الإعلام الذي صنعته "الجزيرة" وأطلقته كعنوان لها هو إعلام التزييف والتزوير.. كان إعلاما بلا أخلاق مهنية، متحيزا يميل إلى الارتزاق.
كتب الأديب والكاتب السوري إبراهيم صموئيل، تحليلا عن المفسدين والإفساد، من أبرز ما جاء فيه: "مطالبة المفسد بالإصلاح فكرة عبثية، أو هي طوباوية في أحسن الأحوال، وسواء اتخذت المطالبة شكل مظاهرة أو بيان أو مقال أو ندوة؛ فإنها وبسبب من توجّهها إلى المفسد المخرِّب، يُدخلها في دائرة اللا جدوى.. فليس في يد المفسد أن يصلح أو لا يصلح، والمسألة لا تتعلق بالرغبة أو انتفاء الرغبة، المسألة تتعلق بوجوده ودوره، فلو هو أصلح -افتراضا- لقضى على نفسه ولأطلق النار على مصالحه ومناصبه وامتيازاته وتجاوزاته للقانون، ولو هو أصلح لجرّد رجال سلطته من مغانمهم وتسلّطهم وتعدّياتهم، لقطع خطوط الشبكات التي نسجوها مع شركات الخارج، ومنع أموال السمسرة التي يحصّلونها جراء متاجرتهم بالناس وحاجات عيشهم، ولو هو أصلح لقضى على الآليات، بالغة الخبث والدهاء والمكر، التي ساسوا ويسوسون الناس بها ومن خلالها كالقطعان".
رغم اتساع مساحة الاقتباس من مقال هذا الأديب الرائع، إلا أن ما أفضى به وهو يكتب بصفة عامة نجده وكأنه يعبر تماما عن قناة الجزيرة منذ نشأتها وحتى يومنا الجاري، تلك القناة التي عملت على شيطنة من تريد ورفع من ترغب إلى صفة الملائكة، رامية بالحياد عرض الحائط وفق وسيلة استمرأت على فعلها هي الاختلاق والكذب.
تلك القناة صنعت من كثير من التافهين أبطالا، وأفسدت كثيرا من البلدان وأشعلت الفتنة في أخرى، ونحن لا نلوم المشاهد العربي، وهو يرى ويتابع ذلك؛ فهي قد حضرت في زمن لم تكن هناك قنوات فضائية عربية تناقش شؤون الآخرين ولها مراسلون في كل مكان وميزانيتها بمئات الملايين من الدولارات، ويكفي أنها لم تُصنع بل حضرت جاهزة بعدتها وعتادها من قناة البي بي سي البريطانية تلك التي وجدت في بعض إعلاميي عرب الشام سبيلا للعهر الإعلامي، فكان أن انتهت مهمتهم لديها ووجب التخلص منهم فكان موقعهم الجديد تحت مظلة جديدة اسمها "قناة الجزيرة".
الإعلام الذي صنعته "الجزيرة" وأطلقته كعنوان لها هو إعلام التزييف والتزوير.. كان إعلاما بلا أخلاق مهنية، متحيزا يميل إلى الارتزاق، دخل في كل بلد عربي وصنع إشكاليات لم تكن موجودة، بل إنه أفضى إلى اختلاف أهل البيت وتناحرهم، ليس كذلك فقط، بل إنه وفق جرأته الخبيثة قد أثر على كثير من الإعلام العربي ليصنع ملامح شخصيته التي تعتمد على الكذب والارتزاق اللذين يعبر عنها بالنباح ورفع الصوت.. وكان له ما أراد بنشأة قنوات يقودها المرتزقة وأخرى الطائفيون وصانعو الكذب.
كان من الضروري قراءة خارطة الإعلام العربي كيف أصبح بعد قناة "الجزيرة"، وكيف غدا المرتزقة هم أصحاب الشأن وقادرين على طرد أصحاب الضمير المهني العاقل، ليصنعوا منهج شيطنة العالم العربي وبث الفرقة فيه.. عناوينهم شتائم وتشويه صورة وحقد.. أليست معلمتهم في أصول زرع الفتنة حينما لم يخجل القائمون عليها من إعلانه على الملأ، فكل معارض أو من له وجهة نظر ضد بلده يستضيفونه، وكأنهم قد حضروا من لندن إلى العالم العربي لتنفيذ أجندة تم العمل عليها دهرا طويلا، في ظل أنهم قد أتقنوا مهمتهم ونجحوا في مسعاهم.
اليوم وفي ظل الأزمات العربية القائمة والتناحر والفساد والحروب في كثير منها؛ اتضح أن "الجزيرة" اتخذت الأساليب الملتوية والبعيدة عن المهنية في خدمة المشروع السياسي الذي حضرت من أجله، لذا فليس من العيب أن يقف العرب لأجل اقتلاعها ودحرها.. وليس منافيا لحرية الإعلام أن تتبنى دول مقاطعتها ورفض التعامل معها؛ فمن يرتدي ثوب الشيطان واحتكم لأخلاقه وأساليبه هو شيطان آخر.
ختام القول: إن الفرد العربي الآن قادر على تمييز الخبيث من الطيب، وبإمكانه أن يقيم الممارسات الإعلامية حول العالم ومدى تقيدها بالأخلاقيات والمواثيق، لذا فإن أداء قناة الجزيرة يتنافى مع أخلاقيات مهنة الإعلام، ولاسيما أنه قد تعمّد تخطي القيم الأخلاقية بهدف غرس ثقافة القتل والفتنة.
نقلا عن "الرياض"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة