الجزائر و"بريكس".. انضمام اقتصادي أم سياسي مرتقب؟
مفاجأة غير متوقعة كشف عنها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، عندما تحدث عن "توفر الحظوظ والشروط" للانضمام إلى مجموعة "بريكس".
وفي تصريحات لوسائل إعلام محلية، الأحد الماضي، كشف الرئيس الجزائري للمرة الأولى عن مساعي بلاده الانضمام إلى مجموعة "بريكس"، وأوضح بأن شروط الانضمام إليها "تتوفر في الجزائر".
- تبون يفتح صندوق دبلوماسية الجزائر.. ماذا قال عن تونس ومالي وليبيا والقمة العربية؟
- الجزائر تنعش اقتصادها بإحياء مشروعات قيمتها 30 مليار دولار
وقال في هذا الشأن إن "الجزائر ترغب في الانضمام إلى مجموعة بريكس، لن نستبق الأحداث وستكون هناك أخبار سارة، وشروط الانضمام إليها تتوفر عليها الجزائر".
وأكد على أن هذه المنظمة "هي قوة سياسية واقتصادية والجزائر دولة رائدة في عدم الانحياز تهمنا الانضمام إليها".
وفي الوقت الذي سارعت فيه مختلف وسائل الإعلام المحلية في الجزائر لرصد "ما قد تجنيه الجزائر اقتصادياً" بعد انضمامها إلى مجموعة الدول الـ5 الأسرع نموا في العالم، إلا أن خبراء دعوا لعدم التسرع في "التفاؤل المفرط" أو ربط احتمالات الإنضمام بما تتوفر عليه الجزائر من "شروط اقتصادية أو سياسية" تؤهلها لأن تكون "العضو رقم 6".
الدكتور عبد القادر مشدال استاذ العلوم الاقتصادية بجامعة الجزائر توقع في تصريح لـ"العين الإخبارية" أن يكون الانضمام الجزائري المرتقب لمجموعة "بريكس" "سياسياً بالدرجة الأولى".
واعتبر في المقابل بأن الشروط الاقتصادية التي تضعها مجموعة الـ5 "بعيدة عن الاقتصاد الجزائري"، مرجعاً ذلك إلى عدة عوامل، أبرزها استمرار ارتباط الاقتصاد الجزائري بعائدات النفط.
ومع ذلك، أكد الخبير الاقتصادي بأن الاقتصاد الجزائري "قوة عذراء و"عملاق نائم"، لكنه ليس مستغلا ويحتاج إلى إصلاحات عميقة واستثمارات ضخمة في عدة مجالات أبرزها الفلاحة والخدمات وغيرها.
رغم أن الرئيس الجزائري أكد في تصريحه بأن الجزائر "تتوفر بنسبة كبيرة فيها الشروط الاقتصادية للالتحاق بمجموعة بريكس"، وشدد على أن هذه المجموعة "تهم الجزائر لكونها قوة اقتصادية وسياسية".
وسبق للمجموعة أن كشفت عن احتمال انضمام دول أخرى "بسرعة وعلى مراحل" إلى مجموعة "بريكس"، وفي قمتها الأخيرة عبر تقنية التحاضر المرئي عن بعد، حضر القمة أيضا الرئيسان الجزائري عبد المجيد تبون والمصري عبد الفتاح السيسي.
مجموعة "بريكس"
"بريكس" اسم مشتق من الحروف الأولى باللاتينية للدول الأعضاء في المجموعة، وهي البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب أفريقيا.
وتأسست المجموعة عام 2009 من 4 دول، قبل أن تلتحق بها جنوب أفريقيا عام 2010، وتمثل الدول الـ5 الأسرع نموا في العالم.
و"بريكس" قوة اقتصادية صاعدة، إذ تمثل 25 % من إجمالي الناتج العالمي بقيمة 24.2 تريليون دولار.
تتصدرها الصين بـ17.7 تريليون دولار، ثم الهند بـ3.1 تريليون دولار، وروسيا بـ1.7 تريليون دولار، والبرازيل بـ1.6 تريليون دولار، ثم جنوب أفريقيا بواقع 419 مليار دولار.
"تفاؤل مُفرط"
هذه المعطيات والأرقام الرسمية الصادرة عن السلطات الجزائرية، اعتمد عليها الخبير الاقتصادي الدكتور عبد القادر مشدال في حديثه مع "العين الإخبارية" عن توقعاته لانضمام الجزائر إلى مجموعة "بريكس"، متوقعاً أن يكون التحاقها بها "بصفة مراقب" أو "لاعتبارات سياسية".
الأكاديمي الدكتور مشدال تحدث عن ما أسماه "معضلة اقتصادية" والتي قال إنها "مشكلة كبيرة يواجهها الاقتصاد الجزائري، إذ نتوهم بأن اقتصادنا قوي، والجانب السياسي يطغى على الجوانب الأخرى على رأسها التقنية والعملية والموضوعية، ومن حيث نتائج ومؤشرات الاقتصاد".
وتابع قائلا: "الناتج الداخلي الخام للجزائر بالكاد يصل إلى 150 مليار دولار سنوياً خاصة أن الاقتصاد الجزائري يرتبط بالأساس بمداخيل النفط، في حين أن هذه الدول الصاعدة في حدود تريليون دولار".
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن مجموعة "بريكس" "أرادت توسيع مجال المشاورة لبعض الدول التي تراها مهمة بالنسبة للمجموعة على مستوى القارة الأفريقية، وحضور الجزائر القمة الأخيرة لا يعني أنها تلبي شروط الانضمام إلا إذا كان الأمر كملاحظ وهذا ممكن جدا، على أساس أن الجزائر لاعب اقتصادي مهم على مستوى القارة الأفريقية".
وأضاف بأن الانضمام إلى مجموعة هذه الدول الصاعدة "التي تحرك الاقتصاد العالمي عن طريق الاستهلاك الكبير للصين والهند كقوتان عظيمتان وبالرغم من ذلك لم يلحقا إلى المستوى المتوقع منهما".
أسباب سياسية
وأوضح بأن دول مجموعة "بريكس" في "أداء اقتصادي عالي بحيث أنها تتقدم بدرجات حتى تصبح دول متقدمة ولها مستويات نمو عالية، وهذا ما تفتقر له الجزائر".
غير أنه عاد ليقول إن احتمال انضمام الجزائر "قد يكون في حال عمل المجموعة بمشورة الجزائر على أساس أن الجزائر دولة طاقوية ودولة فاعلة في القارة الإفريقية".
وأشار الدكتور مشدال إلى أن المجموعة "بحاجة إلى ممثلي بعض القارات الذين يملكون تأثيرا على مستوى قاراتهم كقوة سياسية، لأن أعضاء هذه المجموعة تملك نوعا من القوة في مواجهة الغرب".
وبالتالي – يضيف – أن هذه الدول "بحاجة إلى التوسيع من حيث المشاورة السياسية، وبما أنها مجموعة للدول الصاعدة فإن الجزائر بحاجة إلى مجهود لتنويع الاقتصاد".
شروط الانضمام
الخبير الاقتصادي تحدث أيضا عن الشروط الواجب توفرها في الاقتصاد الجزائري بما يسمح لها الانضمام إلى مجموعة "بريكس".
وبالإضافة إلى ضرورة تنويع الاقتصاد، تطرق الدكتور مشدال أيضا إلى "ضرورة زيادة حجم المداخيل خارج نطاق المحروقات، وعملية التنويع يجب أن تتأكد مع الزمن، وذلك بعد 4 إلى 5 أعوام، والجزائر بحاجة إلى تغيير في هيكلة مداخليها".
وفيما يتعلق بالقطاع الزراعي، اعتمد الخبير الاقتصادي على التصريح الأخير للرئيس الجزائري الذي تحدث فيه عن "استعمال التقنيات القديمة في المجال الفلاحي بالجزائر".
ولفت إلى أن "الجزائر تعاني من مشاكل اقتصادية مهمة يجب حلها، وفي حال تحسين المداخيل خارج النفط يمكن للجزائر أن تنضم إلى مجموعة الدول الصاعدة".
واستطرد قائلا: "لكن هذا لا يعني أن تحرم الجزائر نفسها من الانضمام إلى المشاورات السياسية المفتوحة في إطار مجموعة بريكس، وهي مهمة وتسمح للجزائر بالتموقع في الساحتين السياسية والاقتصادية العالمية، وهو منبر يسمح لها بجذب المزيد من الاستثمارات
مقومات اقتصادية
وعلى النقيض من ذلك، يرى خبراء اقتصاديون بأن الاقتصاد الجزائري "يملك كافة المؤهلات" للالتحاق بركب مجموعة "بريكس"، معتمدين في ذلك على مؤشرات اقتصادية، وأيضا على الاستراتيجية الاقتصادية الجديدة التي باتت تنتهجها الجزائر مؤخرا.
أول تلك المؤشرات التي تحدثوا عنها هو ارتفاع قيمة صادرات الجزائر خارج المحروقات للمرة الأولى في تاريخها إلى 4 مليارات دولار نهاية 2021، وسط توقعات بأن تصل مع نهاية العام الحالي إلى نحو 7 مليارات دولار.
بالإضافة إلى انتهاج الحكومة الجزائرية سياسة تنويع مصادر تمويل خزينتها، بعد فتحها مجالات الاستثمار الضخمة في قطاعات أخرى، على رأسها المناجم، وتوقعات بأن تتجاوز مداخيل الجزائر السنوية من استغلال مناجم الحديد والفوسفات والذهب وغيرها 10 مليارات دولار سنوياً.
الخبراء تحدثوا أيضا عن بروز الجزائر مؤخرا كقوة طاقوية في عز الأزمة الأوكرانية وحاجة أوروبا للغاز، ولجوئها إلى تغيير قانون الاستثمار ليكون جاذباً لرؤوس الأموال الأجنبية خصوصا المباشرة منها والتي لا تتعدى حاليا 1.3 مليار دولار، بحسب الحكومة الجزائرية.
كما أن قطاع الزراعة يعد من أبرز شروط انضمام الدول إلى مجموعة "بريكس"، وفي هذا الشأن يقول الخبراء الاقتصاديون إن الجزائر تتوفر على نحو 40 مليون هكتار صالحة للزراعة، وقدرات مائية ضخمة، الأمر الذي يؤهلها لأن تكون أحد محاور الأمن الغذائي في العالم.
أما عن رفع الجزائر حجم ناتجها المحلي، فيتفق جميع الخبراء على أن الجزائر بحاجة إلى زيادة قيمة الاستثمارات الأجنبية، وإصلاح نظامها المصرفي، والقضاء على السوق السوداء للعملات وغيرها.
aXA6IDMuMTM5LjIzNS4xNzcg جزيرة ام اند امز