الترجي يبدأ الاحتفال بمرور 100 عام على تأسيسه
نادي الترجي التونسي يحتفل هذا الشهر بمرور مائة عام على تأسيسه.. طالع تقرير مستفيض عن النادي وتاريخه العريق
يحتفل نادي الترجي التونسي هذا الشهر بمرور مائة عام على تأسيسه، النادي الذي ارتبط اسمه بشكل وثيق، خلال تلك الفترة، بمختلف نواحي بلاده السياسية والاجتماعية والرياضية.
وكان الترجي بدأ، مساء الجمعة، رحلة الدفاع عن لقبه الثالث في دوري أبطال أفريقيا، والذي توج به الموسم الماضي على حساب العملاق القاري الأهلي المصري، أملاً في تكرار إنجاز 2018.
في حي باب سويقة بتونس العاصمة، يتجه محمد الحبيب حسني مع ابنه نحو قاعة عرض كؤوس الترجي، مستعيداً أمجاد النادي الذي استحال ظاهرة اجتماعية وسياسية، ويختصره مشجعوه بشعار "الترجي دولة".
ويقول حسني المتحدر من الحي والمقيم حالياً في إيطاليا، لوكالة فرانس برس، إن سكان الحي "تجري في عروقهم دماء صفراء وحمراء".
ويضيف أن الأعوام الثلاثين (من سنيه الـ52) التي أمضاها خارج تونس، لم تنسه "الحب الأول" الذي يسعى لنقله إلى ابنه حسام (13 عاماً).
ويضيف حسني الذي يعمل طاهياً: "الترجي تفرحك تمتعك وتحنن القلوب على بعضها البعض، عندما ننتصر في نهائي، باب سويقة تنتفض".
والترجي هو أقدم الأندية التونسية وأكثرها تتويجاً، وتضم خزائنه 45 لقباً أبرزها 28 لقباً في الدوري التونسي، وثلاثة في دوري أبطال أفريقيا، إضافة الى تتويجات في رياضات أخرى مثل كرة اليد والطائرة والسباحة والجودو.
"رمز للحركة الوطنية"
يعد حي باب سويقة معقل الترجي بكل ما للكلمة من معنى، ونادراً ما يمر "مكشخ" (الاسم الذي يطلق على مشجعي النادي) في شوارعه دون أن يكون مرتدياً قميص الفريق الأحمر والأصفر، أو يرتدي ما يدل عليه من قبعة أو شعارات.
في الحي الذي تتقاطع شوارعه عند نافورة يجتمع حولها المشجعون بعد كل انتصار، لا يخلو ركن من كتابة على الجدران بعبارات فخر الانتماء للنادي، بينما تتدلى الرايات الحاملة ألوانه، فوق المقاهي المتراصة.
شهد الحي عام 1919 الاجتماعات التأسيسية للترجي، والتي عقدت في مقهى حمل الاسم نفسه، وتزعمها كل من محمد الزواوي والهادي القلال.
أتى تأسيس النادي في مطلع حقبة شهدت فيها تونس، لا سيما في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، حراكاً وطنياً نشطاً ضد الاستعمار الفرنسي، لا سيما مع عودة الحبيب بورقيبة إلى البلاد عام 1927 واتخاذه من باب سويقة والحلفاوين المجاور له، مقراً لنشاطه.
وجمعت المنطقة رموز النضال السياسي وشخصياته آنذاك أمثال الحبيب ثامر وعبد العزيز الثعالبي والمنجي سليم وغيرهم.
"تداخل السياسي والثوري بالرياضي في باب سويقة والترجي"
ويرى الكاتب التونسي المطلع على تاريخ النادي عبدالعزيز بلخوجة، أن الترجي أضحى "شكلاً من أشكال النضال السياسي، ولد بإرادة نضالية ضد المستعمر، خصوصاً أنه الفريق الوحيد الذي (كان) يضم تونسيين مقابل باقي الفرق التي ينشط فيها الفرنسيون والمالطيون والإيطاليون".
بقي النادي حكراً على التونسيين حتى استقلال البلاد عام 1956 على يد الزعيم التاريخي بورقيبة الذي تولى رئاسة تونس حتى عام 1987.
وبحسب المؤرخ محمد ضيف الله، أصبح الترجي من الأندية التي "ترمز للحركة الوطنية"، لا سيما أنه ضم في صفوفه لاعبين تونسيين حصراً.
ويتابع المؤرخ الذي يُعد كتاباً عن تاريخ النادي، لفرانس برس، أن "بورقيبة كان قريباً من الترجي ومن الطبقة الشعبية التي سكنت المنطقة ويحضر المقابلات (المباريات) وكان من بين مستشاريه لاعب من الترجي".
وتولى الزعيم منصب نائب رئيس النادي عام 1931، بحسب ضيف الله.
"مؤسسة اجتماعية"
أعاد اللقب الأفريقي العام الماضي دغدغة مشاعر مشجعي النادي بالبعد التاريخي للنادي وهيبته.. في مقهى "العباسية" الذي بات نقطة لقاء لهم، لا حديث حول الطاولات المنتشرة على الرصيف سوى أخبار الترجي وآخر الاستعدادات للاحتفال بالمئوية الأسبوع المقبل، أو أداء الفريق.
وينتمي مشجعو الترجي الى ما يعرف بـ"خلايا الأحباء" وهي تتمركز في مختلف ولايات البلاد. لكن للترجي في باب سويقة نكهته التي كانت تنعكس على الدوام في أوساط سكانه.
ويقول محمد الحبيب حسني إن كل مباراة ترافقت مع تقاليد منزلية "كنا نعدُ الترتيبات اللازمة في البيت مع كل مقابلة نلعبها.. كما لو كان حفل زواج، رائحة البخور في كل مكان ونوزع المشروبات".
تمتع الترجي بقوة جذب اجتماعية أيضاً، ما انعكس تنوعاً في تركيبة المشجعين الذين يتابعونه، وأكسبته تقدير مشجعي أندية أخرى أبرزها النادي الأفريقي الذي يحتفل العام المقبل بمئويته أيضاً.
ويوضح الباحث في علم الاجتماع محمد الجويلي أن النادي تحول على مدى الأعوام إلى "مؤسسة اجتماعية" ذات دور "في تأطير الشباب الذي لم ينجح في الدراسة. هو بمثابة فرصة وحظ ثانٍ في الحياة.
جذب الترجي أبناء الأحياء خارج باب السويقة، ومنها الحجامون حيث تأسس النادي الأفريقي، وفيه ولد عامر البحري (88 عاماً) المناصر للأفريقي، لكنه يحمل لقب "ذاكرة الترجي" لقدر ما تابع نادي باب سويقة.
ويقول البحري لفرانس برس "71 عاماً قضيتها قريباً من الترجي. هو حياتي... الترجي ليس انتصارات ولعب فقط، هو ظاهرة اجتماعية لأنها كون أجيالاً صالحة للمجتمع".