
في خضم التصعيد التجاري العالمي، تبرز مصر كإحدى الدول التي قد تستفيد من نافذة تجارية قائمة، وهي اتفاقية "الكويز"، ما قد يحدّ من تأثير القرارات الأخيرة على قطاعات حيوية.
عقب قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية على طيف واسع من السلع المستوردة من مختلف دول العالم، تجد العديد من الدول نفسها ومنها مصر، أمام تحديات معقدة في مواجهة هذه السياسات الحمائية.
وتجري الحكومة المصرية محادثات مع الجانب الأمريكي بهدف تخفيض الرسوم الجمركية المفروضة على الصادرات المصرية، خاصة تلك التي تندرج ضمن اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة (الكويز)، والتي تخضع حاليًا لتعريفة تبلغ 10%. وتشمل المفاوضات أيضًا المنتجات الخاضعة لرسم الدولة الأولى بالرعاية، بحسب ما صرح به يحيى الواثق بالله، رئيس جهاز التمثيل التجارى بوزارة الاستثمار والتجارة الخارجية، خلال ندوة نظمها المركز المصري للدراسات الاقتصادية.
- مصر تتجه لطرح شركات للجيش عبر الصندوق السيادي.. بينها «شل أوت» و«صافي»
- مصر تستعد لإصدار صكوك بملياري دولار.. وتأمل في تكرار صفقة «رأس الحكمة»
واتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة "الكويز"، التي أبرمتها مصر مع الولايات المتحدة في عام 2004 توفر إعفاءات لصادرات مصرية محددة، ما قد يحدّ من تأثير القرارات الأخيرة على قطاعات حيوية مثل الملابس الجاهزة والمنسوجات.
وتتيح "الكويز" للمنتجات المصرية النفاذ إلى السوق الأمريكية دون رسوم جمركية، بشرط احتوائها على مكون إسرائيلي بنسبة لا تقل عن 10.5%، ما يجعلها أداة استراتيجية قد تمنح الصادرات المصرية ميزة تنافسية إضافية في الوقت الراهن.
وأوضح الواثق بالله أن الجانب الأمريكي ربط تخفيض التعريفة الجمركية بإزالة عدد من المعوقات غير الجمركية، وذلك خلال مباحثات حديثة بين ممثلي الجهاز ونظرائهم في الولايات المتحدة.
حوافز قوية للمصدرين والاستثمار الأجنبي
وأشار الواثق بالله إلى أن خفض الرسوم الجمركية عن النسبة الحالية (10%) سيعطي دفعة قوية للمُصنّعين المصريين في قطاعات مختارة، كما قد يعزز من جاذبية السوق المصرية أمام الاستثمارات الأجنبية المباشرة، خصوصًا في ظل توجهات الشركات العالمية لتنويع سلاسل التوريد بعيدًا عن الصين، مع سعيها للحصول على أفضلية في النفاذ إلى السوق الأمريكية.
مطالب أمريكية في قطاعات متعددة
وفي المقابل، تطالب الولايات المتحدة بإزالة معوقات في قطاعات الاتصالات، وتكنولوجيا المعلومات، والشحن الجوي، إضافة إلى مراجعة قيود تشمل حظر استيراد تقاوي البطاطس وأجزاء من الدواجن، ونقل البيانات خارج البلاد، ومتطلبات شهادات الحلال. إلا أن الواثق بالله أكد أن "بعض هذه الاشتراطات لا يمكن التنازل عنها لدواعٍ أمنية".
فرص واعدة ضمن اتفاقية الكويز
أكد الواثق بالله أن مصر تمتلك فرصة ذهبية لتعزيز صادراتها إلى السوق الأمريكية عبر توسيع قاعدة المنتجات ضمن اتفاقية الكويز، شرط الالتزام بنسبة المكون الإسرائيلي البالغة 10.5%. ويمكن إدراج منتجات جديدة مثل الإلكترونيات والجلود، دون الحاجة لتوسيع النطاق الجغرافي للمناطق المؤهلة، وهو ما لا يفضله الجانب الأمريكي حاليًا.
كما كشف أن المفاوضات مع الجانبين الأمريكي والإسرائيلي بشأن خفض نسبة المكون الإسرائيلي قد توقفت بعد أحداث 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
ميزة تنافسية أمام رسوم مرتفعة
وأوضح أن الرسوم الأمريكية المفروضة مؤخرًا على دول أخرى منحت مصر ميزة تنافسية غير مسبوقة، خصوصًا في قطاعات الملابس الجاهزة والمنسوجات، التي تواجه فيها دول منافسة رسومًا تصل إلى 40%. وأشار إلى أن وزارة الاستثمار تستقبل أسبوعيًا مستثمرين من الصين وتركيا مهتمين بالتصنيع في مصر من أجل التصدير للولايات المتحدة، ما قد يسفر عن استثمارات محتملة تصل إلى 15 مليار دولار.
تحذيرات من فحص أصول رأس المال
مع ذلك، حذر محمد قاسم، رئيس مجلس إدارة جمعية المصدرين المصريين (إكسبو لينك)، من إمكانية أن تفرض الولايات المتحدة لاحقًا رسومًا جمركية أعلى على المنتجات المصرية إذا كانت صادرة من شركات ذات رؤوس أموال صينية أو تركية. وأوضح أن واشنطن تستهدف من سياساتها التجارية الجديدة إعادة توطين الصناعات عالية القيمة داخل أراضيها، وقد تتجه إلى التحقق من مصادر رؤوس أموال الشركات المصدّرة لمنع التحايل على الرسوم.
تداعيات محدودة
من جانبها، أكدت الدكتورة عبلة عبد اللطيف، المدير التنفيذي ومدير البحوث بالمركز المصري للدراسات الاقتصادية، أن تداعيات الحرب التجارية العالمية على مصر ستكون محدودة، بالنظر إلى الحصة الضئيلة التي تمثلها في التجارة العالمية والتي لا تتجاوز 0.26%. وأضافت أن مصر تمتلك إمكانات تصديرية غير مستغلة في عدد من القطاعات مثل الأسمدة، والآلات، والفواكه.
لكن عبد اللطيف شددت على أن التحدي الأكبر الذي يواجه الصادرات المصرية يتمثل في ضعف القدرة التنافسية، موضحة أن قطاع الملابس الجاهزة، رغم كونه من أكثر القطاعات استفادة من فرص التصدير، إلا أن حصة مصر في السوق الأمريكية لا تزال محدودة مقارنة بمنافسين كبار مثل الصين وفيتنام.
إصلاحات عاجلة
ودعت عبد اللطيف إلى تبني إصلاحات هيكلية عاجلة لتحسين أداء قطاع الصادرات، في مقدمتها رفع كفاءة الموانئ وتبسيط الإجراءات الجمركية، مؤكدة أن مثل هذه الخطوات قد تفتح المجال أمام زيادة كبيرة في صادرات الملابس الجاهزة. كما شددت على أهمية إصلاح منظومة دعم الصادرات وتسريع صرف المستحقات المتأخرة، وهو ما قد يساهم في رفع الصادرات بنسبة تصل إلى 6%، بحسب تقديراتها.
aXA6IDMuMjIuMTk0LjIyNCA= جزيرة ام اند امز