الساعة البيولوجية للنبات.. إلى ماذا تشير عقارب الغذاء في العالم؟
هل سبق لك أن عانيت من حالة سيئة من اضطراب الرحلات الجوية الطويلة؟ هذا الشعور الرهيب عندما تنزل من رحلة طيران طويلة، ويخبرك جسدك أن وقت النوم قد حان، لكن العالم الخارجي يخبرك أن يومك قد بدأ للتو، وأن الوقت قد حان لتناول الإفطار؟
هذه هي التأثيرات البيولوجية لساعة جسمك الداخلية، والمعروفة أيضاً بساعتك البيولوجية.
وكشفت أحدث الدراسات العلمية أن النباتات والفطريات وحتى بعض أنواع البكتيريا لها إيقاع يومي أيضاً.
وعلى الرغم من أن النباتات لا تميل إلى ركوب الطائرات والسفر في الرحلات الجوية الدولية الطويلة، فإن أي كائن حي له ساعة يومية لديه القدرة على المعاناة من الرحلات الجوية الطويلة.
هذه أكثر من مجرد حقيقة ممتعة، ولكن الآن يمكننا استخدام هذه المعلومات لجعل المحاصيل أكثر إنتاجية ونقوم بمعالجة مشكلات البشرية المتعلقة بالأمن الغذائي، حيث أدى التغيير التدريجي في المناهج البحثية الحالية إلى تغيير الطريقة التي يفكر بها العلماء بشأن النباتات، فهي أكثر تعقيداً بكثير وتشبهنا أكثر مما تتخيل.
إن هذا المجال العلمي المزدهر ممتع للغاية، وفي تقرير حديث نشر على موقع "ذا كونفرسين" تأخذنا الباحثة كاثرين هوبارد الباحثة في تعليم العلوم البيولوجية، بجامعة هال في جولة حول دراسات الساعة البيولوجية الداخلية للنباتات وتطبيقاتها المستقبلية في مجالات العلوم الزراعية.
الساعة البيولوجية للنباتات
يتحدث التقرير عن أهمية فهم الساعة البيولوجية لدى النباتات، وكيف يمكن استخدام هذه المعرفة لتحسين زراعة الأغذية وتعزيز الأمن الغذائي العالمي، وتعرف النباتات والفطريات وبعض البكتيريا على نظام الدورة اليومية الخاص بالجسم، ويمكن أن تعاني مثل أي كائن حي يملك هذه الساعة الداخلية من الشعور بالتعب الذي يسببه تغير المناخ أو التوقيت الجغرافي المختلف.
وتعود التقارير الأولى لساعة الجسم الداخلية في النباتات إلى اليونان القديمة، عندما درس قبطان سفينة الفتح والإغلاق اليومي للأوراق على شجرة تمر هندي.
وتاريخياً تم الإبلاغ عن وجود ساعات الجسم الداخلية لدى النباتات منذ القرن الثامن عشر، بعد أن تم إجراء الملاحظات المنهجية الأولى للإيقاعات اليومية للنبات بواسطة العالم الفرنسي جان جاك دورتوس دي ميران الذي درس الفتح والإغلاق الإيقاعي لأوراق النبتة الحساسة أو المُستَحِية "الميموزا بوديكا" (الاسم العلمي: Mimosa Pudica)، التي تعتبر من النباتات العشبية الزاحفة الشهيرة، والتي اتضحت فيها حركة الأوراق المتكررة الداخلية، وأوراقها المركبة تنطوي على نفسها وتتدلى بمجرد تعرضها للمس أو الاهتزاز للنباتات.
لاحظ دي ميران أن هذه الدورات استمرت حتى عندما كان النبات في ظلام دامس، وأظهر هذا أن حركات الأوراق لم تكن استجابة للتغيرات في ظروف الإضاءة، ولكن تم التحكم فيها من قبل النبات نفسه، وهذا كان بداية تعريف الإيقاع اليومي.
شبكة وراثية
تعتمد هذه الساعات الداخلية للنباتات على شبكة وراثية توجد داخل كل خلية نباتية، ونعلم الآن أن هذه الإيقاعات تتحكم فيها شبكة وراثية موجودة داخل كل خلية نباتية، يتحكم حوالي 20 جينا في إيقاع الساعة البيولوجية الداخلية للنباتات، وتعمل هذه الجينات على تشغيل وإيقاف تشغيل بعضها البعض في دائرة معقدة، مما يولد إيقاعاً يؤدي إلى إنتاج دورة زمنية تستمر 24 ساعة، وتفعل هذه الدورة الزمنية أيضاً العديد من الجينات الأخرى في جينوم النبات.
وتتحكم هذه الساعات الداخلية للنبات في معظم العمليات النباتية، وتحتوي على عدة وظائف مثل النمو والتطور والإزهار والتنفس والتبادل الغازي في التمثيل الضوئي، وتؤثر هذه الساعات الداخلية أيضاً على مدى فعالية المبيدات الحشرية والأعشاب.
وتعمل دائرة التحكم هذه أيضاً على تنشيط جينات أخرى في جينوم النبات، يتم تنشيط بعض الجينات عند الفجر تليها الجينات المطلوبة في وقت لاحق من الصباح، ولكن يتم إيقافها في فترة ما بعد الظهر، على سبيل المثال عادةً ما يتم تنشيط الجينات المرتبطة بعملية التمثيل الضوئي في الصباح لتحقيق أقصى استفادة من ضوء النهار، بينما تنشط الجينات المرتبطة بالنمو والتطور عادةً في الليل.
تجارب معملية
توضح التجارب المعملية أنه إذا تم تحور أي من جينات التحكم في الساعة البيولوجية (مما يعني تغيير تسلسلها الجيني حيث لا تعمل بشكل صحيح)، فقد تتسارع ساعة النبات لإعطاء إيقاع أقصر، وإبطاء لإعطاء دورة طويلة، أو توقف عن العمل تماما.
لا تمتلك النباتات ذات الجينات اليومية الطافرة ساعات أسرع أو أبطأ فحسب، ولكن قدرتها على التمثيل الضوئي والنمو والتكاثر تتضرر، لن ينمو النبات ذو الساعة اليومية العادية إلا إلى نصف حجم النبات الطبيعي في ظل ظروف المختبر.
يتم تنظيم كل عملية نظر إليها العلماء في النباتات تقريبا بواسطة الساعة الداخلية إلى حد ما، إنه يتحكم في فتح وإغلاق مسام الثغور على الجانب السفلي من الورقة، وتبادل الغازات في عملية التمثيل الضوئي، ونمو الجذع والنبتة، والإزهار الموسمي و"الحرب الكيميائية" بين النباتات والحيوانات التي تأكلها، يحدث هذا عندما تنتج بعض النباتات مواد كيميائية سامة للحيوانات عند تناولها.
وفي حين أن معظم الأبحاث حول إيقاعات الساعة البيولوجية للنبات قد تم إجراؤها في المختبر، فهناك زيادة اهتمام عالمية بكيفية تطبيق ذلك على الزراعة لمواجهة تحديات الأمن الغذائي العالمي.
يصلح للمستقبل
يضعف الاحترار العالمي من صحة التربة ويقتل الملقحات، في حين أن الطقس المتطرف والحرب من بين العوامل التي تدفع أسعار الغذاء إلى الارتفاع. لذلك يمكن أن يصبح هذا البحث ضروريًا لبقائنا على قيد الحياة.
يمكن أن يؤدي تعلم المزيد عن الساعات اليومية للنباتات إلى زيادة غلة المحاصيل بشكل كبير والتحكم في توقيت ازدهار النبات للتكيف مع تغير المناخ، على سبيل المثال وجدت العديد من الدراسات أن النباتات أكثر حساسية لمبيدات الأعشاب تبعا للوقت من اليوم الذي تستخدم فيه، لأن العديد من النباتات لها ساعات متشابهة، يمكننا تطبيق نتائج المختبر على العديد من أنواع المحاصيل.
تاريخيا.. أظهرت العديد من الدراسات أن التغيرات الطبيعية في جينات الساعة قد ارتبطت بالاختراقات العلمية في العلوم الزراعية، على سبيل المثال كانت الطماطم تُزرع في الأصل في أمريكا الوسطى، حيث لا تتغير أطوال اليوم كثيرا خلال العام، عندما بدأ الناس في زراعة الطماطم المستأنسة في خطوط العرض الشمالية اختاروا عن غير قصد مجموعة متنوعة ذات طفرة طبيعية أدت إلى تباطؤ الساعة.
وهذا يعني أن نباتات الطماطم كانت قادرة على الاستفادة بشكل أفضل من أيام الصيف الأطول والتمثيل الضوئي لفترة أطول.
مع تطور الزراعة العمودية الداخلية هناك اهتمام كبير بفهم استجابات النبات اليومية للضوء، حيث يمكن تصميم أنظمة الإضاءة لتحقيق أقصى قدر من النمو مع تقليل استهلاك الطاقة، وذلك لأن الزراعة العمودية الداخلية تسمح بالتحكم الكامل في الإضاءة، على عكس عندما نزرع النباتات في الهواء الطلق أو في منازلنا، قد يساعد فهم الإيقاع الداخلي للنبات في تحسين نمو النبات، والتحكم في أفضل وقت للري، والإشارة إلى وقت استخدام الأسمدة أو المواد الكيميائية الأخرى المستخدمة في الزراعة.
النباتات أكثر تعقيدا بكثير (وربما تشبهنا قليلاً) مما يدركه الكثير من الناس، شهدت السنوات الخمس والعشرون الماضية قدراً هائلاً من الأبحاث في آليات التحكم الجيني للساعة البيولوجية، التحدي الآن هو تطبيق تلك المعرفة على الزراعة، ومن مصلحتنا التأكد من فهمنا للنباتات بهذه الطريقة، لأنه يمكننا استخدام هذه المعرفة لتحسين زراعة طعامنا وجعل محاصيلنا أكثر مرونة.
اهتمام متزايد
يمكن أن تستخدم هذه المعرفة في الزراعة لزيادة الإنتاجية وتحسين وقت الإزهار للتكيف مع التغيرات المناخية، وهناك اهتمام متزايد في فهم استجابة ساعات النباتات للضوء لتصميم أنظمة الإضاءة المثلى في الزراعة العمودية المغلقة، مما يساعد على تحسين نمو النباتات وتحديد أفضل وقت للري واستخدام الأسمدة والمبيدات الزراعية.
ويتعرض العالم حالياً للتحديات التي تؤثر على الأمن الغذائي العالمي، مثل التغيرات المناخية والحروب والأحوال الجوية المتطرفة، مما يجعل هذه المعرفة حول ساعات الجسم للنباتات ضرورية للبقاء على قيد الحياة وتحسين إنتاجية المحاصيل الزراعية، كما يمكن استخدام تغييرات طبيعية في جينات الساعات الداخلية لزراعة النباتات بطرق أكثر إنتاجية، مثل نوع الطماطم الذي يتم اختياره لتحسين استخدام النبات في الأيام الصيفية الطويلة.
وفي النهاية، يشير التقرير إلى أن النباتات أكثر تعقيداً مما يعتقد البعض، وتحتاج إلى دراسة أكثر تفصيلاً لفهم ساعات جسمها الداخلية وتحسين زراعتها لتحقيق الأمن الغذائي العالمي.