استثمارات إيطاليا بالجزائر.. الطاقة تنافس"أنغام البارود الأوكراني"
لم تعد تلك الاعتبارات التاريخية المتحكم الوحيد في علاقات الجزائر بإيطاليا والعكس، بل باتت أمام اعتبارات الحاضر اختبارا للماضي.
وتعتبر إيطاليا من أكبر زبائن الجزائر وشركائها المحسوبين على "التقليديين"، ومن أكبر المستثمرين خصوصاً في مجال الطاقة، بل تعد إيطاليا "المستثمر التاريخي" بالقطاع الاستراتيجي للجزائر منذ 60 عاما.
- اتفاقيات جديدة بين سوناطراك وإيني.. تسريع حقول الغاز بالجزائر
- حروب الغاز.. قرار جزائري مفاجئ: إيطاليا موزع "حصري" لأوروبا
وجاءت زيارة الرئيس عبد المجيد تبون إلى روما والأولى من نوعها لرئيس جزائري منذ 18 عاماً، في سياقين اثنين، الأول هو عودة تحرك محور الجزائر – روما منذ أزمة كورونا من خلال تبادل الزيارات بين البلدين و"على أعلى مستوى".
والثاني فرضته تداعيات الأزمة الأوكرانية التي وضعت علاقات الجزائر مع بعض شركائها على المحك بينها إسبانيا، إلا إن إيطاليا التي كانت أكثر الدول الأوروبية المتضررة من جائحة كورونا، يبدو بأنه "لا تريد أن تلدغ من حجر الأزمات الدولية مرتين"، فقد حرصت على "تقريب التقارب" مع الجزائر ودول أخرى لإنقاذ اقتصادها المتعثر من "ركود كورونا".
أسباب التقارب
ويرى مراقبون، بأن روما التي أبدت رغبة واضحة وصريحة في تقليل اعتمادها على تدفقات الغاز الروسي، عالجت تداعيات الأزمة الأوكرانية بشكل بدا مختلفاً إلى حد ما مع شركائها الأوروبيين، وراحت تبحث عن "مكانة جديدة" في الحقل الأوروبي، لتكون أحد المستفيدين من الحرب الروسية في أوكرانيا على الأقل في المدى المتوسط.
والمؤكد ثبت الخميس، إذ بدأت إيطاليا جني ثمار "بارود الحرب الأوكرانية الذي انتقلت رائحته إلى المتوسط"، وكانت "أكبر مستفيد أوروبي" من الأزمة الأخيرة والمتصاعدة بين الجزائر ومدريد.
والخميس، قررت الجزائر بشكل مفاجئ "تغيير بوصلتها الغازية" الخاصة بأوروبا نحو إيطاليا، والتي باتت اعتبارا من اليوم "الموزع الحصري للغاز الجزائري في أوروبا"، بعد أن كانت شريكة في ذلك مع إسبانيا.
وفي مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الإيطالي سيرجيو ماتاريلا بروما، أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بأن "إيطاليا ستكون الموزع للغاز الجزائري إلى أوروبا بعد زيادة الإمدادات إليها".
الرئيس عبد المجيد تبون أكد التزام الجزائر بـ"صيانة الصداقة مع إيطاليا في جميع المجالات على غرار الطاقة"، وأكد بأن "الجزائر ملزمة دولياً ومعنوياً وأخلاقياً بصيانة الاتفاقيات التي توقعها مع الآخرين، فما بالك بإيطاليا الصديقة".
وأعلن بأن عملاق النفط الجزائري "سوناطراك" سيعمل مع شركة "إيني" الإيطالية "على التنقيب عن موارد إضافية من الغاز"، ما يعني بأن الشركة الإيطالية ستحصل على المزيد من المشاريع في الجزائر.
واستطرد قائلا: "ملتزمون بتلبية حاجيات إيطاليا وهناك ارتباط عضوي بين البلدين في مجال الطاقة".
وإذا كانت إيطاليا تبحث عن "استقلال غازي بعيدا عن روسيا"، فإن للجزائر أوراقها أيضا الممتلئة أيضا بالدوافع التي تجعلها تسرع من وتيرة الاتفاقيات الاقتصادية مع إيطاليا وغيرها.
ولعل من أبرزها – وفق تحليلات خبراء اقتصاديين – هو "رغبة الجزائر في الابتعاد عن الهيمنة الفرنسية على اقتصادها"، وكذا البحث عن شركاء تجاريين آخرين "خارج دائرة التقليديين".
وإن كانت إيطاليا تشكل الاستثناء في السياسة الخارجية والاقتصادية الجزائرية الحالية، إذ سبق للرئيس الجزائري وأن أبدى "إعجابه بالنموذج الاقتصادي الإيطالي" واعتبره "الأقرب إلى الجزائري مقارنة بالفرنسي" كما قال.
كما تسعى الجزائر من خلال توجهها الاقتصادي الجديد إلى جلب استثمارات جديدة بمختلف القطاعات من خلال قانون الاستثمار الأخير الذي تضمن "تسهيلات للمتعاملين الأجانب"، في محاولة لتخليص اقتصاد البلاد من هيمنة عائدات المحروقات على مداخليه وموازنته العامة.
حضور قوي
والواقع، فإن العلاقات الاقتصادية بين الجزائر وإيطاليا خلال العقود الـ6 الأخيرة شهدت تطورا كبيرا، تجلى ذلك في الاستثمارات الإيطالية الضخمة التي تقودها شركة "إيني"، ما جعل قطاع الطاقة يحتل صدارة العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
ووفق مؤشرات رسمية في البلدين، فإن إيطاليا تعتبر "أول زبون للغاز الجزائري" بنحو ثلث غازها المصدر سنوياً، فيما تعتبر الجزائر "ثاني مورد" للغاز إلى إيطاليا بعد روسيا، كما تحتل إيطاليا المرتبة الثانية ضمن دول الاتحاد الأوروبي الممونين للجزائر.
وفيما يتعلق بحجم التبادلات التجارية بين البلدين، فقد وصلت إلى نحو 6 مليارات دولار مع نهاية العام الماضي، بينها 3.5 مليار دولار صادرات جزائرية يغلب عليها النفط، و2.42 مليار دولار ورادات من إيطاليا ترتكز أساساً حول التجهيزات.
ويبقى قطاع الطاقة "وقود العلاقات" الاقتصادية بين الجزائر وإيطاليا، حيث تسعى إيطاليا لتعزيز تواجدها الاستثماري بقطاع الطاقة في الجزائر، لكن بوابة أخرى.
حيث دخلت في مفاوضات، منذ بداية العام الحالي، للاستحواذ على أصول شركتي "بريتيش بيتروليوم" البريطانيتين.
والخميس، وقعت شركتا "سوناطراك" الجزائرية و"إيني" الإيطالية على مذكرة تفاهم لتعاون مزيد في مجال الطاقة، وقعها المديرين العامين لعملاقي النفط بالبلدين توفيق حكار كلاوديو ديسكالزي على هامش زيارة الرئيس الجزائري "التاريخية" إلى إيطاليا.
ووفق نص الاتفاقية التي اطلعت "العين الإخبارية" على محتواها، فقد تضمنت "تسريع تطوير حقول الغاز في الجزائر، وإزالة الكربون من خلال الهيدروجين الأخضر".
وكذا "تقييم إمكانات الغاز وفرص التطوير السريع لبعض الحقول التي اكتشفتها سوناطراك بالصحراء الجزائرية".
وتوقعت مذكرة التفاهم بين عملاقي النفط الجزائري والإيطالي بأن تساهم أحجام انتاج الغاز المتوقعة من المناطق التي تشملها الاتفاقية في "زيادة الطاقة التصديرية للجزائر إلى إيطاليا عبر خط أنابيب ترانسميد، والتي تبلغ حوالي 3 مليارات متر مكعب سنوياً.
ونصت الاتفاقية الجزائرية – الإيطالية أيضا على "التقييم الفني والاقتصادي لمشروع تجريبي للهيدروجين الأخضر في بئر رباع شمال (BRN)"، في الصحراء الجزائرية.
وهو الاتفاق الجديد الذي يأتي بعد الاتفاق الأخير الموقع بين البلدين في في أبريل/نيسان الماضي، حيث افتك رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي، اتفاقاً غازياً وصفه بـ"التاريخي والنموذجي" يقضي بزيادة إمدادات الجزائر الغازية نحو روما.
حيث يرتقب أن تصل كميات الغاز الجزائرية المصدرة إلى إيطاليا عبر أنبوب "ترانسميد" إلى نحو 9 مليارات متر مكعب إضافية سنوياً بين عامي 2023 و2024.
وتونس هي ممر استراتيجي لثالث أنبوب غازي جزائري نحو أوروبا وتحديدا إلى إيطاليا وهو أنبوب "ترانسماد"، ويصل طوله إلى نحو 2485 كيلومتر، فيما تقدر قدرة نقله للغاز الطبيعي نحو 33.7 مليار متر مكعب، ويضمن تزويد 3 دول بالغاز الطبيعي وهي تونس وإيطاليا وسلوفينيا.
ونهاية العام الماضي، وقعت شركتا "سوناطراك" الجزائرية و"إيني" الإيطالية اتفاقاً للاستكشاف والإنتاج بمنطقة حوض بركين تقدر بنحو 1.4 مليار دولار، ويصل إنتاجه إلى 45 ألف برميل يوميا من المكافئ النفطي.
كما أوضحت الشركتانب أن العقد يغطي مساحة 7880 كيلومتر مربع بالجزء الجنوبي من حوض بركين، حيث تعمل شركتي سوناطراك وإيني منذ 2013.
"ترانسميد" شريان عربي أوروبي
و"ترانسميد" أنبوب الغاز الذي يمون ايطاليا بالغاز الجزائري منذ دخوله حيز الخدمة سنة 1983 مروار بتونس، حيث تم إبرام عقد بيع بين مجمع "سوناطراك" والمجمع الايطالي "ايني" حول تصدير 12.3 مليار متر مكعب سنوياً على مدار 25 سنة.
وتم تجديد العقد مع رفع الحجم في سنة 1990 ليتم بعد ذلك تمديده في مايو/أيار 2019 الى غاية 2027 مع إضافة عامين إلى غاية 2029 .
ومقابل عبور أنبوب الغاز بترابها وصيانة الجزء الخاص بها، تتسلم تونس نحو 6 بالمئة من الغاز المنقول.
فيما يتكون نظام نقل وتصدير الغاز الطبيعي للجزائر نحو ايطاليا من ثلاثة أجزاء من أنابيب الغاز، حيث أن الجزء الموجود بالتراب الجزائري (أنبوب الغاز أنريكو ماتي) الرابط بين حقول الانتاج لـ"حاسي الرمل" بمحطة عداد الغاز لـ"واد صفصاف" الواقعة على الحدود الجزائرية التونسية.
أما الجزء الموجود بالتراب التونسي (أنبوب الغاز TTPC العابر لتونس) و الذي يربط بين محطة ضغط الغاز بمنطقة "فريانة" على الحدود الجزائرية التونسية ومحطة ضغط الغاز بكاب بون على البحر المتوسط .
والجزء المغمور بالبحر "sea-line" وهو أنبوب غاز مغمور بالبحر يعبر مضيق صقيلية لـ"كاب بون" إلى مازارا ديل فالو، والتي تعتبر نقطة الدخول الى ايطاليا، وتقدر طاقات نقله للغاز بـ33.15 مليار متر مكعب سنوياً.
وفي عام 2020، صدّرت الجزائر نحو إيطاليا 14.8 مليار متر مكعب من الغاز، بزيادة نسبتها 12 % مقارنة بعام 2019، وهو ما رفع حصة الجزائر في السوق الايطالية بـ22 % عام 2020 مقابل 18 % في 2019.
aXA6IDE4LjE5MS44Ny4xNTcg جزيرة ام اند امز