الرقة.. 3 سنوات من الاحتلال "الداعشي"
"بوابة العين" الإخبارية ترصد 3 سنوات من سيطرة داعش الإرهابي على مدينة الرقة بعد إعلان "قسد" تحريرها من التنظيم
بعد أكثر من 3 سنوات من إحكام قبضته على مدينة الرقة السورية، نجحت قوات سوريا الديمقراطية "قسد" من استعادة المدينة من تنظيم داعش الإرهابي.
وأعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان، اليوم الثلاثاء، أن قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة أمريكيا، تمكنت من تطهير المدينة بالكامل من داعش.
وقال مقاتلون من سوريا الديمقراطية، إنه تم رفع الراية في وسط استاد الرقة، آخر مواقع سيطرة التنظيم في المدينة. وذلك بعد سيطرتها على المستشفى الوطني في وسط الرقة وعلى دوار النعيم.
ودوار النعيم، الذي يطلق عليه المحليون اسم "دوار الجحيم" يقع إلى الشرق من الملعب البلدي في الرقة، وكان يستخدمه التنظيم مسرحا لعمليات الإعدام والصلب وتنفيذ العقوبات أثناء سيطرته على المدينة.
المرحلة الأخيرة
سوريا الديمقراطية قالت في وقت سابق أن عدد مقاتلي التنظيم المتبقين يتواجدون في مساحة لا تتخطى الـ 10% من المدينة بنحو 300 عنصر، وكانوا يتواجدون بشكل رئيسي في المستشفى الوطني والملعب البلدي في وسط المدينة، في إشارة إلى اقتراب المرحلة الأخيرة من تحرير المدينة.
المرحلة الأخيرة تلك أتت بعد خروج أكثر من 3 آلاف مدني وعناصر من داعش من المدينة بموجب اتفاق توسط فيه شيوخ عشائر.
كما خرج عدد كبير من مقاتلي التنظيم من الأجانب، وأعلن التحالف الدولي لمحاربة داعش بقيادة واشنطن، في 14 من الشهر الجاري أن نحو 100 مقاتل من التنظيم استسلموا في الرقة خلال الـ 24 ساعة الماضية، وتم إخراجهم من المدينة.
وعن مقاتلي التنظيم من السوريين، أوضح المرصد السوري لحقوق الإنسان أنه تم إخراجهم من المدينة. وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة "فرانس برس": "خرج كافة المقاتلين السوريين في تنظيم داعش من مدينة الرقة خلال الأيام الخمسة الماضية"، مشيرا إلى أن عددهم نحو مئتين، وأنهم "خرجوا مع عائلاهم" إلى جهات غير محددة.
المدينة تواجد بها التنظيم الإرهابي منذ 2013 إلى جانب "جبهة النصرة" و"الجيش لسوري الحر" اللذين تمكنا من السيطرة على الرقة في مارس/آذار 2013؛ حيث استطاعا انتزاعها من النظام السوري.
السيطرة الثلاثية على المدينة لم تعمر طويلا، واستطاع داعش إحكام قبضته علي كامل المدينة في يناير/كانون الثاني 2014 بعد ضعف الجيش السوري الحر وفك الارتباط مع "النصرة".
نمط داعشي في الرقة
بسيطرة داعش على المدينة، أُرغمت الرقة على التحول للنمط الداعشي، وأرغم السكان على التحول لهذا النمط في اللبس والمعاملات والسلوكيات، وكان الإعدام والقتل والتعذيب هو مصير كل من يعارض أو ينهج سلوك مختلف، وفقا لروايات سكان من الرقة نقلتها وسائل إعلام متعددة.
فبدء من الصحفيين والناشطين إلى المدنيين إلى الأطفال، لم يعطِ التنظيم أي فرصة لمعارضة قرارته وأوامره.
ومنذ بدء الاحتجاجات على النظام السوري في عام 2011، اعتاد المواطنون الصحفيون على استخدام هواتفهم النقالة ووسائل التواصل الاجتماعي لتوثيق التظاهرات وقمع القوات الأمنية والعسكرية لها.
واستخدم هؤلاء الطرق ذاتها لتوثيق وحشية التنظيم بعد سيطرته على الرقة، فباتوا يصورون سرا عمليات الذبح ودوريات التنظيم ويحمّلون الصور ومقاطع الفيديو لاحقا لنشرها عبر برامج مشفرة.
ومن ثم تحول ناشطو الرقة بمثابة مراسلي حرب يغطون المعارك ويرصدون انتهاكات التنظيم وغارات التحالف الدولي التي كانت تخطئ هدفها، ودشنوا حملات لرصد ما تتعرض له المدينة من أخطار، من أبرزها حملة "الرقة تذبح بصمت" و"صوت وصورة".
التنظيم بدوره بات يضيق الخناق على الناشطين والصحفيين السوريين في المناطق الخاضعة لسيطرته ومنها الرقة؛ حيث أغلق مقاهي الإنترنت وعاقب الناشطين بالإعدام والتمثيل بأجسادهم باعتبارهم "مرتدين".
إزاء ذلك، فر الناشطون من سوريا إلى مناطق أكثر أمنا، لكن يد التنظيم لم تتركهم. وتبنى داعش في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 عملية اغتيال ناشطين سوريين، أحدهما عضو في حملة"الرقة تذبح بصمت" في مدينة أورفا التركية.
ونشر التنظيم مقطع فيديو يوثق ذلك وجاء بعنوان "نحر المرتدين" يوضح فيه تفاصيل استهداف فارس الحمادي، وإبراهيم عبد القادر – وهما ناشطان مؤثران في نشر أخبار وتوثيق الانتهاكات التي كانت تقع في مدينتهم الرقة شمال شرقي، موضحا أنه "تمت تصفيتهم بفصل أعناقهم عن أجسادهم نحراً بالسكين".
وكشف تقرير صادر عن فريق "صوت وصورة" بالتعاون مع حملة "الرقة تذبح بصمت" وفريق "اغتيال إدلب"، في 15 مايو/أيار 2015، أن قرابة (5445) قتيلاً من المدنيين والعسكريين، سقطوا على يد داعش وجبهة النصرة، منذ ظهورهما في سوريا.
التقرير تألف من إحصائية توضح عدد القتلى على يد الفصيلين، فانتهاكات داعش بحق المدنيين والعسكريين بلغت ما نسبته (85 %) من مجموع عدد القتلى، موزعة على 12 محافظة من أصل 14، وهي نسبة محسوبة من عدد إجماله (5068) قتيلاً.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن المعارك التي خاضتها قسد وداعش في الرقة تسببت بمقتل نحو 3250 شخصا بينهم 1130 مدنيا خلال أكثر من 4 أشهر.
الأطفال بدورهم لم ينج من الأعمال الوحشية للتنظيم. ودعت، في هذا الصدد، منظمة "سيف ذي تشيلدرن"، المعنية بحماية الأطفال، إلى توفير دعم نفسي لأطفال الرقة، لمساعدتهم على التعامل مع صدمة ناتجة عما شهدوه من عنف وقسوة في المدينة، معقل داعش في سوريا.
ووفقا لوكالة "فرانس برس"، قال ألون ماكدونالد من "سيف ذي تشيلدرن": "تحدثنا مع أطفال رووا قصصا مروعة للحياة تحت حكم تنظيم داعش وكيفية استخدامهم كدروع بشرية.
ومن تلك القصص، حديث رشيدة (13 عاما)، التي فرت قبل أشهر مع عائلتها من الرقة ولجأت إلى مخيم للنازحين شمال المدينة.
ونقلت المنظمة عن رشيدة قولها: "في أحد المرات، قطعوا المتشددون رؤوس أشخاص ورموا الأجساد من دون الرؤوس على الأرض. لم أستطع أن أتحمل المشهد".
وأضافت الفتاة "أردت أن أنام ولم أستطع لأني تذكرت ما رأيته.. كنت أبقى سهرانة من الخوف".
ساعة الصفر في الرقة
إزاء الأعمال الوحشية لداعش وامام الرغبة الدولية المتزايدة في القضاء على التنظيم الإرهابي، برزت جهود مكافحة التنظيم سواء في عاصمته المزعومة بالعراق "الموصل" أو بسوريا "الرقة".
وحاولت الفصائل السورية في الرقة التخلص منه؛ فمع إدراك الجيش السوري للخطر الداعشي، دخل الطرفان في مواجهات بدأت في 1 أغسطس/آب 2013. لكن "السوري الحر" خسر المعركة بعد 13 يوما من القتال، وعاد ليحاول مجددا في 4 كانون الثاني/يناير 2014، لكن هذه المرّة سيطر داعش على المدينة بأكملها.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2016، بدأت قوات سورية الديمقراطية عملية عسكرية واسعة النطاق سمتها "غضب الفرات" لتحرير مدينة الرقة.
وشارك في العملية نحو 30 ألف مقاتل ينتمون إلى فصائل عربية وكردية منضوية تحت راية قوات سورية الديمقراطية، حسبما أعلنت القيادية والمتحدثة باسم العملية جيهان شيخ أحمد.
وفي 27 مارس 2017، أعلن مقاتلو "قسد" سيطرتهم على مطار الطبقة العسكري في الرقة بالكامل بدعم أمريكي، وهو ما لقي ترحيبا من أمريكا لأهمية ذلك المطار استراتيجيا.
كما سيطرت "سوريا الديمقراطية” على سد البعث شمال غرب الرقة، في 26 مايو/آيار الماضي. و"البعث" يعتبر ثالث أكبر سد في سوريا، ويبعد عن سد الفرات مسافة 27 كيلومترا بين مدينتي الطبقة والرقة.
بدورها، دخلت واشنطن على الخط، بإعلانها، في مايو/آيار الماضي، عن تزويد قوات سوريا الديمقراطية بالأسلحة من بينها الأسلحة الثقيلة.
وبعد ذلك بشهر (أي في يونيو/حزيران)، بدأت قوات سورية الديمقراطية، المؤلفة من فصائل كردية وعربية، معاركها داخل مدينة الرقة بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن.
وفي 18 يونيو/حزيران، سيطرت مليشيات "قسد" على حي البياطرة وسط مدينة الرقة، بعد اشتباكات مع عناصر داعش، ويعد البياطرة هو أول الأحياء التي تسيطر عليها المليشيات في مركز مدينة الرقة.
وفي بداية سبتمبر/ أيلول الماضي، سيطرت "قسد" على نحو 65% من مدينة الرقة وذلك بعد 3 أشهر من بدء المعارك.