رئيس «داسو» يقرع ناقوس الخطر: فرنسا بحاجة لتطوير طائرتها الفضائية

في وقت تتصاعد فيه المنافسة العالمية على الفضاء، دعا رئيس شركة "داسو للطيران"، إريك ترابيي، إلى ضرورة أن تطوّر فرنسا طائرتها الفضائية الخاصة.
ورغم أن المطلب يتجاوز الخيال العلمي، اعتبر ترابيي أن تجاهل هذا الملف يهدد الأمن القومي ويترك الساحة مفتوحة للقوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة والصين.
وفي التاسع من أبريل/نيسان الجاري، وخلال جلسة استماع أمام لجنة الدفاع في البرلمان الفرنسي، أعرب وزير الجيوش، سيباستيان لوكورنو، عن قلقه المتزايد حيال ملف الفضاء، واصفًا إياه بـ"الأكثر إثارة للقلق".
وقال الوزير: "إنقاذ صاروخ الإطلاق الخاص بنا من خلال نجاح جيد لـAriane 6، مع وضع القمر الصناعي CSO-3 في مداره؟ هذا أمر جيد، لكنه غير كافٍ"، بحسب مجلة "زون ميليتير" العسكرية الفرنسية.
- «فرصة القرن» للشركات الفرنسية بأمريكا.. تطور خطير في «البنية التحتية»
- الذكاء الاصطناعي.. ورقة «رابحة» للبنوك الفرنسية في سباق التحوّل الرقمي
وأضاف أن سرعة التطورات التكنولوجية تجعل القدرات الحالية سرعان ما تصبح "متقادمة"، مشددًا على أن "السيادة الحقيقية تعني أن نتحرك بسرعة... وألا نشارك قدراتنا مع الآخرين".
سباق فضائي عالمي... وفرنسا متأخرة؟
وترافقت تصريحات لوكورنو مع تسارع عالمي مذهل في هذا الميدان. ففي مارس/ آذار الماضي، أعلنت شركة Gravitics الأمريكية أنها اختيرت من قبل وحدة الابتكار في "قوة الفضاء الأمريكية" (USSF) لتطوير مركبة Orbital Carrier، وهي منصة وصفت بـ"الثورية" لقدرتها على نشر أقمار صناعية متعددة في الفضاء والاستجابة بسرعة لأي تهديدات مدارية.
وتقول الشركة: "هذا الناقل المداري سيوفر مرونة غير مسبوقة لقوات الفضاء الأمريكية، مما يعزز بشكل كبير الدفاع الفضائي للولايات المتحدة".
الحلم المؤجل يعود من جديد
وفكرة الطائرة الفضائية ليست جديدة. خلال الحرب الباردة، طورت الولايات المتحدة مشروع X-20 Dyna-Soar، الذي صُمم لمهام الاستطلاع وتدمير الأقمار المعادية، وحتى القصف المداري.
لكن المشروع توقف بسبب التكاليف الباهظة، رغم أن أول نموذج كان قيد التجميع. في المقابل، حاول الاتحاد السوفييتي مجاراته عبر مشروع MiG-105 "Spiral"، إلا أن مصيره لم يكن أفضل.
لكن بعد عقود، يجد هذا الحلم طريقه للعودة إلى طاولة النقاش. ومن أبرز المدافعين عنه، إريك ترابيي، الرئيس التنفيذي لـDassault Aviation، الذي لا يتوقف عن الدعوة لتطوير طائرة فضائية فرنسية.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وخلال ندوة أمام جمعية المهندسين "السنترياليين"، قال: "من يسيطر على الفضاء، يسيطر على ما تحته. علينا أن نتواجد هناك، عبر طائرات فضائية، خلال الخمسة عشر أو العشرين سنة القادمة".
"لا أحد مهتم... باستثناء الأمريكيين"
بعدها بثلاث سنوات، أعاد ترابيي طرح الفكرة من جديد عبر صحيفة "ليزيكو" الفرنسية، معتبرًا أن "قوة الطائرة القتالية تكمن في قدرتها على الرؤية أولًا، والإطلاق أولًا، والبقاء غير مرئية للعدو".
وأشار إلى أن "تحقيق ذلك في المستقبل يتطلب طموحًا فضائيًا حقيقيًا. وسيأتي يوم نحتاج فيه إلى طائرة فضائية".
ورغم أن شركة "داسو" صممت سابقًا نموذجًا أوليًا لطائرة فضائية أطلقت عليه اسم VEHRA (مركبة فرط صوتية قابلة لإعادة الاستخدام)، إلا أن المشروع لم يرَ النور بسبب غياب التمويل.
وخلال جلسة استماع في الجمعية الوطنية هذا الأسبوع، قال ترابيي بصراحة: "لا توجد طائرة فضائية اليوم. لدي الفكرة، ولدي الإرادة. لكن لديّ شعور أن لا أحد يهتم. ولو أردت أن أكون مستفزًا – وهو ما لست عليه – لقلت إن الأمريكيين وحدهم من يهتمون. أما الفرنسيون، فالأمر صعب معهم".
تحديات التمويل... ومؤشرات على اهتمام عسكري متجدد
ورغم انتقادات ترابيي، يبدو أن هناك بوادر اهتمام رسمي بدأت بالظهور. ففي عام 2023، أشار الجنرال فيليب آدام، قائد قيادة الفضاء الفرنسية (CdE)، إلى أن "الطائرات الفضائية" مطروحة على الطاولة، لا سيما لنقل الحمولات إلى المدار.
وأوضح قائلاً: "بإمكاننا استعادة المركبة، إعادة طلائها، تزويدها بالوقود، ثم إطلاقها من جديد"، مشيرًا إلى أن ذلك من شأنه أن يوفّر نموذجًا اقتصاديًا أكثر جدوى، مع انخفاض كبير في تكاليف الإطلاق.
وأضاف: "الطائرة الفضائية تتيح مرونة تشغيلية. هذا ما كانت تهدف إليه مركبة Hermès الأوروبية، والتي أُلغي مشروعها سابقًا. لكن اليوم، تعود الفكرة إلى الواجهة بفضل تطورات التكنولوجيا، وتغير طبيعة الاستخدامات، فضلاً عن التوجه نحو التشغيل الآلي".
هل تتجرأ فرنسا على التحليق عاليًا؟
رغم العقبات، يتضح من تصريحات ترابيي ولوكورنو، إلى جانب التطورات العالمية، أن الحاجة إلى طائرة فضائية لم تعد رفاهية، بل جزء أساسي من استراتيجية الردع والدفاع السيادي في القرن الـ21.
ويبقى السؤال المطروح: هل تجرؤ فرنسا على دخول هذا السباق؟ أم ستكتفي بدور المراقب، تاركة المجال للأمريكيين والصينيين لصياغة مستقبل الأمن الفضائي؟
aXA6IDUyLjE0LjE2NS4zMiA= جزيرة ام اند امز