انطلقت على وسائل التواصل الاجتماعي الدعوات للتأييد الشعبي للكاظمي وجهاز مكافحة الإرهاب والمؤسسة العسكرية العراقية
لا يخلو بلد من البلدان على مستوى العالم من أزمات داخلية أو خارجية تعمل الحكومات جاهدة لتجاوزها والعبور بالبلاد إلى ضفة الاستقرار، ولكن ما يميز المشهد العراقي هو تعدد الأزمات وتشابكها درجة التعقيد بالترنح بين الأزمات الداخلية من فساد وتحديات أمنية واقتصادية من جهة وأخرى إقليمية متمثلة بالولاءات لغير العراق، ومن جهة ثالثة العلاقات العراقية الدولية ولا سيما مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تأخذ وضع التفاوض، ولعل هذا هو الملف الأبرز الذي يواجه حكومة "مصطفى الكاظمي" التي تسعى جاهدة لكسب الرهان وخلق توازن استراتيجي تستطيع به التوفيق بين المصلحة العراقية وتحييد الساحة العراقية عن الصراعات الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى الاستفادة من استقرار العلاقات العراقية الأمريكية ولا سيما على المستويين الأمني والاقتصادي.
ولعل الرسالة التي يريد "الكاظمي" - الرجل ذي الخلفية العسكرية الاستخباراتية – توجيهها للعراقيين وللأطراف الدولية، بأن مشروع حكومته الأول هو استعادة "هيبة الدولة" الهيبة التي صارت نهباً للميليشيات التي تدين بالولاء لكل مشروع عدا المشروع الوطني العراقي، وهو الحال الذي وقفت أمامه الحكومات السابقة – على فرض أنها أرادت العمل – عاجزة كل العجز لما له من حساسية سياسية وعسكرية قد تفضي بالعراق إلى حروب أهلية، لن تتوانى الأطراف الخارجية من تأجيجها لزيادة العراق ضعفاً وساحته هشاشة يسهل معها التغلغل في مفاصل الدولة أكثر فأكثر .
انطلقت على وسائل التواصل الاجتماعي الدعوات للتأييد الشعبي للكاظمي وجهاز مكافحة الإرهاب والمؤسسة العسكرية العراقية ومؤازرة الرجل في مسعاه.
ولكن الأمر مع "الكاظمي" يبدو أنه مختلف، فهو يستبق المفاوضات العراقية الأمريكية بخطوة جريئة لم تستطع الحكومات السابقة حتى مجرد المناورة بخصوصها، فبعد أن تعرضت المنطقة الخضراء منذ أيام لاعتداء على يد ميليشيات تنتمي إلى "حزب الله العراقي" في محاولة لثني "الكاظمي" عن تصريحاته باتباع سياسة "لا سلاح إلا بإمرة الدولة" السياسة التي رفضتها الميليشيات ذات الولاء الإيراني والتي رأت بأنها سياسة ستحرمها من قوتها الميدانية بوضعها تحت سيطرة المؤسسة العسكرية العراقية، الأمر الذي يضرب مشروعها ومشروع مموليها القائم على أن تكون موازية بل ومضاهية للمؤسسة العسكرية الرسمية، فما كان من "الكاظمي" إلا أن كلف "جهاز مكافحة الإرهاب" بتعقب المعتدين بمداهمة المنطقة التي تقع تحت حماية ميليشيات الحشد وتمكنت من إلقاء القبض على أربعة عشر متهماً وتقديمهم للقضاء.
أثارت هذه الخطوة ردود أفعال متباينة، فقد عدّت الميليشيات هذا التصرف تحدياً للمليشيات بل وحتى للمرجعية الدينية وبأن هذا لن يزيدها إلا تعنتاً وتمسكاً بسلاحها، بل إن "قيس الخزعلي" زعيم ميليشيا "عصائب أهل الحق" قال في تسجيل مصور يعبر فيه عن غضبه واستنكاره لما قام به "الكاظمي" واصفاً الرجل وحكومته بأنها لا تستند على كتلة برلمانية، في إشارة إلا أن هذه الحكومة أضعف من أن تتجرأ على هذه الخطوة وبأن الأجدى له أن يعرف حجمه وحجم حكومته – أي الكاظمي –، ملمحاً إلى أن هذه الميليشيات لا توازي الدولة فحسب بل إنها أكبر من الحكومة ذاتها، أما على المستوى الشعبي فقد لاقى هذا الفعل تأييداً واسعاً ودعوات للاستمرار في سياسة تمكين هيبة الدولة وردع كل من يفكر بمساس العمل المؤسساتي ولا سيما العسكري أو أن يضرب أمن واستقرار العراق، فانطلقت على وسائل التواصل الاجتماعي الدعوات للتأييد الشعبي للكاظمي وجهاز مكافحة الإرهاب والمؤسسة العسكرية العراقية ومؤازرة الرجل في مسعاه، مما يعطي "الكاظمي" مرجعية شعبية قوية بالإضافة إلى استناده على المؤسسة العسكرية التي هو ابن أروقتها.
نعم إنها خطوة جريئة بل وتتسم بشجاعة قل نظيرها على المستوى السياسي العراقي كونها تحمل العديد من الرسائل للداخل والخارج، بدءاً من أن الفساد لا يقتلع إلا بقلع داعميه وبأنه لا يمكن محاربته ما لم تقلم أظافره، الأمر الذي عجزت عنه الحكومات السابقة التي كلما أرادت محاسبة أحد تنبري ميليشياته لتوفير الغطاء له، ورسالة أخرى مفادها بأن العراق دولة مؤسسات ولا قبل له بتجاوز أزماته إن لم تكن هذه المؤسسات تحت أمر السلطة السياسية المتمثلة برئيس الحكومة، أما الرسالة الأخيرة فهي للمجتمع الدولي والإقليمي بأن العراق جاد وقادر على أن يعيد للدولة ألقها بما يضمن لها هويتها ومشروعها الوطني بامتياز.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة