غاز الجزائر وأزمة أوكرانيا.. انفجار نحس الاستثمارات والاحتياطات
هل كانت الحرب في أوكرانيا كاسحة لألغام تراجع الاستثمارات والاحتياطات بقطاع النفط الجزائري؟
معطيات وأرقام واتفاقيات وعقود ضخمة ومتسارعة بسرعة تدفق الغاز بالأنابيب وسرعة أصوات الرصاص بين أوكرانيا وروسيا، مع الطليان والصينيين والفرنسيين والأمريكيين والتايلنديين شهدها قطاع النفط الجزائري منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، وكأن سوناطراك النفطية الحكومية "قرأت كف" ما ستشهده أسواق النفط العالمية، وكيف سيكون وضعها في القارة الأوروبية التي تزودها بـ11 % من احتياجاتها الغازية بعد كل من روسيا والنرويج.
- ضارة "حرب أوكرانيا" نافعة للجزائر.. 7 اكتشافات نفطية ضخمة
- 3 اكتشافات نفطية وغازية في الجزائر.. تعاون جديد مع إيني
ومع اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا، باتت الجزائر إحدى عواصم العالم النفطية التي زارها وزراء خارجية دول كبرى، على رأسهم الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا والبرتغال وسلوفيينا، لعلها تكون إحدى المنافذ المنقذة من ورطة "الفقر الغازي" إثر التهديدات المتبادلة بين الأوروبيين والروس حيال وقف الإمدادات الغازية.
ويؤكد الخبراء الاقتصاديون في تصريحات متفرقة لـ"العين الإخبارية" بأن الجزائر "عرفت هذه المرة من أين تؤكل كتف الغاز"، ودرست جيدا خارطة الطاقة العالمية، وأتقنت لغة حروب الغاز الجديدة في العالم.
فصوّبت أسهم طموحاتها تجاه إيطاليا دون غيرها لتعزيز مكانتها الطاقوية عالمياً، وإبعاد شبح "أفول عصر النفط بها" الذي كان متوقعاً آفاق 2035، فشرعت في إخراج أوراق احتياطاتها الضخمة من البترول والغاز، كان من بينها "استثمار جزائري خالص تحدى عزوف الاستثمارات الأجنبية" مثلما حدث في بئر "الركايز".
موازنة ضخمة
ويرى الخبراء الاقتصاديون بأن ما ساعد سوناطراك على سرعة التكيف مع التحولات الحاصلة في الأسواق النفطية الدولية، هو استباقها الحرب الأوكرانية برصد موازنة ضخمة، مطلع الحالي قدرت بـ40 مليار دولار إلى غاية 2026.
وحدد عملاق النفط الجزائري أهداف الخطة الاستثمارية في الحصة الأكبر من الاستثمارات، التي ستتوجه للاستكشاف والإنتاج، بهدف الحفاظ على القدرات الإنتاجية الوطنية بعد تراجعها في السنوات الأخيرة.
أما ثاني حصة من قيمة الاستثمارات فستوجه لتمويل مشاريع التكرير، وأبرزت أهداف ذلك في "الاستجابة للطلب الوطني" في هذا المجال.
ومن بين الخطط الاستثمارية التي تنوي سوناطراك تحقيقها خلال الأعوام الأربعة المقبلة – بحسب حكار – إنجاز 4 مشاريع "على الأقل" في مجال البتروكيمياء.
كما أحدثت الحكومة الجزائرية "إصلاحات عميقة" على قانون المحروقات الذي عده المستثمرون الأجانب "أكبر عقبة"، وتسبب في تراجع احتياطات الجزائر النفطية وإيراداتها المالية.
وفي تصريح لـ"العين الإخبارية"، أكد الدكتور علاوة خلوط أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة الجزائر، على أن القانون الجديد للاستثمار "سد الثغرات وأعطى ضمانات كبيرة"، لكنه لفت في المقابل بأن ذلك "يبقى غير كاف ويحتاج إلى تحرير للاقتصاد".
واعتبر الأكاديمي الجزائري بأن رأس المال الأجنبي "بات مدللا"، ولم يعد كما كان يذهب إلى أي مكان، إذ يبحث عن الشروط التي تساعده.
طفرة مالية
من هنا وضعت الجزائر أولى الخطوات الداخلية والخارجية لتكون أحد الأرقام الصعبة في سوق النفط العالمية، وهو البلد الذي يؤكد الأوروبيون بأنه "الشريك الغازي الموثوق طوال 26 عاما".
وحققت الجزائر خلال الأشهر الأولى من هذا العام قفزة تاريخية بصادراتها وإيراداتها النفطية وصلت إلى 70 % خلال الأشهر الـ5 الأولى من هذا العام مقارنة بالفترة ذاتها من 2021، وفق أرقام قدمها توفيق حكار الرئيس المدير العام لمجمع "سوناطراك" النفطي.
وبلغت 21.5 مليار دولار إلى غاية نهاية مايو/أيار الماضي، مقابل 12.6 مليار دولار خلال الفترة ذاتها من 2021.
وفي وقت سابق، توقع "حكار" أن تبلغ عائدات الجزائر من تصدير النفط 50 مليار دولار مع نهاية العام الحالي، بفارق 15 مليار دولار عن 2021.
وأقر المسؤول الأول عن عملاق النفط الجزائري بأن أوضاع سوق الغاز الدولية "سمحت بزيادة الصادرات الجزائرية بنسبة 54 % عن طريق خطوط أنابيب الغاز، و13 % عن طريق المسار المميع" في إشارة إلى ناقلات النفط.
طفرة إنتاجية
وبالتوازي مع تداعيات الحرب الأوكرانية، سرّعت الجزائر من وتيرة استكشافاتها البترولية والغازية، لتتصاعد معها آمال الجزائر والأوروبيين لأن يكون النفط "منقذ اقتصاديات الجميع"، وهي الاكتشافات الضخمة التي لم تحقق الجزائر مثلها منذ 15 سنة كاملة.
وأكبر اكتشاف غازي كشفت عنه الجزائر، مطلع يوليو/حزيران الماضي، كان في حقل حاسي الرمل جنوبي البلاد، وأعلنت سوناطراك بأن التقييم الأولي أظهر وجود ما بين 100 و340 مليار متر مكعب من الغاز المكثف، وهي أكبر عملية تقييم للاحتياطات الجزائرية منذ عقدين كاملين.
كما حققت سوناطراك 3 اكتشافات نفطية أخرى منذ بداية العام الحالي، وتقع في منطقة "زملة العربي" الواقعة في "حوض بركين" جنوب شرق البلاد، بتقديرات أولية تصل إلى 140 مليون برميل من النفط، بالتعاون مع شركة "إيني" الإيطالية، وانتجت البئر خلال مرحلة الاختبارات الأولية 7 آلاف برميل من النفط يومياً، و140 ألف متر مكعب من الغاز المصاحب يوميًا، وفقاً لبيانات الشركة الحكومية.
بالإضافة إلى اكتشاف "بئر ترسيم" في منطقة حاسي مسعود الذي يقدر الاحتياطي النفطي به نحو 415 مليون برميل، وهو ما يرفع إجمالي احتياطات الخام في الحقل إلى 961 مليون برميل من النفط.
وأشارت الاختبارات – وفق بيان لسوناطراك – إلى أن البئر الجديدة أنتجت 5.094 آلاف برميل يوميًا من النفط، و186 ألف متر مكعب من الغاز الطبيعي.
والاكتشاف الثالث كان في منطقة "العوابد" بولاية البيض (جنوب)، في بئر "أولاد سيدي الشيخ" بمعدل تدفق وصل إلى 925 برميلً يوميا من النفط، و6 آلاف و456 مترا مكعبا يوميا من الغاز.
وتسعى سوناطراك إلى ما يصفه خبراء الطاقة بـ"الإنتاج المستعجل"، والذي يتوقع أن يصل إلى 10 ملايين متر مكعب يومياً من الغاز اعتبارا من نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وسط توقعات بأن يرتفع إنتاج الجزائر من الغاز مع نهاية العام الحالي إلى نحو 60 مليار متر مكعب.
وتقدر احتياطات الجزائر من الغاز الطبيعي نحو 2.3 تريليون، فيما يصل حجم استهلاكها الداخلي إلى نحو 45.8 مليار متر مكعب، وتقدر صادراتها الغازية نحو أوروبا بـ34.1 مليار متر مكعب، بينما ترتبط الجزائر بأفريقيا بصادرات تصل إلى 4.8 مليار متر مكعب.
طفرة عقود
تداعيات الحرب في أوكرانيا دفعت الجزائر إلى تغيير بوصلتها الغازية نحو إيطاليا، وباتت "الموزع الحصري" في القارة العجوز، بالتوازي مع أزمة دبلوماسية غير مسبوقة مع مدريد التي كانت قبل ذلك ذراع الجزائر الغازية الثانية في أوروبا.
وافتكت الجزائر وإيطاليا، أبريل/نيسان الماضي اتفاقاً وصف بـ"التاريخي" يقضي "برفع صادراتها الغازية إلى إيطاليا بمقدار 4 مليارات متر مكعب" وبدأ تنفيذه منذ الأسبوع الثالث لشهر يوليو/تموز لتصل بالمجمل إلى 25 مليار متر مكعب.
اتفاق ضخم آخر وقعته سوناطراك الجزائرية مع 3 شركات نفطية عالمية كبرى دفعة واحدة في يوليو/تموز، وهي "إيني" الإيطالية و"توتال" الفرنسية و"اوكسيدنتال" الأمريكية، بقيمة 4 مليارات دولار.
ويخص الرقعة التعاقدية بركين (كتلتي 404 و208)، الواقعة على بعد 300 كيلومتر جنوب شرق حاسي مسعود، وذلك لتنفيذ عمليات تطوير واستغلال هذه الرقعة عبر برنامج أشغال والذي يتضمن على وجه الخصوص: إجراء الدراسات الزلزالية ثلاثية الأبعاد بكثافة عالية، و حفر مائة (100) بئر نفطية، و تحويل 46 بئراً إلى آبار تعتمد على تقنية الضخ المتناوب للماء والغاز لتحسين استرداد المحروقات.
وكذا إنجاز مخططات توجيهية لتحسين أداء المنشآت الإنتاجية، واعتماد الحلول الرقمية لتسيير الحقول النفطية، و تنفيذ مشروعين (02) تجريبيين للاسترداد المعزز للنفط(EOR) ، و إجراء دراسات ومشاريع بيئية متعلقة بخفض البصمة الكربونية.
مؤشرات القوة والضعف
ورغم طفرة الاكتشافات والعقود، إلا أن الخبراء الجزائريين انقسموا بين من عدها مؤشرات قوة دفعتها للمرة الأولى إلى إعادة النظر في أسعار غازها المورد إلى جميع شركائها.
وبين من اعتبرها غير قادرة على استغلال فرصة التموقع عالمياً وضعيفة مقارنة بالاحتياطات، رغم إقرار الجزائر رسمياً
وقدم الخبيران أحدهما في تصريح لـ"العين الإخبارية"، 4 مؤشرات لأن تكون الجزائر في "موقع قوة" في خضم احتمال توقف الإمدادات الروسية الغازية نحو أوروبا، مستبعدين في السياق أي تعوض الجزائر حصة موسكو الغازية.
وأشار الخبير الاقتصادي الدكتور علاوة خلوط لـ"العين الإخبارية" بأن الجزائر "مرتبطة بعقود طويلة ومتوسطة الأمد مع شركائها الأوروبيين وملزمة باحترام هذه العقود"، لكنه لفت في المقابل إلى عدم قدرة الجزائر الكبيرة على على زيادة انتاجها الغازي أو النفطي، وتحتاج لفترة طويلة لزيادة انتاجها.
فيما أشار الخبير الطاقوي الجزائري مهماه بوزيان في منشور عبر موقع "فايسبوك" رصدته "العين الإخبارية" إلى ما أسماه "طبيعة العقيدة الوطنية الجزائرية التي تحكم سياستها الخارجية"، والتي حصرها في 4 نقاط.
واعتبر بأن "الجزائر لا تستثمر في مآسي الآخرين، ولا تتعاطى مع حرب الحصص في تجارة النفط أو الغاز".
مضيفاً بأن الجزائر "تعتبر المحروقات هي موارد طاقوية استراتيجية ينبغي التعامل معها في العلاقات بين الدول على أساس تجاري وعلى أساس عقود تمضيها الشركات الطاقوية التجارية، وعلى أساس المصالح المتبادلة".
أما النقطة الثالثة التي فصل فيها الخبير الطاقوي فهي أن "الجزائر تُقاسِم أولويات التفاهمات مع من يُراعي المصالح المستدامة البعيدة المدى، وله الأولوية عن كل باحث عن مصلحة آنية قصيرة أو ضيّقة أو محدودة الأفق، وليس على أساس محاصصات سياسية أو بناءً على أسعار تفرضها دول، فهذا المفهوم خاطئ و لا تتعاطى معه الجزائر".
وأكد على أن "الجزائر لا تنتسب رسمياً أو هيكلياً إلى أي معسكر قائم محدد الأطر والأحلاف والمهام والالتزامات حتى مع روسيا، بما يستوجب من الجزائر المجاهرة بمعاداة أعداء روسيا، فحتى الصين لم تفعل ذلك اليوم، رغم كل التوافقات السياسية والنظرة المشتركة في موازين العلاقات الدولية بين الجزائر وروسيا التي تنشد عالماً متعدد الأقطاب، إضافة إلى العلاقات التاريخية الممتازة المتعددة المجالات والمستويات التي تربط الجزائر وروسيا".
وختم منشوره بالإشارة إلى أنه "وبخلاف هذا المنطق لا يمكن للجزائر عبر الفاعل الاقتصادي والتجاري لها (ألا وهو سوناطراك) الدخول في أية أعمال أو تعاملات لا تحكمها قواعد التجارة والتعاقد الطويل الأجل، ليس لعجز لدى الجزائر، بل لأن صناعة الغاز في كل دول العالم تحكمها، من الجانب التقني، سيرورة إنضاج حقول جديدة للغاز من خلال ضخ استثمارات معتبرة، بناء على معطى ضمان أسواق توريد مستديمة للغاز، والعقود الطويلة الأجل هي الضمان لذلك، فلا يمكن لأي منتج للغاز في العالم (الجزائر أو قطر أو غيرهما) إرهاق قدرات الإنتاج لديه بما فيها قدرات الإنتاج الإضافية بغرض استرضاء جهة ما أو مسايرة أي أحد في إغراءاته أو ضغوطاته".
أما الخبير الطاقوي والاقتصادي البروفيسور عبد الرحمن مبتول فقد اعتبر بأنه رغم الاكتشافات الضخمة التي حققتها سوناطراك إلا أنها "تبقى محدودة" وتؤثر على مساعي الجزائر لتعزيز مكانتها الطاقوية عالمياً، رغم التصريحات الرسمية التي توقعت أن ترتفع حصة الجزائر من حاجيات أوروبا الغازية إلى نحو 20 % في غضون 2026.
وفي الوقت الذي يرى فيه خبراء اقتصاديون آخرون بأن الجزائر "في رواق مريح" وتملك أوراقاً قوية وليست في ورطة غازية مع أوروبا، إلى أن الخبير الاقتصادي البروفيسور عبد الرحمن مبتول كشف لـ"العين الإخبارية" عن معطيات أخرى مرتبطة بـ"تراجع صادرات الجزائر من الطاقة نحو أوروبا منذ 2007".
وأوضح بأن "الرقم الرسمي الحكومي في الجزائر، فإن صادرات الجزائر بين عامي 2007 و2008 من الغاز كانت 65 مليار متر مكعب، وفي 2021 صدرت الجزائر 43 مليار متر مكعب، والاستهلاك الداخلي وصل تقريباً إلى 40 مليار متر مكعب".
وأضاف بأن "الانتاج يتم حسابه من الاستهلاك الداخلي والصادرات، وحجم الانتاج الإجمالي يصل إلى نحو 100 مليار متر مكعب، ومنها 10 إلى 15 بالمائة ما يبقى في الآبار، ونحو 45 بالمائة صادرات، وتقريبا نحو 40 بالمائة توجه للاستهلاك المحلي".
أما فيما يتعلق بالبترول، فقد لفت "مبتول" لـ"العين الإخبارية" بأن صادرات الجزائر كانت أكثر من مليون برميل يومياً، و"تقرير الأوبك يقول أن الجزائر في 2021 صدرت 500 آلاف برميل يومياً فقط".
وأشار أيضا إلى "تراجع الاستثمارات الأجنبية بقطاع الطاقة الجزائري، وعدم توجه الجزائر في السنوات الأخيرة نحو الانتقال الطاقوي".
وتحدث البروفيسور مبتول عن حصوله على معلومات رسمية تشير إلى "عدم قدرة الجزائر على تزويد إيطاليا بأكثر من 4 مليار متر مكعب من الغاز، وأنبوب ترانسميد قدرته نحو 38 مليار متر مكعب، ولكن في 2021 صدرت الجزائر فقط 21 مليار متر مكعب، وحجم الصادرات الإجمالي 25 مليار متر مكعب".
aXA6IDMuMTQxLjM4LjUg جزيرة ام اند امز