العراق "المحصن" عربيا يحاور إيران "الند بالند".. الكاظمي يزور طهران
يزور رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي طهران للمرة الثانية، لكن وقع خطواته على الأراضي الإيرانية سيكون مختلفا هذه المرة.
الزيارة المقررة الأحد المقبل هي الثانية من نوعها منذ تولي الكاظمي منصب رئيس الوزراء في العراق، والأولى منذ وصول الرئيس الإيراني المتشدد إبراهيم رئيسي إلى الحكم في إيران.
وكان مصدر حكومي مطلع كشف أمس أن الكاظمي سيتوجه على رأس وفد رفيع لزيارة طهران، الأحد المقبل، لمناقشة بعض الملفات المهمة بينها الطاقة والفصائل المسلحة.
في يوليو/تموز 2020، أجرى الكاظمي أولى جولاته الخارجية إلى طهران والرياض، بعد شهرين فقط من توليه المسؤولية، لكنه لم يستكمل زيارته إلى السعودية في حينه بسبب وعكة صحية تعرض لها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود.
واستهدفت زيارة الكاظمي الأولى لطهران العام الماضي الضغط على ساسة إيران لتقليل الدعم للمليشيات المسلحة في الداخل العراقي بعد تصعيد هجماتها ضد مصالح واشنطن، فضلا عن تصعيد عمليات الاغتيال التي تنفذها ضد قادة الحركة الاحتجاجية المنددة بالنفوذ الإيراني.
وعمدت طهران منذ سقوط نظام صدام حسين في أبريل/نيسان 2003، إلى نشر أذرعها في العراق وتعزيز نفوذها في مؤسسات صنع القرار السياسي والسيادي.
وعقب مطالبات مستمرة بكبح نفوذ طهران في العراق تفجرت حركة احتجاجية واسعة أواخر عام 2019، احتجاجاً على ضياع الدولة وسطوة المليشيات المسلحة المدعومة إيرانيا، على مؤسساتها.
وإثر الاحتجاجات التي تحولت إلى ثورة عارمة امتدت إلى معظم محافظات الجنوب والوسط العراقي، وأسفرت عن سقوط 600 قتيل وآلاف الجرحى، وصل الكاظمي إلى رئاسة الوزراء لقربه من الشارع الاحتجاجي ليحل محل عادل عبدالمهدي المقرب من إيران.
وخلال السنوات الماضية، ارتبط تأزم الأوضاع العامة في العراق بتدخل إيران في الشأن العراقي، وسياسة طهران الرامية لتفخيخ المشهد السياسي عبر بعض القوى والمليشيات المسلحة التابعة لها.
وبحسب مراقبين، كانت زيارة الكاظمي الأولى إلى طهران بمثابة إعلان رسمي من العراق عن وجود مؤسسة حكومية مستقلة لا تريد أن تكون جزءاً من الصراع الدائر في المنطقة.
ومنذ وصوله للسلطة في مايو/حزيران 2020، انتهج الكاظمي مبدأ التوازن في العلاقات الخارجية والنأي بعيداً عن معسكرات الخصومة الإقليمية والدولية.
وعلى الرغم من أن كبح التدخلات الإيرانية في عمق المؤسسات العراقية مهمة بالغة التعقيد، استطاعت حكومة الكاظمي خلال شهور معدودة بسط كلمة الدولة وتقليم أظافر المليشيات المسلحة.
وكان الكاظمي قال في أكثر من مناسبة إنه يقود مهمة انتحارية حين يعمل على تخليص البلاد من شباك التدخلات الأجنبية.
"حقيبة دسمة"
يتفق مراقبون على أن زيارة الكاظمي الثانية إلى العاصمة الإيرانية ستكون مختلفة عن الأولى، بحكم القبول الإقليمي والدولي الذي حققه خلال عام في سدة السلطة ببغداد.
وتأتي زيارة الكاظمي إلى طهران مع اقتراب العراق من إجراء الانتخابات التشريعية المبكرة المقررة بعد نحو شهر ، في خضم مخاوف كبيرة بصفوف القوى القريبة من إيران خشية فقدان ثقلها الانتخابي.
ويتزامن مع الزيارة أزمة في الطاقة الكهربائية في العراق، وتراجع مستويات الإنتاج جراء قطع إيران إمدادات الغاز التي تعتمدها محطات التوليد منذ بداية موسم الصيف الحالي.
الخبير في الشؤون الإقليمية ماهر جودة يرى أن الوزن العراقي الحكومي يختلف عما كان عليه سابقاً عند تسلم الكاظمي رئاسة الوزراء، وهذا ما سيعزز من قدرة الأخير في معادلة كفة الحوار بين طهران وبغداد.
وتوقع جودة خلال حديث لـ"العين الإخبارية" أن "يعرض رئيس الوزراء خلال زيارته لطهران، ملفات مهمة في مقدمتها الانتخابات العراقية وضرورة إبعاد المليشيات المسلحة المرتبطة بإيران عن صندوق الاقتراع".
وأضاف جودة أن "الكاظمي سيحاور ساسة طهران عبر أوراق ضغط تحصل عليها بحكم الاستراتيجية التي اعتمدها في إدارة الدولة والتي أكسبته قدرة وقبول كبيرين على المستويين الداخلي والخارجي".
من جانبه، كشف مسؤول دبلوماسي مطلع أن زيارة الكاظمي الثانية إلى طهران ستركز على موضوعات مختلفة بينها تثبيت حدود الصراع الدولي داخل العراق وتداعياته الإقليمية، ولكن وفق توازنات الحاضر.
وأضاف المسؤول الذي رفض الكشف عن هويته، أن "موضوع الانتخابات وملف الغاز الإيراني وحجم التبادلات التجارية بين البلدين سيكون في حقيبة الكاظمي الدبلوماسية التي يحملها معه إلى طهران".
عراق ما بعد قمة بغداد
وفيما تبدي أوساط عدة اعتراضها على أي تحرك باتجاه طهران خشية أن يطيل أمد بقائها في البلاد، يؤكد آخرون أن العراق وعقب قمة دول الجوار بات يتحدث مع إيران بموازين وثقل متقارب، إن لم تكن أكبر.
ويؤشر المحلل السياسي إحسان عبدالله على متغيرات كبيرة طرأت على المشهد العراقي بشكل تدريجي انتقلت بها البلاد من منطقة "الاشتعال إلى الاشتغال".
ويوضح عبدالله أن "حكومة الكاظمي استطاعت إنجاز عمل كبير بتغيير بوصلة البلاد السياسية وإعادة توجيهها نحو الأفق الوطني والفضاء الدولي بعيداً عن التمذهب والطائفية التي كانت تحدد مسارها من قبل".
ويستدرك بالقول: "التحركات نحو المحيط الإقليمي والدولي والنجاح في كسر الحواجز الوهمية بين العراق ودول الخليج تحديداً، أكسب البلاد موقعا وبعداً جديداً انعكس على تحقيق نجاحات ليست بالسهلة".
واستضاف العراق في ختام الشهر الماضي قمة إقليمية جمعت قادة ورؤساء دول الجوار والمنطقة في بغداد، وشهدت حضورا عربيا كبيرا تسيد طاولة الحوار المشترك.
عبدالله قال في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "قمة دول الجوار أعطت الغطاء الشرعي والجدار الحصين للعراق في التحرك نحو حلحلة قضاياه العالقة، من بينها التدخل الإيراني والتركي في شؤونه".
وتابع: "الكاظمي وخلال الزيارة الثانية لطهران لن يكون خجولاً في وضع اليد على الجرح ولفت انتباه إيران إلى أخطائها وتدخلاتها في العراق، بحكم التأييد العربي تحديداً والدولي على وجه العموم، الذي حصده جراء سياساته المعتدلة والواعية".
aXA6IDMuMTQ5LjI3LjMzIA== جزيرة ام اند امز