السوداني يطرح رؤيته لإصلاحات سياسية وأمنية بالعراق وحصر السلاح بيد الدولة

أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني التزام حكومته ببناء دولة قوية قائمة على مبدأ المواطنة، وإعادة ثقة الشعب العراقي بالنظام السياسي، بعد عقود من المعاناة جراء الحروب والحصار والإرهاب.
جاء ذلك خلال في جلسة حوارية أدارتها رئيس تحرير صحيفة "ذا ناشونال"، مينا العريبي، نُظّمت على هامش أعمال منتدى السليمانية بالعراق، والذي يُعقد بنسخته التاسعة في 16-17 أبريل/نيسان الجاري، ويجمع أكثر من 700 شخصية قيادية محلية ودولية مؤثرة لمناقشة التحديات الملحة في العراق والمنطقة والعالم.
استهل السوداني حديثه بالعودة إلى السياق العام الذي ورثته حكومته، مؤطرا واقع العراق الحديث بأربعة عقود من الحروب، والحصار، والإرهاب، وما رافقها من أخطاء سياسية أفضت إلى أزمة ثقة عميقة بين الشعب والنظام السياسي.
وأكد أن المهمة الأهم اليوم ليست فقط إدارة الدولة، بل كسب ثقة العراقيين من جديد عبر بناء دولة مؤسسات تحترم الدستور وتضع مصلحة المواطن فوق كل اعتبار. وبهذا المعنى، فإن "الدولة القوية" التي ينشدها ليست مجرد سلطة مركزية، بل كيان سياسي أخلاقي قادر على خدمة الناس وحمايتهم وتحقيق تطلعاتهم.
وقال في هذا السياق: "الدولة القوية هي دولة المؤسسات التي تحترم الدستور وتضع مصلحة العراق والعراقيين فوق كل اعتبار".
وأضاف أن التحدي الأكبر اليوم يكمن في إعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة عبر مشاريع إصلاحية واقعية ترتكز على احترام الحقوق وتعزيز مفهوم المواطنة.
انتخابات مفصلية
وحول سؤاله بشأن الانتخابات القادمة، أكد السوداني أن موعدها قد تم تحديده، وأن الحكومة ملتزمة بتهيئة كل الظروف لنجاح هذا الاستحقاق الدستوري.
لكنه شدد على أن التحدي الأكبر لا يكمن في تنظيم الانتخابات فحسب، بل في تحويلها إلى فرصة لإعادة الأمل، وتجاوز الإحباط الشعبي، وإقصاء المشاريع الفاشلة والفاسدة من المشهد السياسي.
وقال السوداني: "الانتخابات المقبلة ليست استحقاقا إجرائيا فقط، بل فرصة لدعم مشروع إصلاحي نهضوي يخدم العراق والعراقيين".
وأضاف أن حكومته، المدعومة من ائتلاف "إدارة الدولة" والإطار التنسيقي، قد أعدت عدتها لخوض الانتخابات برؤية سياسية تكمل ما بدأته من خطوات إصلاحية ملموسة، على قاعدة الإنجاز الحقيقي لا الشعارات الفارغة.
ورغم أن رئيس الوزراء لم يفصح عن ملامح التحالفات التي سيخوض بها الانتخابات، غير أنه أشار إلى أنها ستعلن قريبا بعد نضوجها، مؤكدا أن القوى الوطنية التي دعمت الحكومة الحالية ستظل ركيزة في المرحلة المقبلة.
بغداد وأربيل
وفي ملف العلاقة مع إقليم كردستان، أعلن السوداني عن "نقلة نوعية" في منهج الحوار بين بغداد وأربيل، وذلك لأول مرة، بحسب وصفه، حيث انتقلت الحوارات بين الجانبين من خلافات سياسية متشنجة إلى نقاشات فنية وقانونية تبحث في تفسير الدستور وتقاسم الصلاحيات بروح تعاون ومسؤولية.
وأكد السوداني أن "قيادة الإقليم، بجميع أطيافها، شركاء حقيقيون في مشروع بناء الدولة، مشيرا إلى أن هذا التفاهم ساعد في تجاوز العديد من التحديات، ويمهد الطريق أمام المزيد من الاستقرار السياسي والإداري.
قانون النفط والغاز
وحول مشروع قانون النفط والغاز، أوضح رئيس الوزراء أن الحكومة شرعت في مناقشته على المستويين الفني والسياسي، مشيرا إلى أن "الظروف التي مر بها البرلمان وتغير أولوياته" حالت دون إتمام التشريع، رغم أن المسودة معدّة وتم تشكيل لجان سياسية وفنية من أجل مناقشتها.
وأكد أن الحكومة ستسعى لتمرير القانون في الفترة المتبقية من عمر البرلمان، لما له من أهمية استراتيجية في توزيع الثروات وتوفير بيئة استثمارية مستقرة.
وشدد على أن القانون لم يعد خيارا، بل "ضرورة ملحّة" لتنظيم العلاقة بين المركز والإقليم، وتوزيع الثروات، وجذب الاستثمارات، وتعزيز الشفافية في إدارة الثروات الوطنية، خاصة في بلد يُعد ثاني أكبر منتج في أوبك.
تشريع قانون الحشد الشعبي
وفي ملف أكثر حساسية، تناول السوداني الحاجة إلى تشريع قانون منظم لهيئة الحشد الشعبي، التي وصفها بأنها "مؤسسة أمنية قدّمت الكثير من التضحيات في مواجهة الإرهاب"، وهي اليوم جزء أصيل من المنظومة الأمنية الوطنية.
وأوضح أن المسودة الجديدة لا تستهدف وجود الحشد بل مأسسته، عبر تنظيم الهيكل الإداري وتوضيح المهام وتحديد المرجعيات، وذلك ضمن إطار إصلاح أوسع يشمل جهاز المخابرات والأمن الوطني، الذي ظل يعمل سنوات من دون تشريعات قانونية واضحة.
وقال إن "هذه المؤسسات تعمل دون أطر قانونية واضحة منذ سنوات، وقد آن الأوان لإقرار تشريعات تنظم عملها ومهامها وهيكليتها".
وكشف أن قانون الحشد الشعبي تم إعداده ودراسته بشكل مستفيض ضمن خطة حكومية شاملة لإصلاح البنية الأمنية وحصر السلاح بيد الدولة.