الوزيعة.. عادة جزائرية للتكافل الاجتماعي في رمضان
لرمضان في الجزائر طعم خاص، تختلف مظاهره وعاداته من منطقة لأخرى، وتلتقي جميعها عند التمسك بالموروث الشعبي والثقافي.
ولا يزال أهل هذا البلد العربي يتمسكون بعادات قديمة تعود معظمها لمئات السنين، توارثوها وحافظوا عليها خاصة في المناسبات الدينية.
- عادات وتقاليد رمضانية | "مذبحة البط" عادة عمرها 163 عاما
- "نخبز لغزة".. تفاصيل مبادرة فتيات من ذوات الهمم في رمضان
ولعل شهر رمضان المبارك فرصة مواتية لتجدد تلك العادات التي تختصر في مضامينها عدة قيم دينية وإنسانية، أبرزها التكافل الاجتماعي وتذكر الميسور للفقير، واستقبال رمضان بأبهى حلة، لتطفو شلالات الرحمة على سطح أفضل الشهور عند الجزائريين على غرار جميع الشعوب العربية والإسلامية.
عادة "تيمشراط"
وأنت تتنقل في شهر رمضان بعدد من قرى ومداشر الجزائر، خصوصاً بمنطقة القبائل الأمازيغية يخيل لك أنك أمام أجواء تحضيرات لعرس في تلك المنطقةJ وهي كذلك، إذ تنتشر بتلك المناطق عادة اسمها "الوزيعة" أو "تمشرط" أو "تيمشراط" باللهجة الأمازيغية>
وتتكرر هذه العادة في كل المناسبات الدينية، إذ يولي أهل تلك المدن أهمية قصوى لشهر رمضان، فشهر مبارك في معتقداتهم مثل الزواج وكل ما له صلة بالفرح.
نعم، هو شهر عندهم للفرح والتكاتف والتكافل الاجتماعي من خلال عادة "الوزيعة" التي تبقى ذلك التقليد الاجتماعي الراسخ في عدد كبير من مناطق الجزائر.
ومنطقة القبائل الأمازيغية، هي من أكثر المناطق الجزائرية التي تعد نموذجاً لـ"تمشرط"، حيث يقوم أعيان وكبار المنطقة وميسوري الحال بجمع مبالغ مالية، وبمشاركة مختلف العائلات لشراء بقرة أو عجل أو أكثر، ويتم توزيع لحمها "بالتساوي" على أهل القرية بـ"فقرائها وأغنيائها بالتساوي".
ما يعني أنه لا يمكن لأهل القبائل في كثير من قراها ومناطقها، أن يصوموا رمضان "وبينهم محتاج"، فهي عادة راقية وأصيلة ومتجذرة تهدف للحفاظ على تماسك المجتمع، ونابعة من فهمهم العميق لدينهم الحنيف.
أقدم من دخول الإسلام
ويؤكد أهالي هذه المناطق الجزائرية بأن عادة "الوزيعة" قديمة حتى قبل دخول الإسلام إلى الجزائر، أي قبل أزيد من 1351 عاماً، إذا ما أخذ في الحسبان تاريخ وصول الدين الإسلامي للجزائر من 670 ميلادي إلى 711 ميلادي في عهد الدولة الأموية بحسب الدراسات التاريخية.
ويقول الباحثون في التاريخين الإسلامي والأمازيغي بالجزائر، إن هذه العادة رغم أنها أقدم من وجود الإسلام بالجزائر، إلا أن هذا الدين الحنيف "أفرغها وخلصها من معتقدات وثنية" وجعلها أقرب إلى تعاليم الدين الإسلامي.
وتذكر الأبحاث والدراسات، بأن "الوزيعة" كانت عبارة عن "طقوس وثنية يقوم خلالها البربر بالتقرب من القوى الغيبية من خلال الذبائح"، كما كانت مرتبطة بالمواسم الزراعية التي كان ولا تزال أمازيغ الجزائر يولونها اهتماماً بالغاً وترتبط معظم مناسباتهم الثقافية وعاداتهم بتلك المواسم التي تشمل الحرب والزرع والحصد.
يهدف سكان تلك البلدات والقرى من خلال تلك العادة الاجتماعية لإشاعة الفرح وتعزيز قيم التكافل الاجتماعي وغرس روح التضامن في الأجيال الجديدة لتحمل هي الأخرى مشعل التكافل الاجتماعي مستقبلا.
عادة للمصالحة
يتم التحضير لعادة "الوزيعة" لعدة أشهر كاملة قبل دخول شهر رمضان، إذ وبعد اجتماع أعيان القرى، يبدأ الكبار في جمع التبرعات المالية من أهلها وحتى ممن اختاروا الهجرة خارج البلاد، ثم يشترون بين عجل أو بقرة أو إلى 5 عجول حسب تعداد سكان تلك القرية أو الحي السكني.
يتشارك خلالها أهالي البلدة في عملية ذبح العجل أو العجول في أجواء من الفرح وأقرب منها للأجواء العائلية، ثم يقومون بتقسيم لحمها بالتساوي ووضعها في أكياس بلاستيكية، وتوزع بعدها بالتساوي على سكان تلك المنطقة، على أن تكون الأولوية في التوزيع للفقراء والمحتاجين، وتتكرر العملية في منتصف رمضان وليلة القدر، وتشهد عادة تنازل ميسوري الحال عن نصيبهم لصالح الفقراء.
وتنظم العادة أيضا في المناسبات الدينية والاجتماعية الأخرى خصوصاً في عيد الفطر وعاشوراء وذكرى المولد النبوي الشريف، ورأس السنة الأمازيغية وفي الأعراس.
عادة "تمشرط" أو "الوزيعة" ليست مخصصة فقط لتوزيع اللحم على الفقراء، بل لها أهداف أخرى سامية لا تتوقف عند قيمة التكافل الاجتماعي، بل تمتد أيضا لأن تكون فرصة لحل الخلافات والنزاعات بين أفراد تلك البلدة أو بين القرى، وأيضا لإطلاق مشاريع تطوعية مثل تنظيف القرى وتزيينها لاستقبال شهر رمضان أو أي مناسبة دينية أخرى.
aXA6IDE4LjIyNi4yMTQuOTEg
جزيرة ام اند امز