«حماقة سيوارد» التي أثمرت.. لماذا باعت روسيا ألاسكا للولايات المتحدة؟

تستعد ألاسكا، التي كانت قبل أكثر من 150 عاما مستعمرة روسية نائية، لاستضافة قمة مرتقبة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأمريكي دونالد ترامب، بهدف بحث سبل إنهاء الحرب في أوكرانيا.
والمفارقة أن الأرض التي ستشهد هذه المفاوضات كانت، ذات يوم، جزءا من الإمبراطورية الروسية، قبل أن تباع للولايات المتحدة عام 1867 مقابل 7.2 مليون دولار فقط، في صفقة يراها الأمريكيون واحدة من أذكى استثماراتهم، فيما يعتبرها كثير من الروس خطأ تاريخيًا فادحًا.
من التوسع الإمبراطوري إلى بداية الانحسار
بدأ الوجود الروسي في ألاسكا خلال القرن الثامن عشر، حين عبر المستكشفون مضيق بيرينغ بحثا عن فراء ثعالب البحر، الذي كان يُباع بأسعار باهظة في أسواق الصين.
لكن هذا الاندفاع التجاري تخلله عنف واسع ضد السكان الأصليين، شمل خطف أبناء الزعماء وتدمير قوارب الصيد.
وفي عام 1799، تأسست الشركة الروسية-الأمريكية لاحتكار تجارة الفراء، غير أن الإفراط في الصيد قلّل الأرباح، واشتدت التوترات مع بريطانيا والولايات المتحدة بسبب غموض الحدود. ومع ضعف المستوطنات الروسية وقلة عدد سكانها، بدأت ألاسكا تفقد قيمتها الاقتصادية والاستراتيجية.
الجغرافيا السياسية تمهد للبيع
في منتصف القرن التاسع عشر، حوّلت روسيا اهتمامها إلى التوسع في الشرق الأقصى، حيث فرضت حرب القرم (1853–1856) مخاوف من غزو بريطاني عبر المحيط الهادئ.
كما أدرك القادة الروس صعوبة الحفاظ على "أمريكا الروسية" في مواجهة التوسع الأمريكي وخاصة بعد ضم كاليفورنيا وتكساس والانتصار في الحرب مع المكسيك.
هذه الظروف دفعت قادة الأسطول الروسي في المحيط الهادئ للتوصية ببيع ألاسكا قبل أن تسقط من أيدي الإمبراطورية بلا مقابل.
"حماقة سيوارد" التي تحولت إلى مكسب تاريخي
في 1867، دخل وزير الخارجية الأمريكي وليام سيوارد في مفاوضات مع المبعوث الروسي إدوارد ستوكل، بدأها بعرض قدره 5 ملايين دولار، وانتهى بتوقيع الصفقة مقابل 7.2 مليون دولار، أي أقل من سنتين للفدان.
ووُقّعت المعاهدة فجرا بعد ليلة كاملة من النقاش، وأقرها الكونغرس وصدق عليها القيصر ألكسندر الثاني.
لكن الصفقة أثارت جدلا واسعًا، وسط تأخر في دفع المبلغ، وشائعات عن رشاوى لسياسيين وصحفيين، بينما سخر المعارضون من شراء "أرض متجمدة" تعادل ضعف مساحة فرنسا، وسمّوها آنذاك "حماقة سيوارد".
من أرض جليدية إلى ولاية استراتيجية
بمرور الوقت، تحولت ألاسكا إلى كنز أمريكي بفضل الذهب والأخشاب والنفط، وانضمت عام 1959 كولاية رقم 49 في الاتحاد. أما في روسيا، فظل الموقف متباينا؛ من شعور بالارتياح في القرن التاسع عشر، إلى إحساس بالخزي في الحقبة السوفياتية.
وفي 2014، تجنّب بوتين التعليق على فكرة ضم ألاسكا، لكن النزعة القومية عادت لتطفو بعد العملية العسكرية في أوكرانيا عام 2022، حتى ظهرت لوحات إعلانية في روسيا تقول: "ألاسكا لنا".
ويرى الكثير من القوميين الروس، أن عقد قمة بوتين–ترامب في ألاسكا ليس مجرد اجتماع دبلوماسي، بل استعادة رمزية لجزء يعتبرونه من "الأراضي الروسية التاريخية". وكما تقول الباحثة جوليا ديفيس، فإن انعقاد المباحثات حول مستقبل أوكرانيا على هذه الأرض يُعد، في نظرهم، "انتصارًا كاملًا" بحد ذاته.