«فرنسا تتنفس بحذر».. خبراء لـ«العين الإخبارية»: هدنة ترامب التجارية «غامضة»
مخاوف من بقاء الأسواق رهينة قرارات واشنطن الأحادية والمزاجية

تنفست الأسواق العالمية الصعداء، منذ مساء الأمس وحتى صباح اليوم، عقب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعليق الرسوم الجمركية الكبيرة لمدة 90 يوماً مع استثناء الصين، لكن فرنسا لازالت متوجسة.
وأغلق المؤشر الرئيسي للبورصة الفرنسية "كاك 40" تعاملات اليوم مرتفعا 5.36%، لكن هذا لم يمنع مجتمع الأعمال من الإعراب عن قلقه إزاء المستقبل.
وقال خبراء اقتصاديون فرنسيون إن تعليق الرسوم الجمركية من قبل إدارة ترامب لمدة 90 يوماً، مع استثناء الصين، لا يُعد تحولاً جوهرياً في السياسة التجارية الأمريكية، بل مجرد هدنة مؤقتة مشوبة بالغموض والتوجس.
وحذر الخبراء في تصريحات لـ"العين الإخبارية" من الركون إلى التهدئة غير الواضحة، داعين إلى موقف أوروبي موحّد واستراتيجي يحمي المصالح الاقتصادية ويضمن الاستقرار طويل الأمد.
وفي خطوة مفاجئة، أعلن ترامب بالأمس تعليق الرسوم الجمركية الكبيرة على واردات عدد من الدول – من بينها دول الاتحاد الأوروبي – لمدة 90 يوماً، مع الإبقاء على نسبة موحدة قدرها 10%، مستثنياً الصين التي فُرضت عليها رسوم مرتفعة وصلت إلى 125%.
ورغم الأثر الفوري الإيجابي على البورصات الأوروبية، التي شهدت ارتفاعات قوية خصوصاً في قطاعات البنوك والصناعات الثقيلة، إلا أن ردود الفعل في فرنسا جاءت أكثر تحفظاً وتحليلاً عميقاً للمخاطر الكامنة.
القلق الفرنسي
وأشار الخبير الاقتصادي جان بيساني-فيري، من معهد "بروجل" ومعهد بيترسون للاقتصاد الدولي، في تصريحات لـ"العين الإخبارية" إلى أن هذا التعليق لا يمكن اعتباره تنازلاً حقيقياً من واشنطن، بل "مناورة تكتيكية" تحتاج أوروبا إلى فهمها جيداً قبل تحديد خطواتها.
ولفت فيري إلى اعتراض فرنسا الواضح على النهج الحمائي لإدارة ترامب، مستشهداً بدعوة أحد الوزراء الفرنسيين سابقاً إلى تجميد الاستثمارات في الولايات المتحدة.
رد فعل أوروبي محسوب
الاتحاد الأوروبي أعلن أنه سيأخذ "الوقت اللازم" لتقييم الموقف، مشدداً على ضرورة التشاور مع الدول الأعضاء والقطاع الصناعي.
من جانبها، اعتبرت الباحثة الاقتصادية ماري كلير فيلفال في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أن تعليق الرسوم من طرف واحد "لا يكفي لاستعادة الثقة"، مشيرة إلى أن الرسوم السابقة أضرت بقطاعات فرنسية حيوية كصناعة السيارات والمعادن.
وشددت فيلفال على أن الموقف الفرنسي "حذر وقلق"، خاصةً وأن فترة التسعين يوماً غير كافية لتقديم رؤية مستقبلية مستقرة للشركات.
وأكدت أن فرنسا كانت من أبرز المعارضين لسياسات ترامب، مع تفضيل موقف أوروبي موحّد وقوي في أي مفاوضات مقبلة.
تأثير على الأسواق الفرنسية
قرار تعليق الرسوم انعكس مباشرة على أسهم شركات كبرى فرنسية، خصوصاً "إيرباص" التي قفز سهمها بنسبة 7.5%، إلى جانب أسهم شركات البناء والمعادن مثل "أرسيلور ميتال" و"سان-غوبان". إلا أن اقتصاديين حذروا من أن هذا الارتياح قد يكون مؤقتاً إذا عادت التوترات التجارية فجأة.
تحذيرات من عدم الاستقرار
بدوره، وصف فرانسوا فيليروي دي جالو، محافظ بنك فرنسا، القرار الأمريكي بأنه "بداية للعودة إلى العقلانية الاقتصادية"، لكنه شدد على أن "عدم القدرة على التنبؤ لا تزال العدو الأول للثقة والنمو". وأضاف أن السياسات الأمريكية تسببت في "صدمة سلبية" للنمو الأمريكي والعالمي، محذراً من زعزعة الثقة في الدولار، ما قد يفتح المجال أمام تعزيز مكانة اليورو، بحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية.
بدورها، حذرت الخبيرة الاقتصادية ستيفاني فيليرز من PwC من أن عدم الاستقرار الناتج عن سياسات ترامب قد يؤدي إلى تباطؤ اقتصادي وارتفاع البطالة، خاصةً في قطاعات مثل السلع الفاخرة والنبيذ والطيران، بحسب محطة "فرانس.إنفو" التلفزيونية الفرنسية.
هدنة أم فخ؟
ورغم الانتعاش المؤقت في الأسواق، شدد الخبراء الفرنسيون على أن تعليق الرسوم لا يُعد نهاية للسياسات الحمائية، بل مجرد "هدنة استراتيجية" قد يُستأنف بعدها التصعيد في أي لحظة.
وأوصوا باستخدام هذه الفترة القصيرة لإعادة ترتيب الأوراق الأوروبية، وتعزيز العلاقات التجارية مع أطراف أخرى مثل دول CPTPPفي مقدمتها نيوزيلندا واليابان.
ووفقاً للخبراء فإن فرنسا ترى أن التعاون مع الولايات المتحدة لا يجب أن يكون على حساب المبادئ أو الاستقرار، وتؤكد على أهمية أن تكون أي شراكة مستقبلية مشروطة بالوضوح والالتزام طويل الأمد، وليس رهينة قرارات أحادية ومزاجية من واشنطن.