أخيرا.. لا بد من الإشادة والثناء لكل من عمل على إعداد وإطلاق "وثيقة مكة المكرمة"
توجهت أنظار العالم الإسلامي إلى الرحاب الطاهرة في مكة المكرمة، مترقبة صدور "وثيقة مكة المكرمة" نتيجة المؤتمر الدولي الذي حمل عنوان "قيم الوسطية والاعتدال في نصوص الكتاب والسُنة". أقيم هذا المؤتمر تحت رعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود عاهل المملكة العربية السعودية الشقيقة، بتنظيم من رابطة العالم الإسلامي، وبمشاركة نحو 1200 من المفتين وعلماء الدين وكبار المسؤولين في العالم الإسلامي، والذين بحثوا في خمس جلسات علمية في الوسطية والاعتدال للدين الإسلامي الحنيف، مستنيرين بـ"وثيقة المدينة المنورة" التي عقدها النبي صلى الله عليه وسلم قبل نحو 14 قرناً من الزمن، وأرست حينها التعايش السلمي والحضاري بين المسلمين وغير المسلمين في الدولة الإسلامية التي أسسها صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة بعد هجرته المباركة من مكة المكرمة.
أخيراً.. لا بد من الإشادة والثناء لكل من عمل على إعداد وإطلاق "وثيقة مكة المكرمة"، والآن يأتي دور كل فرد في المجتمع الخليجي والعربي للتعمق في المضامين المهمة لهذه الوثيقة التاريخية والحضارية والإنسانية، والسعي بكل جهده وحسب مجال عمله لتطبيق ما يستطيع من مضامينها
وكل شخص منا يقرأ بعمق "وثيقة مكة المكرمة" سيدرك بالتأكيد الأهمية الدينية والحضارية والإنسانية لمضامين هذه الوثيقة؛ إذ تمثل "وثيقة مكة المكرمة" خطة عمل استراتيجية تسهم في تعزيز الوسطية والاعتدال لدى المسلمين دولاً وشعوباً وأفراداً، فقد شددت على تحصين الأمة الإسلامية بالوسطية والاعتدال، وحذرت من الانجرار السلبي إلى تصعيد نظريات المؤامرة والصدام الديني والثقافي، وزرع الإحباط في الأمة الإسلامية، وسوء الظن بالآخرين من أتباع الأديان والطوائف والثقافات والأعراق الأخرى.
ولأن جيل الشباب هو الحاضر الواعد والمستقبل المشرق للأمة الإسلامية دعت الوثيقة إلى حمايتهم من أفكار الصدام الحضاري والتعبئة السلبية ضد المخالف، والتطرف الفكري بتشدده أو عنفه أو إرهابه، وتسليح هذا الجيل بقيم التسامح والتعايش بسلام ووئام ليتفهم وجود الآخر ويحفظ كرامته وحقوقه.
كما تلعب "وثيقة مكة المكرمة" دوراً كبيراً في تعزيز التعايش السلمي بين أتباع الأديان والطوائف والثقافات والأعراق في الدول الإسلامية والعالم أجمع، فقد أكدت أن التنوع الديني والثقافي في المجتمعات الإنسانية لا يُبرر الصراع والصدام، بل يستدعي إقامة شراكة حضارية إيجابية، وتواصلاً فاعلاً يجعل من التنوع جسراً للحوار والتفاهم والتعاون لمصلحة الجميع، ويحفز على التنافس في خدمة الإنسان وإسعاده، والبحث عن المشتركات الجامعة، واستثمارها في بناء دولة المواطنة الشاملة المبنية على القيم والعدل والحريات المشروعة وتبادل الاحترام ومحبة الخير للجميع.
وكذلك تخوض "وثيقة مكة المكرمة" معركة الانتصار على التطرف والإرهاب الذي تقوم به بعض الفئات الضالة التي تدعي حمل اسم الإسلام، والإسلام براء مما تقترفه من تفريق بن أبناء مجتمع الواحد، وتدمير مقدرات الدول والأمة، وأعمال إرهابية بحق المسلمين قبل غيرهم من أتباع الأديان والطوائف الأخرى، فقد طالبت الوثيقة بسن التشريعات الرادعة لمروجي الكراهية، والمحرضين على العنف والإرهاب والصدام الحضاري بهدف تجفيف مسببات الصراع الديني والإثني، ودعت إلى مكافحة الإرهاب والظلم والقهر، ورفض استغلال مقدرات الشعوب وانتهاك حقوق الإنسان.
وتناولت "وثيقة مكة المكرمة" ظاهرة "الإسلاموفوبيا" في العالم، والتي أدت إلى اعتداءات عنصرية وإرهابية على عدد من المسلمين الذين يعشون في دول غير إسلامية، وأوضحت الوثيقة أن ظاهرة "الإسلاموفوبيا" هي وليدة انعدام المعرفة بحقيقة الدين الإسلامي الحنيف وإبداعه الحضاري وغاياته السامية، وأن التعرف الحقيقي على الإسلام يستدعي الرؤية الموضوعية التي تتخلص من الأفكار المسبقة لتفهمه بتدبر أصوله ومبادئه.
وأخيراً.. لا بد من الإشادة والثناء لكل من عمل على إعداد وإطلاق "وثيقة مكة المكرمة"، والآن يأتي دور كل فرد في المجتمع الخليجي والعربي للتعمق في المضامين المهمة لهذه الوثيقة التاريخية والحضارية والإنسانية، والسعي بكل جهده وحسب مجال عمله، لتطبيق ما يستطيع من مضامينها لخيره وخير المسلمين والإنسانية جمعاء.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة