بين قمة ترامب-بوتين وموجة سياحية قياسية.. ألاسكا نجم في سماء العالم

تتجه أنظار العالم إلى ولاية ألاسكا عندما يستقبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نظيره الروسي فلاديمير بوتين في قمة تايخية، قد ينتج عنها أهم اتفاق سياسي في القرن الـ21، ويخرج العالم من دوامة الحرب الروسية الأوكرانية.
في الوقت الذي تحظى فيه الولاية رقم 49 باهتمام سياسي، فهي أيضا قبلة لملايين السياح حول العالم، حيث يشهد قطاع السياحة في ألاسكا انتعاشا غير مسبوق منذ جائحة كورونا، مسجلا أرقاما قياسية في عدد الزوار والإنفاق الاقتصادي.
تجذب ألاسكا ملايين السياح سنويا، ويساهمون بمليارات الدولارات في الاقتصاد المحلي، وقد دعم قطاع السياحة ما يقرب من 50 ألف وظيفة خلال موسم السفر 2022-2023، وفقا لجمعية صناعة السفر في ألاسكا.
حينما يتصافح ترامب وبوتين ويتفاوضان من أجل السلام، يستمتع ملايين الزوار في ألاسكا التي يعرفون أنها ليست مجرد مكان تزوره، بل تجربة كاملة تعيشها، من لحظة صعودك السفينة أو الطائرة وحتى اللحظة التي تغادر فيها محملا بصور لا تمحى من ذاكرتك.
عام استثنائي
في عام وصف بأنه استثنائي في تاريخ صناعة السياحة بألاسكا، كشفت الجمعية المعنية بصناعة السفر في الولاية (ATIA) في تقريرها السنوي 2023–2024 عن أرقام قياسية غير مسبوقة، تؤكد أن القطاع عاد بقوة بعد سنوات من الاضطراب بفعل جائحة كورونا.
التقرير، الذي يغطي الفترة من مايو/أيار 2023 إلى أبريل/نيسان 2024، أوضح أن عدد الزوار بلغ 3046600 شخص، بزيادة تقارب 20% مقارنة بمستويات ما قبل الجائحة (2018–2019)، في حين تجاوز الأثر الاقتصادي المباشر وغير المباشر للسياحة حاجز 5.6 مليار دولار، منها 3.9 مليار دولار إنفاق مباشر للزوار على الإقامة والمطاعم والجولات والأنشطة.
ويكشف التقرير المنشور على الموقع الرسمي لهيئة السياحة في ألاسكا "alaskatia"، أن الموسم الصيفي لا يزال العمود الفقري للسياحة في ألاسكا، حيث استقبلت الولاية 2648600 زائر بين مايو/أيار وسبتمبر/أيلول (87% من إجمالي الزوار)، مقابل 398000 زائر في الشتاء (13%).
السفن السياحية كانت الوسيلة الأبرز للوصول إلى ألاسكا، إذ حملت 1719000 زائر (56% من الإجمالي)، تليها الرحلات الجوية المستقلة بـ1240000 زائر (41%)، ثم الطرق والعبّارات بـ87600 زائر فقط (3%). مقارنة بفترة 2018–2019، شهدت أعداد ركاب السفن السياحية نموا بنسبة 29%، وزوار الطيران بنسبة 13%، بينما تراجع القادمون عبر الطرق والعبّارات بنسبة 16%.
ورغم هيمنة الصيف، فإن السياحة الشتوية أظهرت ديناميكية لافتة، حيث ارتفعت أعداد الزوار بنسبة 23% عن موسم 2018–2019، مدفوعة بزيادة ملحوظة في السفر الجوي الشتوي بنسبة 25%، رغم استمرار تراجع الوصول البري بنسبة 21%. ويعكس هذا التوجه نجاح الحملات الترويجية في إبراز الأنشطة الشتوية مثل مشاهدة الشفق القطبي وصيد الأسماك على الجليد، ما ساهم في إطالة الموسم السياحي.
الزخم السياحي انعكس بوضوح على المؤشرات الاقتصادية المحلية، إذ سجلت المجتمعات الواقعة ضمن "Railbelt" (منطقة السكة الحديد الرئيسية) زيادات في عوائد ضريبة الإقامة الصيفية (Bed Tax) تراوحت بين 11% و17%، في حين حققت مجتمعات جنوب شرق ألاسكا زيادات أكثر تواضعاً (2% إلى 7%).
كما ارتفعت مبيعات تصاريح الصيد الترفيهي لغير المقيمين بنسبة 1% مقارنة بالعام السابق. وعلى مستوى سوق العمل، يدعم القطاع أكثر من 48000 وظيفة محلية، ما يجعله أحد أكبر المشغلين في الولاية.
النجاح التسويقي لعب دورا محوريا في هذا الأداء، إذ أظهرت أرقام ATIA أن كل دولار أنفق على حملة "Travel Alaska" عاد بعائد قدره 378 دولارا من الإنفاق المباشر للزوار.
الحملة الرقمية حققت أكثر من 5.65 مليون زيارة لموقعها الإلكتروني، و771000 متابع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بمعدل تفاعل 4.6%، وهو ضعف متوسط القطاع السياحي عالميا. كما أولت ATIA اهتماما خاصا للأسواق الدولية التي تمثل حاليا 5.5% فقط من إجمالي الزوار، مع خطط للتوسع في أسواق المملكة المتحدة، وأستراليا ونيوزيلندا، وأوروبا الناطقة بالألمانية، والهند، وكوريا الجنوبية.
المجتمعات الأصلية والسياحة الثقافية
إلى جانب الترويج، أولت الجمعية أهمية لدعم المجتمعات الأصلية والسياحة الثقافية، فخصصت مقعدا دائما في مجلس إدارتها لممثل عن إحدى القبائل أو الشركات الأصلية، وعززت برامج "Adventure Green Alaska" التي تمنح شهادات للمؤسسات الملتزمة بالسياحة المستدامة. وعلى صعيد تنمية الكفاءات، قدّمت مؤسسة ATIA الخيرية 16 منحة دراسية بقيمة 33500 دولار لطلاب من مختلف أنحاء ألاسكا، في خطوة تستهدف إعداد جيل جديد من العاملين في القطاع.
ماليا، سجلت ATIA دخلا قدره 9.69 مليون دولار مقابل مصروفات بلغت 9.49 مليون دولار خلال العام، وهو ما يعكس إدارة متوازنة بين الإنفاق على الحملات والمشاريع والحفاظ على الاستدامة المالية. ورغم قوة الأرقام، يواجه القطاع تحديات أبرزها تراجع نسبة السياح المستقلين (غير عبر السفن) إلى 35% من إجمالي زوار الصيف، مقارنة بـ40% سابقا، ما يطرح تساؤلات حول ضرورة تنويع مصادر الزوار. بعض المجتمعات، مثل مدينة يونيو، بدأت تدعو لتقليص عدد ركاب السفن السياحية لحماية البيئة والثقافة المحلية، وهي قضية تتفاعل على المستويين المحلي والدولي، خاصة مع تقارير عن الآثار البيئية المتزايدة للسياحة البحرية.
التقرير يخلص إلى أن نجاح ألاسكا في 2023–2024 لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة استراتيجية متكاملة تجمع بين التسويق الفعال، والاستثمار في البنية التحتية، ودعم المجتمعات المحلية، مع الحرص على استدامة الموارد الطبيعية والثقافية. ومع التحديات البيئية وتغير أنماط السفر العالمي، يبدو أن المرحلة المقبلة ستتطلب موازنة دقيقة بين زيادة العوائد والحفاظ على الهوية البيئية للولاية، حتى تظل ألاسكا على قمة الوجهات السياحية العالمية.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNyA= جزيرة ام اند امز