محمية الوثبة.. لوحة طبيعية إماراتية تحفظ التوازن البيئي
أولت دولة الإمارات حماية وتنمية الأنواع الفطرية النباتية والحيوانية المهددة بالانقراض، أهمية كبيرة منذ مرحلة مبكرة من عمرها.
وقد اعتبر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه" الحفاظ على المناطق المحمية والموارد الطبيعية والتنوّع البيولوجي جزءاً لا يتجزأ من هوية دولة الإمارات الثقافية، وإرثاً يسعى للحفاظ عليه للأجيال القادمة.
ولعبت دولة الإمارات دورًا كبيرًا في مجال حفظ التوازن البيئي في المنطقة عبر التركيز على تدشين المحميات الطبيعية، حيث حظيت جهود دولة الإمارات المبذولة في هذا المجال باهتمام دولي بالغ، بعد أن أصبح الاعتناء بالحياة الفطرية والبحرية من أوائل القضايا الملحة التي وضعت لها دولة الإمارات الخطط والبرامج التي تتلاءم مع مشروع حماية بعض الأنواع المهددة بالانقراض، كما أصدرت التشريعات والقوانين التي تهدف إلى المحافظة على البيئة.
وتعتبر محمية الوثبة للأراضي الرطبة، واحدة من المحميات الطبيعية التي دشنتها دولة الإمارات لحماية الأنواع الفطرية النباتية والحيوانية المهددة بالانقراض وإعادة التوازن البيئي المفقود في المنطقة المحمية والمناطق المحيطة بها، وهو ما ينسجم مع المبادرة الاستراتيجية للحياد المناخي 2050.
- مسؤولون ونشطاء: وجود رئيس COP28 في بون حرّك آمالا كبيرة
- الساعة البيولوجية للنبات.. إلى ماذا تشير عقارب الغذاء في العالم؟
ويبرز محور "المحمية" ضمن حملة "استدامة وطنية" التي تم إطلاقها مؤخراً تزامناً مع الاستعدادات لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ “COP28" الذي يُعقد خلال الفترة من 30 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 12 ديسمبر/كانون الأول من العام الجاري في مدينة إكسبو دبي، جهود دولة الإمارات في حماية منظومة البيئة والطبيعة من خلال مجموعة من المبادرات المشتركة والحلول المبتكرة.
خصوصية كبيرة
شهد العام 1998 ظهور محمية الوثبة للأراضي الرطبة التي تقع على بعد 40 كيلومتراً شرق مدينة أبوظبي، بعد أن وجه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه" بإنشائها، من منطلق إيمانه بضرورة الحفاظ على التنوع البيولوجي عبر توفير بيئة مناسبة لطيور النحام الكبير (الفلامنجو) والطيور المهاجرة الأخرى.
وتعتبر محمية الوثبة للأراضي الرطبة في أبوظبي، منطقة متميزة وذات خصوصية كبيرة، حيث توفر ملاذاً آمناً يمتد على مساحة 5 كيلومترات مربعة للعديد من الكائنات الحية النباتية والحيوانية فهي موطن للكثير من الطيور، التي تعتمد على المنطقة في التعشيش والتغذية والتكاثر، ما يجعلها من أهم مناطق التنوع البيولوجي في أبوظبي.
وتعكس هذه المحمية تنوع وغنى الموارد الطبيعية لدولة الإمارات، حيث تشكل مركزاً ضخماً لتجمع الطيور المهاجرة. ويعتبر نجاح المحمية في استقطاب الطيور للتعشيش مؤشراً إيجابياً على تحسن الظروف وتوفر بيئة ملائمة لتكاثر الطيور الأمر الذي يؤكد على استدامة النظم البيئية في المحمية ونجاح هيئة البيئة – أبوظبي في إدارتها بفعالية، الأمر الذي ساهم في زيادة أعداد الطيور وفرص تعشيشها المبكر.
وتقوم هيئة البيئة - أبوظبي، على إدارة المحمية ومراقبتها بشكل كامل، لضمان سلامة هذا الموئل، الذي يتميز بكثير من الثراء والتنوع، حيث تشكل هذه المحمية لوحة طبيعية خلابة مجهزة لاستراحة الطيور المهاجرة، الأمر الذي جعلها وجهة مفضلة للآلاف من الزوار الذين تستقبلهم ضمن مواسم وأيام محددة.
مسطحات طبيعية
وتتكون محمية الوثبة للأراضي الرطبة من مسطحات مائية طبيعية من صنع الإنسان تشمل الأراضي الرطبة والسبخات "المسطحات الملحية" والرمال المتحجرة والكثبان الرملية وتأوي مجموعة فريدة من صور الحياة الحيوانية والنباتية.
وحظيت محمية الوثبة للأراضي الرطبة بتقدير دولي كبير لمساهمتها في الحفاظ على التنوع البيولوجي الطبيعي لأبوظبي، والعديد من الأنواع المهددة بالانقراض، حيث ظهر ذلك في حصولها على عدد من الاعترافات الدولية، وكانت البداية في العام 2013، حيث اعتمدت الأمانة العامة لاتفاقية رامسار للأراضي الرطبة، محمية الوثبة كأول موقع للأراضي الرطبة ذات الأهمية العالمية في إمارة أبوظبي، ومع هذا الاعتراف الدولي تكون المحمية قد انضمت إلى مجموعة من المواقع المعترف بها عالمياً، والتي يبلغ عددها في ذلك الوقت أكثر من 2000 موقع على نطاق العالم.
نتائج إيجابية
ولم يتوقف التقدير الدولي للمحمية عند هذا الحد، بل تواصل في 2018، حيث أدرج الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة، محمية الوثبة للأراضي الرطبة على قائمته الخضراء للمناطق المحمية، لتكون محمية الوثبة أول موقع في المنطقة وواحد من أوائل المواقع في العالم التي تحقق هذا الإنجاز بعد استكمال سلسلة من التقييمات الشاملة والتي أكدت نجاح جهود هيئة البيئة - أبوظبي في إدارة وتطوير المحمية وفقاً للمعايير الدولية للحوكمة والتصميم والتخطيط والإدارة وحفظ الأنواع.
وتكمن أهمية إدراج محمية الوثبة ضمن القائمة الخضراء للاتحاد الدولي لحماية الطبيعية للمناطق المحمية في كونها تمتلك دوراً مهماً ليس فقط في حماية التنوع البيولوجي، بل في تعزيز دور المناطق المحمية وتحسين مساهمتها في حفظ التنوع البيولوجي ورفاهية الإنسان؛ الأمر الذي سينعكس بشكل إيجابي على سلامة التنوع البيولوجي في المناطق المحمية وسيساهم في تحسين فعالية الإدارة وتحقيق نتائج إيجابية في الحفاظ على الموائل والأنواع وتوفير بيئة آمنة للحياة الفطرية.
وتقدم القائمة الخضراء للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة برنامجاً يضمن أن تحقق جميع مواقع المناطق المحمية المعتمدة 3 معايير رئيسية وهي: الحوكمة الرشيدة والإدارة الفعالة والتصميم والتخطيط السليمين، ويضمن تحقيق معايير الحصول على شهادة امتياز صالحة لمدة 5 أعوام، الأمر الذي يساعد هذه المواقع على مواصلة إجراء التحسينات على المنطقة المحمية ضمن هذه المعايير.
ويتضمن برنامج القائمة الخضراء 17 معياراً للتقييم، حيث تقيس هذه المعايير عدة مؤشرات خاصة بتوفير الحماية للحياة البرية والنظم الإيكولوجية؛ فضلاً عن تقييم دور المحمية في توفير الخدمات للإنسان والمجتمع.
برنامج ناجح
وتعد محمية الوثبة الموقع الوحيد في دولة الإمارات والخليج العربي الذي تتكاثر فيه طيور الفنتير بانتظام، حيث تعتبر المحمية موطناً لأكثر من 4500 طائر من طيور الفنتير (الفلامنغو الكبير)، و266 نوعاً آخر من الطيور المقيمة والمهاجرة، و271 نوعاً من اللافقاريات، و58 نوعاً من النباتات، و13 نوعاً من الزواحف، و11 نوعاً من الثدييات.
وتنفذ هيئة البيئة – أبوظبي برنامجاً ناجحاً لمراقبة وإدارة طيور الفلامنجو بالمحمية يتضمن رصد نوعية المياه وروبيان الملح "الأرتيميا" الذي يعتبر الغذاء الأساسي والوحيد القابل للعيش والتكاثر في مياه البحيرة لطيور الفلامنجو وذلك لضمان توفير بيئة مناسبة لتكاثر هذا النوع من طيور الفلامنجو.
وتتبع الهيئة، منذ العام 2005 طيور الفلامنجو وتزودها بحلقات تعريفية وأجهزة تتبع متصلة بالأقمار الصناعية لمساعدتها في التعرف على مسارات الهجرة ومحطات الاستراحة والتزود بالغذاء التي تستخدمها هذه الطيور وفي كل شتاء يعود آلاف الفلامنجو إلى دولة الإمارات، حيث يقضى ما يقرب من 4500 طائر منها موسم الشتاء في المحمية.
وتعمل محمية الوثبة للأراضي الرطبة منذ افتتاحها أمام الزوار في عام 2014 على تفعيل دور السياحة البيئية في أبوظبي، حيث تجذب الآلاف من الزوار والسياح وطلاب الجامعات والمدارس والباحثين ومحبي مراقبة الطيور والكائنات الحية في موائلها الطبيعية، وهو الأمر الذي أكسبها ثقة القائمين على الدورة السابعة والعشرين 2020 لجوائز السفر العالمية والذين رشحوها لنيل جائزة السياحة المسؤولة في الشرق الأوسط.