"قصر الصفا".. حاضن "قمم مكة" ومظلة سلام بجوار المسجد الحرام
يحتضن القمة الإسلامية الـ14 مساء اليوم الجمعة بعد استضافته قمتين خليجية وعربية طارئتين.
يحتضن قصر الصفا بمكة المكرمة، مساء اليوم الجمعة، القمة الإسلامية الـ14، بعد أن استضاف أمس قمتين خليجية وعربية طارئتين، لتضاف إلى قائمة طويلة من القمم والمباحثات والمصالحات والمبادرات التي شهدها القصر منذ إنشائه قبل نحو 4 عقود.
ويعد قصر الصفا من أشهر القصور الرسمية على المستويين العربي والإسلامي والعالمي لمجاورته أقدس وأطهر بقاع الأرض "المسجد الحرام والكعبة المشرفة".
الموقع الاستراتيجي لقصر الصفا، المطل على الحرم المكي، والمبني فوق جبل أبي قبيس المعروف تاريخياً باحتضانه للحجر الأسود عند وقوع الطوفان في عهد النبي نوح عليه السلام، وما شهده من قمم ومباحثات أسفرت عن قرارات محورية وتاريخية صبت في خدمة قضايا الأمة والمنطقة والعالم، جعل للقصر مكانة خاصة.
كما أضحى قصر الصفا سجلا تاريخيا يوثق جهود الدبلوماسية السعودية في معالجة قضايا الأمتين العربية والإسلامية، ودرء المخاطر التي تواجهها.
رسالة حازمة لإيران
من داخل أروقة قصر الصفا، وجه قادة الخليج والدول العربية رسالة حازمة إلى إيران، ليكون شاهدا على وحدة صف الأمة في مواجهة الأخطار التي تواجهها.
واحتضن القصر مساء الخميس القمتين الخليجية والعربية الطارئتين لبحث التداعيات الخطيرة للهجوم الذي قامت به المليشيات الحوثية الإرهابية المدعومة من إيران على محطتي ضخ نفط بالمملكة العربية السعودية 14 من الشهر الجاري، وما قامت به من اعتداء على سفن تجارية بالقرب من المياه الإقليمية لدولة الإمارات العربية المتحدة قبلها بيومين.
وأدان البيان الختامي للقمة الخليجية الطارئة "الهجمات التي قامت بها المليشيات الحوثية الإرهابية باستخدام طائرات مسيرة مفخخة استهدفت محطتي ضخ نفط في محافظتي الدوادمي وعفيف بمنطقة الرياض بالمملكة العربية السعودية"، مشددا على أن هذه الأعمال الإرهابية تنطوي على تهديد خطير لأمن المنطقة والاقتصاد العالمي الذي يتأثر باستقرار إمدادات الطاقة.
وأكد "تضامن دول المجلس مع المملكة العربية السعودية في مواجهة التهديدات الإرهابية التي تهدف إلى إثارة الاضطرابات في المنطقة، وتأييد المجلس الأعلى ودعمه لكل الإجراءات والتدابير التي تتخذها لحماية أمنها واستقرارها وسلامة أراضيها".
كما أدان البيان الختامي "تعرض أربع سفن تجارية مدنية لعمليات تخريبية في المياه الإقليمية للإمارات العربية المتحدة التي طالت ناقلة نفط إماراتية وناقلتي نفط سعوديتين وأخرى نرويجية، معتبراً ذلك تطوراً خطيراً يهدد أمن وسلامة الملاحة البحرية في هذه المنطقة الحيوية من العالم، وينعكس سلباً على السلم والأمن الإقليمي والدولي وعلى استقرار أسواق البترول".
وأكد قادة الخليج "تضامنهم مع دولة الإمارات العربية المتحدة وتأييدهم ودعمهم لكل الإجراءات والتدابير التي تتخذها لحماية أمنها واستقرارها وسلامة أراضيها".
ودعوا المجتمع الدولي والهيئات الدولية المعنية بالملاحة البحرية إلى ضرورة تحمل مسؤولياتها لمنع مثل هذه الأعمال التخريبية.
بدورهم أدان القادة العرب المشاركون في القمة العربية الطارئة الأعمال التي قامت بها مليشيا الحوثي المدعومة من إيران.
وأكدوا "تضامن وتكاتف الدول العربية بعضها في وجه التدخلات الإيرانية في شؤونها الداخلية سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر بهدف زعزعة أمنها واستقرارها وتكثيف سبل التعاون والتنسيق بينها في مواجهة المخاطر التي تنتج من ذلك".
وشدد البيان الختامي الصادر عن القمة على أن سلوك إيران في المنطقة يهدد الأمن والاستقرار في الإقليم بشكل مباشر.
وأضاف البيان أن الدول العربية تسعى لاستعادة الأمن والاستقرار في المنطقة، والسبيل لذلك يتمثل في احترام كل الدول مبادئ حسن الجوار.
وأكد القادة العرب "حق السعودية في الدفاع عن أراضيها، وإدانة استمرار إطلاق الصواريخ الباليستية من قبل مليشيا الحوثي المدعومة من إيران على أراضيها".
كما أدان البيان استمرار الاحتلال الإيراني جزر الإمارات وتدخلها السافر في شؤون سوريا.
قمة ثالثة في يومين
يستضيف قصر الصفاء، مساء اليوم، الدورة الرابعة عشرة لمؤتمر القمة الإسلامية، برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وبمشاركة عدد كبير من قادة الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي من أجل بلورة موقف موحد تجاه القضايا والأحداث الجارية في العالم الإسلامي.
ومن المنتظر أن يصدر عن القمة الإسلامية "إعلان مكة"، بالإضافة إلى البيان الختامي الذي سوف يتطرق إلى العديد من القضايا الراهنة في العالم الإسلامي.
وسيبحث القادة موقف الدول الأعضاء في المنظمة من آخر المستجدات الجارية في القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى إعلان موقف موحد إزاء التطورات الأخيرة بعدد من الدول الأعضاء، فضلا عن اتخاذ مواقف واضحة من الأحداث الأخيرة الخاصة بالأقليات المسلمة وما يتعلق منها بتنامي خطاب الكراهية ضد الجاليات المسلمة، وما يعرف بظاهرة الإسلاموفوبيا، وضرورة التصدي للإرهاب والتطرف العنيف، وغيرها من القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي تُعنى بها المنظمة.
كما تبحث القمة التطورات الأخيرة المتعلقة بإطلاق صواريخ من قبل مليشيا الحوثي المدعومة من إيران تجاه أراضي المملكة العربية السعودية وما يكتنفه ذلك من عدوان سافر على أراضي المملكة.
مكانة جغرافية وتاريخية
الرسالة التي وجهها قادة العالم العربي والإسلامي من داخل أروقة القصر بشأن وحدة صفوفهم في مواجهة التحديات لم تكن الأولى في تاريخ القصر، فهو شاهد على العديد من الأحداث التاريخية منذ إنشائه.
ويعد قصر الصفا من القصور الملكية الحديثة، وأمر ببنائه الملك خالد بن عبدالعزيز في عام 1980، ويقع على مساحة 240 ألف متر مربع، وأضيفت له بعض المباني في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز.
ويتربع القصر على جبل أبي قبيس (في الجهة الشرقية للمسجد الحرام) الذي عج بالكثير من الأحداث التاريخية في مراحل الأمة الإسلامية والعربية منذ أمد بعيد وقريب، فالجبل معروف تاريخيا باحتضانه للحجر الأسود عند حادثة الطوفان في عهد النبي نوح عليه السلام.
كما كان يضم دار الأرقم ابن أبي الأرقم، التي أقام فيها الرسول وأصحابه صلاتهم سرا خوفا من أذى قريش، وشهدت منطقة أجياد التاريخية التي تطل بجانب جبل أبي قبيس معتركا للمعاهدات التاريخية والاستراتيجية.
العشر الأواخر
ومنذ إنشاء القصر، ظل ملوك السعودية يحرصون على قضاء العشر الأواخر من شهر رمضان المعظم فيه، ليشاهدوا بأنفسهم حركة طواف المعتمرين، ويتابعون عبر تقارير ميدانية ترفع لهم على مدار الساعة مستوى الخدمات، التي تقدم لقاصدي بيت الله الحرام، كما ظلت تعقد جلسات مجلس الوزراء وإدارة شؤون الدولة داخله، أثناء تواجد الملك بمكة المكرمة.
وشهد قصر الصفا الكثير من المؤتمرات وعمليات الإصلاح بين الفرقاء في مختلف الدول الإسلامية، وخصوصا في العشر الأواخر من رمضان.
واعتاد ملوك السعودية أن يقضوا العشر الأواخر من رمضان في قصر الصفا قرب بيت الله الحرام، حتى أضحت استقبالاتهم للقادة والزعماء خلال تلك الفترة تُسمى "دبلوماسية العشر الأواخر".
ولعل أبرز نتائج دبلوماسية العشر الأواخر، هو إعلان "ميثاق مكة المكرمة لتعزيز التضامن الإسلامي" الذي صدر في ختام "قمة التضامن الإسلامي" الاستثنائية التي عقدت في مكة المكرمة يومي 14 و15 أغسطس 2012 (26 - 27 رمضان) بمشاركة ملوك ورؤساء 57 دولة إسلامية أعضاء منظمة التعاون الإسلامي.
ومن أبرز نتائج "دبلوماسية العشر الأواخر"، توقيع معاهدة الصلح بين أطراف القيادات الدينية العراقية (سنة وشيعة) في أكتوبر 2006 خلال لقاء تركز على محاولة جمع شتات القيادات لتوحيد الصف ونبذ الخلافات الطائفية والسياسية.
ووقع علماء عراقيون من السنة والشيعة على وثيقة مكة التي تؤكد حرمة إراقة الدم العراقي، وتضمنت 10 نقاط رئيسية من بينها تحريم تكفير المسلمين، والابتعاد عن استهداف المساجد، والعمل على تعزيز المصالحة الوطنية في العراق.
تسلم وثيقة مكة
كما شهد قصر الصفا العديد من الفعاليات الإسلامية الهامة في العصر الحديث، فقد تسلم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود في قصر الصفاء مساء الأربعاء الماضي "وثيقة مكة المكرمة"، الصادرة عن المؤتمر الدولي حول قيم الوسطية والاعتدال الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي.
وهي الوثيقة التي أقرتها 1200 شخصية إسلامية من 139 دولة، وتعد دستورا تاريخيا يرسي قيم التعايش بين أتباع الأديان والثقافات والأعراق والمذاهب في البلدان الإسلامية من جهة، وتحقيق السلم والوئام بين مكونات المجتمع الإنساني كافة من جهة ثانية.
وتأتي الوثيقة استلهاما للمبادئ النبوية والبنود الإيمانية الداعية إلى المساواة والعدل وحرية العقيدة التي تضمنتها "صحيفة المدينة المنورة" التي أصدرها النبي صلى الله عليه وسلم قبل 14 قرناً.
وفي ديسمبر 2005م شهد القصر القمة الإسلامية الاستثنائية، التي دعا إليها العاهل السعودي لمناقشة عدد من القضايا المهمة، والتي شارك بها عدد كبير من ملوك ورؤساء وأمراء الدول الإسلامية.
كما سبق أن احتضن القصر في يونيو 2008 فعاليات "المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار".
على صعيد التضامن العربي أيضا، شهد القصر في يونيو 2018م، اجتماعاً رباعياً، ضم قادة الإمارات والسعودية والكويت والأردن لمناقشة سبل دعم الأردن في محنته الاقتصادية التي يمر بها، وتم الاتفاق على تقديم الدول الثلاث حزمة من المساعدات الاقتصادية يصل إجمالي مبالغها إلى 2.5 مليار دولار.
القيادة والشعب
على الصعيد المحلي، يعد قصر الصفا شاهداً على الأحداث التاريخية الفاصلة في عهد المملكة، حيث يوثق العلاقة الوطيدة التي يكنها الشعب لقيادته، والحب المتبادل بين الطرفين.
فقصر الصفا يعد ملتقى القيادة أثناء تواجدها في مكة المكرمة بأعضاء الحكومة من الأمراء والمسؤولين وأفراد الشعب.
وفي هذا القصر، بايعت السعودية رسمياً يوم 21 يونيو 2017م الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولياً للعهد، وذلك بحضور المئات من الأمراء والعلماء ورجال الدين والمسؤولين وجموع غفيرة من المواطنين.