمكن الصبي من التحدث في العالم الآخر، وتميمة جعران القلب الذهبية الموضوعة في تجويف الصدر، تمثل "القلب بحيث ينبض في العالم الآخر، ولدوره في وزن الأعمال ودخوله مملكة الجنة" بحسب اعتقاد القدماء.
ما سر صنع أغلب التمائم من الذهب؟
حظي الذهب بأهمية روحية وعقائدية لدى المصري القديم، وكان يُطلق عليه "نيبو" لأنهم كانوا يأتون به من مناجم بلاد النوبة، وهو يمثل أشعة الشمس وأشعة شمس المعبود رع، ورع يمثل إعادة الحياة والبعث، فكان من المهم وضعه لأنه عبارة عن رمز لإعادة الحياة، كما أن المصري القديم كان يعتقد أن الآلهة عظامها من الفضة وبقية جسمها من الذهب.
هل احتواء المومياء على هذه الأشياء له دلالة على المكانة الاجتماعية التي حظي بها هذا الصبي وأسرته؟
بالفعل، من المرجح أن يكون الصبي من عائلة غنية جدًا وقد يكون نبيلًا من النبلاء، التحنيط عالي الجودة وعدد التمائم كبيرة ومعظمها من الذهب.
لماذا وُضعت المومياء داخل تابوتين اثنين؟
هو من تقاليد مصر القديمة، ونابع من السعي إلى الحفاظ على الجسد والروح بخطوات مادية، بحيث يتم حماية المتوفى "من مخاطر الرحلة إلى العالم الآخر حتى يدخل الجنة، فكل ما يرتديه بجانب الكفن والإشارات والرموز المرسومة من حوله تمكنه من تخطي العقبات في العالم الآخر" بحسب اعتقاد القدماء.
في بادئ الأمر يتم غلق فتحات الأنف والفم والشرج وغيرها لمنع دخول الحشرات، بعدما يجري وضع اللفائف، ثم يتم وضع الجسد في التابوت، وفي وقت لاحق أضافوا خطوة جديدة تتمثل في وضع التابوت داخل سلاسل من التوابيت لمزيد من الحماية.
هل المومياء باتت معروضة للزوار في المتحف المصري؟
بالفعل هي معروضة في مدخل المتحف المصري منذ يوم 24 يناير/كانون الثاني الجاري، تزامنًا مع نشر نتائج البحث في دورية "Frontiers in Medicine"، كما كشفت نتائج الدراسة بنفسي خلال محاضرة داخل المتحف.
هل نحن على موعد مع مزيد من الاكتشافات المماثلة مستقبلًا؟
بكل تأكيد خاصةً أن التعاون مستمر مع المتاحف المصرية ووزارة السياحة والآثار المصرية، وهناك العديد من الاكتشافات التي انتهينا منها سابقًا وأجريت لها الأشعة المقطعية، منها على سبيل المثال لا الحصر الكشف عن جرة مغلقة بداخلها طفل محنط.