الدَّاير.. عادة ترميم العلاقات وصلة الرحم في "رمضان الجزائر"
رمضان شهر مقدس عند الشعب الجزائري، لا يتجلى ذلك فقط في أطباقهم التقليدية فقط، بل في طقوسه الروحانية.
- جزائريون يستقبلون رمضان بـ"التشعبينة".. ما علاقتها بعادات قريش؟
- الوزيعة.. عادة جزائرية للتكافل الاجتماعي في رمضان
طقوس تختزلها عادات قديمة متوارثة منذ مئات السنين، بينها المستوحاة من الدين الإسلامي الحنيف أو من التقاليد الأصيلة لهذا الشعب العربي المسلم.
ويولي الجزائريون أهمية كبيرة للجانب الديني والروحاني في شهر رمضان، يبدأون التحضير لها حتى قبل دخول الشهر الفضيل من مساجدهم، التي يتطوعون لتنظيفها وتزيينها وتعطيرها، والحال نفسه مع منازلهم، وكل ذلك من أجل استقبال الضيف الكبير أحسن استقبال.
وبعد أن مُنعت عنهم الصلاة في المساجد العام الماضي بسبب تفشي جائحة كورونا، عادت أجواء رمضان من مساجد الجزائر التي لا تخلو من المصلين والراغبين في المكوث بها لقراءة القرآن الكريم، ومعها صلاة التراويح الذي تعد إلزامية عند كثير من الجزائريين.
وبعد صلاة التراويح تبدأ سهرات الجزائريين بين العائلة والأحباب والجيران والأصدقاء، وتختلف تلك الجلسات من منطقة إلى أخرى ومن منزل إلى آخر.
جلسات ترتقي إلى عادة رمضانية قديمة في جنوب الجزائر، وتحديدا في ولاية ورقلة الواقعة في الجنوب الشرقي من الجزائر، وتبعد عن العاصمة بنحو 785 كيلومترا.
وعلى غرار ولايات جنوب الجزائر، يُعرف سكان ورقلة بكرمهم وجودهم وهدوئهم وتمسكهم أيضا بدينهم الإسلامي الحنيف، وهو التمسك الذي يترجمونه أيضا في شهر رمضان المبارك.
طقوس "الدَّاير"
ويرتبط شهر رمضان في ولاية ورقلة الجزائرية بعادة قديمة جدا اسمها "الدَّاير"، ليست مجرد عادة اجتماعية، بل هي عادة راقية تحمل في كل تفاصيلها قيم التسامح والتماسك الاجتماعي المنسجم مع تعاليم الإسلام.
و"الدَّاير" يمكن تشبيهها بمشاهد متتالية لعمل سينمائي أو وثائقي، تنطلق بعد صلاة التراويح، ما زال سكان ورقلة متمسكين بها منذ مئات السنين.
تتمثل هذه العادة في لقاء في كل أيام رمضان بعد صلاة التراويح بين سكان منطقة معينة أو حي شعبي بالمدينة أو أفراد العائلة في بيت أحدهم.
ومن هنا تبدأ مشاهد تلك العادة الاجتماعية، عندما يجد الضيوف في بيت المضيف سفرة متنوعة من أطباق وحلويات تقليدية، يكون فيها الشاي الصحراوي "ملك الجلسة" الذي لا يمكن الاستغناء عنه.
ومن أبرز الأكلات التقليدية التي يتم تحضيرها لاستقبال ضيوف "الدَّاير" أطباق متنوعة من المكرونة و"التشيشة" المصنوعة من مادة "الفريد" وغيرها.
أما عن سر تسميتها بعادة "الدَّاير"، فيعود ذلك إلى توالي تلك السهرات طوال أيام رمضان "بشكل دائري عند كل بيت" حسب موقع الحاضرين في الجلسة التي تكون بشكل دائري، وهو الموقع الذي يحافظون عليه في كل الجلسات طوال أيام رمضان.
يبدأ أصحاب "الدَّاير" بتناول تلك المأكولات وتبادل الحكايات والسمر، ثم يختمونها بقراءة جماعية للقرآن الكريم، وتبادل القصص والمعلومات الدينية وأهاليل دينية في مدح الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
ويمتد ذلك إلى غاية اقتراب موعد السحور، ومدة عادة "الدَّاير" في كل ليلة تقارب الـ4 ساعات، على أن يتم تحديد منزل جديد يجتمعون فيه في اليوم التالي، ويفترقون للتسحر وأداء صلاة الفجر.
ومن أهم مميزات عادة "الدَّاير" الجزائرية أنها تهدف إلى "تعزيز أواصر المحبة والأخوة وصلة الرحم وترميم العلاقات الاجتماعية بين الجيران أو العائلات من أي خلافات أو نزاعات".
ويقول أهل ورقلة إن عادة "الدَّاير" "تمحي" رواسب وهموم الحياة اليومية ومشاكلها في جلسة واحدة، تذكرهم بأهمية التعايش فيما بينهم، ويركزون في ذلك على قصص بها عِبر ومواعظ التآخي.
"المعروف" و"الذواق"
والجميل في عادات أهل جنوب الجزائر عموماً وولاية ورقلة خصوصاً، هو أن عادة "الدَّاير" "هي آخر عادة يومية" يطبقونها، حيث يستبقونها بعادات أخرى لا تقل قيمتها الدينية والإنسانية.
ومن أبرزها عادة "المعروف" التي تشتهر بها عدة مناطق من هذه الولاية الصحراوية، حيث يقومون بالتبرع بالأكل والشرب للمصلين بالمساجد "بعد صلاة التراويح".
ولأنهم أهل الكرم والجود، لسكان ورقلة كما في معظم الولايات الصحراوية الجزائرية عادة أخرى تسمى عادة "الذواقة".
ومن اسمها يتبين بأنها مشتقة من كلمة "الذوق"، حيث تتبادل العائلات الأطباق والأكلات التقليدية وحتى العصرية قبل موعد الإفطار.