السديس.. الخطيب المفوه والقارئ الخاشع رئيساً لشؤون الحرمين
السديس تم تعيينه إماماً وخطيباً في المسجد الحرام حين كان عمره 22 عاما، رغم صغر سنه، ليصبح خلال سنوات من أشهر مرتلي القرآن
أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الإثنين، أمرا ملكيا، بتمديد خدمة الشيخ عبدالرحمن السديس، رئيسا عاما لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي.
وبهذا التمديد يتولى السديس مهمة الإشراف على شؤون الحرمين الشريفين أطهر بقاع الأرض وأقدس مقدساتها في مكة المكرمة والمدينة المنورة لمدة 4 أعوام أخرى، وهو المنصب الذي يحظى بشرف القيام بمهامه منذ 8 مايو/أيار 2012، عن جدارة واستحقاق.
حفظ السديس القرآن وهو ابن 12 عاماً، وتم تعيينه إماماً وخطيباً في المسجد الحرام حين كان عمره 22 عاما، رغم صغر سنه، ليصبح خلال سنوات من أشهر مرتلي القرآن في العالم، وأحد كبار أئمة الحرم المكي، ويحرص المسلمون من مختلف أنحاء العالم على الصلاة خلفه خصوصا في رمضان، للاستماع إلى صوته الشجي وهو يقرأ القرآن الذي يتميز بنبرة تطرب الأرواح وتتحف الآذان وتخشع معها الأفئدة.
وعُرف بغيرته الدائمة على كل ما يتعلق بالعقيدة الصحيحة، وبحرصه الدائم على الدعوة لها، وعلى النصح لله لتختاره جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم عام 2005 الشخصية الإسلامية العالمية، بعد أن استفاد المسلمون من علمه وتلاوته؛ سواء من خلال تلاوته في المسجد الحرام أو تسجيلاته التي انتشرت في جميع الدول الإسلامية والعربية، ومن خلال عمله أستاذا متخصصا في الفقه.
ويعد السديس علما من أعلام القرآن، ومن القراء المجودين والخطباء المفوهين الفصحاء البلغاء المؤثرين، ومن أشهر مرتلي القرآن الكريم في العالم.
وعرف بتواضعه، وزهده، وصفاء نفسه، وبصوته الجهوري القوي وتجويده الممتاز للقرآن الكريم، يقود لواء أئمة الحرم المكي الشريف منذ سنوات متوشحين الذكر الحكيم قولاً والعلم القويم فعلاً.
مولده ونشأته
ولد السديس في محافظة البكيرية بمنطقة القصيم عام 1382هـ، ويرجع نسبه إلى قبيلة عنزة المشهورة، ونشأ في الرياض والتحق بمدرسة المثنى بن حارثة الابتدائية.
استطاع حفظ القرآن في سن الثانية عشرة، حيث درسه في جماعة تحفيظ القرآن الكريم بالرياض ويرجع الفضل في ذلك لوالديه، وكان السديس يصغي لنصائح والديه وإحساسهما بنبوغه الباكر وشعورهما بحبه المبكر للقرآن، فقد ألحقه والده بجماعة تحفيظ القرآن الكريم بالرياض، بإشراف الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله آل فريان، ومتابعة الشيخ المقرئ محمد عبدالماجد ذاكر، حتى حفظ القرآن الكريم على يد عدد من المدرسين في الجماعة، كان آخرهِم الشيخ محمد علي حسان.
الأكاديمي الحصيف والخطيب المفوه
التحق بالمعهد العلمي وحصل عام 1399 هـ على الشهادة بتقدير ممتاز، وفي عام 1403 هـ حصل على البكالوريوس من كلية الشريعة بالرياض، ثم عين معيدا في كلية الشريعة بعد تخرجه فيها في قسم أصول الفقه واجتاز المرحلة التمهيدية "المنهجية" بتقدير ممتاز .
وعمل خلال تلك الفترة إماما وخطيباً بعدد من جوامع الرياض، وفي عام 1404هـ صدر توجيه بتعيين السديس إماماً وخطيباً في المسجد الحرام وهو في الـ22 من عمره وباشر عمله في شهر شعبان من العام نفسه في صلاة العصر، وكانت أول خطبة له في رمضان.
ونال السديس ذلك الشرف رغم صغر سنه وذلك لتوافر شروط الإمامة في المسجد الحرام فيه كالتقوى والورع وحفظ القرآن الكريم وحسن تجويده وعذوبة صوته، إضافة إلى علمه الكامل بكل ما يتعلق بالصلاة من واجبات وشروط وسنن ومكروهات، وتزكية العلماء له.
وفي عام 1408هـ، حصل على درجة الماجستير بتقدير ممتاز من كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (قسم أصول الفقه)، وانتقل للعمل بعد ذلك محاضرا في قسم القضاء بكلية الشريعة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة.
ثم حصل في عام 1416 هـ على درجة "الدكتوراه" من كلية الشريعة بجامعة أم القرى بتقدير "ممتاز"، مع التوصية بطبع الرسالة عن رسالته الموسومة "الواضح في أصول الفقه لأبي الوفاء بن عقيل الحنبلي: دراسة وتحقيق".
وفي العام نفسه، وإلى جانب عمله بالإمامة والخطابة بالتدريس في المسجد الحرام، صدر توجيه كريم بأن يقوم بالتدريس في المسجد الحرام، ووقت التدريس بعد صلاة المغرب في فنون العقيدة، والفقه، والتفسير، والحديث، مع المشاركة في الفتوى في مواسم الحج وغيره.
وحصل لاحقا على درجة الأستاذية في تخصص أصول الفقه من جامعة أم القرى، وأنشأ كرسي بحث باسمه لدراسات أصول الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. وأشرف على مجمع إمام الدعوة العلمي الدعوي التعاوني الخيري بمكة المكرمة، وصار مديرا لجامعة المعرفة العالمية (التعليم عن بُعد).
شخصية العام.. وجائزة دبي
وفي 2005، اختارت اللجنة المنظمة لجائزة دبي الدولية للقرآن الكريم الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس إمام الحرم المكي شخصية العام الإسلامية.
وكشفت اللجنة جانبا هاما لورع وتواضع الشيخ السديس، قائلة إنها عرضت الاختيار على الشيخ السديس فرفض وأبلغها أن هناك من هو أولى منه وهو تلميذ لهم، لكن تم إقناعه وإبلاغه بأن أهل العلم كثيرون وأنهم لا يفضلون أحدا على أحد، وأنها تقدر فيه احترامه وتقديره للعلماء ورجال الإسلام.
رئاسة شؤون الحرمين
وفي 8 مايو/أيار 2012، صدر أمر ملكي بتعيين السديس رئيسا لشؤون المسجد النبوي والمسجد الحرام بمرتبة وزير، ليتولى أحد أشرف وأهم الأعمال على وجه الأرض، وهي الإشراف على الإدارات المعنية بشؤون الحرمين الشريفين، وتم التجديد له في هذا المنصب مرتين؛ إحداهما في 2016، ثم في 10 فبراير/شباط 2020.
وعقب صدور قرار التمديد، الإثنين، رفع السديس، الشكر والتقدير لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وللأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي، بمناسبة صدور الأمر الملكي بتمديد خدمته رئيساً عاماً لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي بمرتبة وزير لمدة 4 أعوام.
وأثنى على الدعم من قبل القيادة السعودية للرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي.
هذ الاهتمام والدعم مكن الرئاسة من خدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما، خصوصا في ظل توفير جميع الخدمات والاحتياجات التي تعين الرئاسة ومنسوبيها على أداء مهامهم على أكمل وجه.
وخير شاهد على ما يقدم من جهود وعطاء هو ما يشهده الحرمان الشريفان خلال السنوات الماضية من عمليات توسعات تاريخية، وتشييد وتنظيم إداري وعلمي وتوجيهي وأمني، وإدارة حشود، وتوظيف التقنية خير توظيف.
اهتمامات علمية
وللشيخ السديس اهتمامات علمية عن طريق التدريس والتصنيف تشمل بعض الأبحاث والدراسات والتحقيقات والرسائل المتنوعة؛ منها "المسائل الأصولية المتعلقة بالأدلة الشرعية" التي خالف فيها ابن قدامة الغزالي، و"الواضح في أصول الفقه.. دراسة وتحقيق"، و"كوكبة الخطب المنيفة من جوار الكعبة الشريفة"، و"إتحاف المشتاق بلمحات من منهج وسيرة الشيخ عبدالرزاق"، و"أهم المقومات في صلاح المعلمين والمعلمات"، و"دور العلماء في تبليغ الأحكام الشرعية"، و"رسالة إلى المرأة المسلمة"، و"التعليق المأمول على ثلاثة الأصول"، و"الإيضاحات الجلية على القواعد الخمس الكلية".
وله عدد من الأبحاث والمشروعات العلمية فيما يتعلق بتخصصه في أصول الفقه؛ ومنها "الشيخ عبدالرزاق عفيفي ومنهجه الأصولي"، و"كلام رب العالمين بين علماء أصول الفقه وأصول الدين"، و"معجم المفردات الأصولية.. تعريف وتوثيق"، وهو نواة موسوعة أصولية متكاملة، و"الفرق الأصولية.. استقراء وتوضيح وتوثيق"، و"تهذيب بعض موضوعات الأصول على منهج السلف رحمهم الله"، و"العناية بإبراز أصول الحنابلة رحمهم الله"، وخدمة تحقيق بعض كتب التراث في ذلك.
كما قام بكثير من الرحلات الدعوية في داخل المملكة وخارجها، شملت كثيراً من الدول العربية والأجنبية، وشارك في عدد من الملتقيات والمؤتمرات وافتتاح عدد من المساجد والمراكز الإسلامية في بقاع العالم، حسب توجيهات كريمة في ذلك. له عضوية في عدد من الهيئات والمؤسسات العلمية والدعوية والخيرية. كما أن له مشاركات في بعض وسائل الإعلام، من خلال مقالات وأحاديث متنوعة.