الحكومة الإسرائيلية الجديدة تعتزم ضم غور الأردن وشمال البحر الميت وجميع المستوطنات الإسرائيلية المقامة على أراضي الضفة الغربية
في ظل الانحياز الكامل لإسرائيل تستمر الغطرسة الصهيونية والتمرد العنصري على كل القرارات الدولية، ويثبت الغزاة الصهاينة للعالم أجمع أنهم ضد السلام، ولم يكتف قادة تل أبيب بأن يضعوا العراقيل أمام مسيرة السلام بل تنكروا لكل الاتفاقيات المعقودة جملةً وتفصيلاً، كما استمروا في سياسة القتل والقمع والإبادة والاستيطان وعلى مرأى من العالم ومسمعه دون وازع ضمير أو وجدان.
وحصل نتنياهو على اعتراف أمريكي بالسيادة الإسرائيلية على غور الأردن، وكان يصر كل الإصرار قبل الإعلان عن مشروع الصفقة أن الوقت قد حان لتمديد السيادة الإسرائيلية على غور الأردن الذي يشكل نحو 30 % من مساحة الضفة الغربية، أما في حال ضم المستوطنات والكتل الاستيطانية في الضفة بما فيها مناطق التوسع من حولها فإن النسبة تصل إلى أكثر من 40بالمئة.
وتنظر إسرائيل إلى هذه المساحة الواقعة بين نطاقين صحراويين على أنها حيوية لأمنها، ويمتد غور الأردن من جنوب بحيرة طبرية وصولاً إلى شمال البحر الميت، وهي تعد استراتيجية على صعيد الإنتاج الزراعي والمخزون المائي، وفي حال ضمته إسرائيل، يصير هذا السهل الحدود الشرقية لإسرائيل، بما يزيد من المناطق الحدودية مع دولة الأردن التي وقّعت معها تل أبيب اتفاقية سلام عام 1994، ويقع معظمها على طول الجانب الشرقي من الأراضي القريبة من الحدود الأردنية، أي المنطقة المصنفة –ج- في الضفة الغربية المحتلة التي تسيطر إسرائيل على 60 بالمئة منها فعلياً، ويؤثر تعهد نتنياهو إذا ما أصبح واقعاً على 65 ألفاً من الفلسطينيين القاطنين في غور الأردن.
الحكومة الإسرائيلية الجديدة تعتزم ضم غور الأردن وشمال البحر الميت وجميع المستوطنات الإسرائيلية المقامة على أراضي الضفة الغربية.
ويعيش في الغور 9000 مستوطن من أصل 400 ألف في مستوطنات الضفة الغربية التي بنيت على أراضي الفلسطينيين البالغ تعدادهم 2,7 مليون نسمة، وتعتبر المنطقة مهمة من الناحية الاستراتيجية والعسكرية، كما أن لغور الأردن أهمية كبيرة اكتسبها من الحدود الطبيعية، ما يسمح بتشكيل عمق استراتيجي، وهذا مهم لنشر القوات وإزالة التهديد من الشريط الساحلي.
وتزداد أهمية هذا العمق الاستراتيجي مع عصر الصواريخ الباليستية والصواريخ بعيدة المدى التي تهدد المراكز السكنية والمدنية، وتتخذ العديد من الشركات الإسرائيلية منها مقراً لها وخصوصاً الشركات الزراعية حيث تتركز صناعة إسرائيل فيها، وهذه المنطقة حيوية لا يمكن التخلي عنها أبداً، وعلى عمق الضفة الغربية تنهي فعلياً إمكانية حل الدولتين، بل تدمر كل فرص السلام وتجهض بالتالي الحلم الفلسطيني.
وفي خطة صفقة القرن وافقت الإدارة الأمريكية على ضم إسرائيل أجزاء تصل إلى أكثر من 30بالمئة من مساحة الضفة الغربية، مقابل القبول بدولة فلسطينية على باقي أجزاء الضفة الغربية، لكن الفلسطينيين رفضوا الخطة الأمريكية بسبب المساحة الكبيرة التي ستضمها إسرائيل، فضلاً عن ضم القدس الشرقية المحتلة وإسقاط حق العودة للاجئين.
ويرفض نتنياهو إقامة الدولة الفلسطينية ولن تتواصل العملية إلا إذا استوفى الفلسطينيون عشرة شروط تشمل سيادة إسرائيلية في المنطقة الواقعة غرب نهر الأردن والقدس موحدة، وعدم السماح بعودة أي لاجئ، وعدم اقتلاع المستوطنات وسيادة إسرائيلية في مناطق واسعة في الضفة الغربية، وهي الحاكم الأمني للمنطقة كلها، فضلاً عن أمور أخرى، وإذا وافقوا على كل ذلك، فسيكون لهم كيان خاص بهم وصفه الرئيس دونالد ترامب بـدولة.
لقد حذر سفراء تسع دول أوروبية والاتحاد الأوروبي، إسرائيل من أن ضم أي جزء من الضفة الغربية سيكون له نتائج وخيمة على أمن المنطقة، ورسالة التحذير تمت في لقاء عبر الفيديو بين سفراء الدول الأوروبية مع مسؤولة في وزارة الخارجية الإسرائيلية بعد التوصل إلى اتفاق بين نتنياهو وزعيم حزب أزرق أبيض بيني جانتس على الشروع بالضم في الأول من تموز الجاري.
الحكومة الإسرائيلية الجديدة تعتزم ضم غور الأردن وشمال البحر الميت وجميع المستوطنات الإسرائيلية المقامة على أراضي الضفة الغربية، ومساحة واسعة من الأراضي الفلسطينية، وقد تكتفي حكومة الاحتلال بالمرحلة الأولى بفرض الضم على الكتل الاستيطانية الكبيرة بالضفة الغربية.
الفلسطينيون أعلنوا مراراً رفضهم ضم إسرائيل ولو إنشا واحدا من الضفة الغربية، والرئيس الفلسطيني محمود عباس أوضح أن بلاده ستعتبر كل الاتفاقات والتفاهمات مع الحكومتين الإسرائيلية والأمريكية لاغية تماماً، إذا أقدم الاحتلال على ضم أجزاء من الضفة الغربية، وهو الموقف نفسه الذي عبرت عنه الدول العربية والاتحاد الأوروبي ودول أخرى غربية.
وهكذا تتضح مدى شراسة وخطورة الأطماع الصهيونية، وما تتعرض له الأمة العربية من استهداف لوجودها القومي وفرض التوسع والهيمنة على المنطقة، الأمر الذي يتطلب من العالم عدم السكوت إزاء تصاعد عمليات القتل والتدمير التي من شأنها أن تشعل نيران حروب مدمرة، وعدم السماح بالانفراد بالدول العربية تحت ذرائع واهية العالم هو أحوج ما يكون للسلام والتنمية، ولابد للعرب من إدراك خطورة الأوضاع المتفاقمة مما يستدعي ضرورة التضامن والتنسيق فيما بينهم، والتمسك بقرارات القمة العربية وتفعيلها ميدانياً لمواجهة التهديدات ومخططات الأعداء.
لكن التساؤل في غمرة ما ينتاب المنطقة والعالم هل يستمر نتنياهو في عناده؟ ويشرع في تنفيذ قراراته، التي تتنافى وقرارات الشرعية الدولية، ولو بضم الكتل الاستيطانية قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في تشرين الثاني المقبل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة