الكاظمي وحديث التحديات.. هل يجتاز العراق عنق الزجاجة؟
مجدداً يعود رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي للحديث عن إرادات تحاول تعطيل الدولة والإبقاء على مؤسساتها في حال من الضعف.
ومرة أخرى يشير الكاظمي إلى تحديات وعراقيل مصطنعة تهدف إلى كبح العجلة الحكومية ومنعها من مواصلة تصحيح المسارات الخاطئة التي ورثها من الأجيال المتعاقبة على حكم العراق ما بعد 2003.
وغالباً ما يردد الكاظمي أنه "الشهيد الحي"، بعد أن تعهد منذ تسلمه السلطة في مايو/أيار الماضي بالوصول إلى كهوف الفساد وتوجيه البنادق صوب صناعها مهما كانت هوياتهم وانتماءاتهم والجهات التي تقدم الدعم لهم.
الكاظمي اليوم وبعد نحو 9 شهور من العهود والوعود الحكومية التي اقتطعها في مجال الأمن والاقتصاد والسياسة ومطاردة الفاسد، يؤكد أن حكومته حققت إنجازات واستطاعت استرجاع ثقة الشعب بالدولة وقياداتها، ولكن ما زال المشوار محاطاً بالتعقيد والغموض وتراكبية المشهد السياسي.
ويقترب رئيس الجمهورية برهم صالح من ذلك التلويح والشعور بخطورة المرحلة وطبيعة المواقف وحركة الصراع، سواء على المستوى الداخلي أو الإقليمي.
ويؤكد أن العراق بين منزلتين لا ثالث بينهما "الرجوع إلى الوراء فالنهاية، أو الذهاب نحو استحقاقات ومكتسبات عظيمة"، في إشارة إلى الانتخابات البرلمانية المقبلة.
تلك التصريحات التي لوح بها رئيسا الحكومة والجمهورية، اليوم السبت، في حفل تأبين غير رسمي بمناسبة "يوم الشهيد"، تلقاها جملة من المعنيين بمجال السياسية والشأن العراقي، بقراءات مختلفة ومواقف تحليلية هدفت إلى استكشاف ما يجري اليوم، وما متوقع أن يقع في المستقبل القريب.
ضخامة المهمة
يقول الأكاديمي علي الكاتب إن المهمة التي يضطلع بها الكاظمي ليست تكليفاً إداريا سياسياً لإدارة مصالح أمة بقدر ما أنه تصارع ومخاطرة من أجل انتزاع بلاد عليلة مؤسساتياً من موت شبه مؤكد، وهنا يمكن التصور عن ضخامة المهمة ومستوى قوة المواجهة.
فالتحديات كما يقول الكاتب، التي غالبا ما تكون حاضرة في أحاديث الكاظمي هي إشارات عند المعنيين بالسياسية والقريبين من مصادر القرار، ولكن قد تنطلي على الكثير من عامة الجمهور أو قد يفسرها خصوم الحكومة إلى أنها حالات ضعف وتراخ وفشل تحسب على حكومة رئيس الوزراء.
ويلفت الكاتب خلال حديث لـ"العين الإخبارية" إلى أن "الحلول والمعالجات ليست ولادات آنية دائما، خصوصا في ظل تعقد المشهد العراقي وصراعات النفوذ التي سمحت برفع عصابات ومجاميع وأحزاب إلى قدرات دولة في المال والتسليح والتحشيد أحياناً".
ويستدرك بالقول "الكاظمي أمام إرث من الخراب الكبير بأدوات بسيطة ومحدودة، وهو ما قد يصعب من المواجهة مع أن الأمر ليس بالمستحيل إذا ما تضافرت الجهود واجتمعت على رؤى وطنية".
ويتابع الحديث "بعض من القوى السياسية ليس من مصلحتها التأسيس لبيئة مؤسساتية ناصحة وناصعة العطاء لكونها تدرك أن ذلك الأمر سيكون بمثابة مسامير تدق في نعش وفاتها".
فرصة أخيرة
فيما يرى المحلل السياسي والباحث في الشأن الإقليمي إحسان عطية أن المرحلة الآنية فرصة أخيرة للعراق، وعليه أن يختار ما بين النزول إلى عمق الهاوية أو الوقوف عند حدود خسائره على أقل تقدير.
ويلفت إلى أن "التحضير للانتخابات المقبلة وما يسبقها من مرحلة إنقاذ اقتصادي ومالي لميزانية العراق الخاوية ليست تحديات أمام حكومة الكاظمي، وإنما مراهنة على إحباط مخططات ومؤامرات دولية وإقليمية، لتوهين البلاد وتفتيتها وجعلها ممرات وقنوات للمليشيات وحيتان الفساد".
ويقدم عطية نماذج ومواقف شهدتها حكومة الكاظمي خلال فترتها الحالية منها تصاعد استهداف المصالح الأجنبية خصوصا الأمريكية منها وكذلك ارتفاع مستوى التهديدات لتنظيمات الإرهاب وتطويق البلاد بأزمة المال والخواء الاقتصادي.
ويرى عطية خلال حديثه لـ"العين الإخبارية" أن تلك العراقيل والأزمات على الرغم من أنها جينات سياسية متوارثة بسبب سوء الأداء الحكومي، لكن نفخ فيها وقدمت على أنها نتائج وإسقاطات لحكومة الكاظمي، فيما أن الأخير بريء منها.
وعاش العراق منذ مطلع العام الماضي أزمات متصاعدة بينها معاودة تنظيم داعش بشن الهجمات وارتفاع حدة عملياته وكذلك أزمة اقتصادية وصلت إلى عجز حكومي في توفير رواتب الموظفين بعد أن اجتمعت ظروف جائحة كورونا وانخفاض أسعار النفط العالمية.
تدارك الأزمة
يضطلع رئيس الحكومة المؤقت مصطفى الكاظمي بمهام محددة تتلخص بهيئة الأجواء المناسبة لإنجاح الانتخابات البرلمانية المبكرة، ووضع الحلول المؤقتة لتدارك الأزمة الاقتصادية وفرض القانون ومحاربة الفساد مقابل إضعاف نفوذ المليشيات والسيطرة على السلاح المنفلت.
وعلى الرغم من أن تلك الدعوات والمساعي لاقت ترحيباً داخلياً وخارجياً إلا أنها ما زالت تشق طريقها بصعوبة وبطء في وقت يحتاج العراق إلى اختزال الوقت والجهد للعبور من المرحلة التي عدت بالحاسمة بحسب الصحفي والمحلل السياسي حمزة مصطفى.
ويقول مصطفى خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، إنه "على الرغم من تواضع النتائج المتحققة لغاية الآن ونحن نتوقع أقل من ذلك، ولكنها تؤشر أن القطار بدأ يقترب من صعود السكة مجدداً.
ويشير إلى أن مستويات الفساد بدأت تأخذ بالانخفاض نوعاً ما وكذلك هنالك عودة عراقية للحاضنة الدولية وكذلك ظهور وعي جماهيري شعبي يختلف عن بقية السنوات الماضية من الممكن اعتماده كعنصر أساسي يعول عليه في تغيير الكثير من العناوين الخاطئة، التي ترافقت مع العملية السياسية منذ بداياتها قبل 18 عاماً".