مراعي الموت.. قصص تلغيم الحوثي لريف اليمن
الزراعة والرعي، مرادفات للحياة في الريف اليمني، لكنها تحولت بفعل التفخيخ الحوثي إلى مهن الموت الأشد فتكاً.
ونال ريف السهل التهامي، غربي البلاد، نصيب الأسد، حيث حولت مليشيا الحوثي الإرهابية ما كان يُعرف بسلة غذاء اليمن إلى أكبر حقل ألغام في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، وفقاً لتقارير دولية.
وتشير إحصائيات رسمية إلى أن سكان الريف يشكلون ما نسبته 70% من إجمالي السكان في اليمن، ويعتمد غالبيتهم على الزراعة وتربية المواشي كمصدر دخل رئيسي، قبل أن تصبح الأعمال الأشد خطراً.
وعلى امتداد ريف السهل التهامي، تتركز نحو 10% من الثروة الحيوانية في الجمهورية اليمنية، وتعتمد على آلاف الهكتارات من المراعي الخضراء والأراضي الزراعية التي زرعت فيها مليشيا الحوثي الألغام.
وأصبح المزارعون ومربو المواشي والمواشي ذاتها رقماً محتملاً على قائمة ضحايا الإرهاب الحوثي، حيث تحصدهم مكامن ألغام الموت للمليشيات الإرهابية بشكل يومي.
ذهبت بساقين وعادت بواحدة
تتضمن الزراعة وتربية المواشي تأمين موارد المياه الدائمة، إلا أن آبار المياه لم تسلم من يد التلغيم للمليشيات الحوثية الإرهابية.
فإن خرجت لجلب الماء بساقين ستعود بساق واحدة، وهذا لا يحدث إلا في الريف الغربي لليمن، ومن بين مئات الضحايا تعد أحدث قصة لما حدث للطفلة "كريمة عايش" في بلدة "المسنا" إلى الضواحي الشرقية من مدينة الحديدة المطلة على البحر الأحمر.
على بضعة أمتار من منزلها نجت كريمة بأعجوبة من موت محقق إثر انفجار لغم حوثي قرب بئر الماء لكنها فقدت إحدى ساقيها كما تسبب انفجار اللغم بتمزق طبلة أذنها وأصابت بالصمم.
تصف كريمة معاناتها بعد فقدان ساقها وسمعها لـ"العين الإخبارية" أنها لم تعد تستطيع الذهاب إلى مدرستها البعيدة، مضيفة أنها "لم تستسلم قط، وبدأت بالتعود على ساقها الصناعية".
وتقول الطفلة اليمنية إن هناك آلاف الأطفال مثلها يعملون في رعي الأغنام وجلب المياه مهددون بالموت جراء الألغام الحوثية وهم دون حماية أو تحذير ولا يعرفون ما هي الألغام وقد تتحول للعبة موت بشعة.
وطالبت الطفلة كريمة عبر "العين الإخبارية" في رسالة للعالم بالالتفات إلى ضحايا الألغام الحوثية من الأطفال الذين يسقطون يومياً في المراعي الملغومة.
يونس.. يرعى مع الموت
منذ 4 سنوات هجرت مليشيا الحوثي الطفل "يونس حداد" من قريته في مديرية حيس جنوبي محافظة الحديدة ليعمل في مناطق ذات المحافظة المحررة في رعي الأغنام.
ويحصل "يونس" مقابل رعاية المواشي مبلغاً زهيداً ينفقه على أخواته بعد وفاة والدهم ونزوحهم إلى مدينة "حيس" وتوقف الدراسة جراء الحرب التي تشنها مليشيا الحوثي.
يقول الطفل يونس (10 أعوام)، من على كرسي متحرك، إن الألغام والقذائف الحوثية تسببت بنفوق العديد من مواشيه وكان يعتقد أنه سيكون التالي.
تلك الفكرة طالما أرعبت الطفل "يونس" وشرحها في حديثه لـ"العين الإخبارية" موضحا معاناته الدائمة مع أدوات الموت الحوثية والتي انتهت به مقعداً مشلول الحركة.
فبينما كان "يونس" يلهو مع أغنامه، أصابته طلقة نارية حوثية في عموده الفقري وتسببت بضرر جسيم في نخاعه الشوكي، يقول إنه حُرم من التعليم بسبب الإرهاب الحوثي والآن حرمته من الحركة أيضاً.
وطلب يونس من "العين الإخبارية" أن تنقل أمنيته بالحصول على كرسي كهربائي ليتمكن من الذهاب إلى المدرسة وتحقيق هدفه.
خالد.. زرع وحصدته الألغام
تنتج مزارع البصل في مديرية الخوخة جنوبي محافظة الحديدة نحو 1500 طن من مختلف أنواع البصل يومياً يتم تصدير معظمه للأسواق اليمنية خصوصا في المناطق المحررة جنوبا وشرقا.
كان "خالد" يعمل في زراعة البصل بالخوخة منذ نعومة أظافره، حيث ورث المهنة عن والده وكان يحلم بتوسيع مزارعه، لكن عقب أن انقلبت مليشيا الحوثي واجتاحت بلدته تبدلت حياته رأس على عقب.
يقول سليم، شقيق خالد لـ"العين الإخبارية"، إن الألغام الحوثية قتلت حلم خالد ثم قتلت خالد ذاته، وحولت عملهم إلى مغامرة مجنونة وصراع مرير مع الموت.
ويضيف سليم: "لا خيار ثالث لدينا، إما أن نموت جوعاً أو نموت بألغام الحوثي في مزارعنا"، مشيرا إلى حرمان الألغام الحوثية آلاف الأسر التي تعتمد على زراعة البصل من مصدر دخلها.
وتناقص إنتاج البصل بشكل كبير بعد اجتياح مليشيا الحوثي المنطقة ولا تزال قرابة ثلث المزارع شرقي الخوخة والتي تُشتهر بزراعة أجود أنواع البصل، متوقفة بعد أن حولها الحوثيون إلى حقول ألغام ضخمة.