مصلى المستجاب.. عادة دينية مقدسة لـ"تشييع" المسافرين جنوب الجزائر
تمثل الصحراء الجزائرية 20% من الصحراء الكبرى في أفريقيا، و80% من مساحة البلاد بأكثر من 2 مليون كيلومتر مربع.
لكن تلك المساحة الشاسعة ليست مجرد رمال تغطي معظم مساحة الجزائر، بل "جنة على الأرض" كما يجمع السياح على وصفها عند زيارتهم إلى هذا البلد العربي.
- جامع سيدي رمضان.. صرح جزائري شامخ منذ 10 قرون
- جزائريون يستقبلون رمضان بـ"التشعبينة".. ما علاقتها بعادات قريش؟
قد يكون ذلك تعبيرا مجازياً، لكن حبات تلك الرمل الذهبية شاهدة على عراقة وتاريخ وحضارات وُلدت من تلك الصحراء الشاسعة أو مرّت عليها، تسيّدت أفريقيا في مراحل تاريخية وكانت همزة وصل بين الجزائر وعمقها الأفريقي.
ومن بين مدن الصحراء الجزائرية "الفريدة" في كل تفاصيلها، توجد مدينة "غرداية" أو "تايردايت" أو "تاغردايت" باللهجة الميزابية الأمازيغية لسكان المدينة العريقة التي تبعد عن العاصمة الجزائر بنحو 600 كيلومتر، والمصنفة منذ 1982 كمعلم تاريخي ومكسب للحضارة الإنسانية من طرف منظمة اليونسكو، نظرا للهندسة المعمارية الفريدة من نوعها في كل ربوع الجزائر.
وتشكل غَرْداية نموذجا رائعا على الصحراء الجزائرية، حيث تحولت من صحراء قاحلة إلى واحة من أكبر واحات الجزائر، كما تشتهر غَرْداية بوجود حيوانات نادرة، كالظبي، الغزال، والفنك.
كما عرفت غَرْداية منذ العصر الحجري عديد الحضارات التي تشهد عليها الصناعات الحجرية، والنقوش الصخرية، والمعالم الجنائزية.
وخلال الفترة الإسلامية عرفت تجمعات سكنية على شكل قصور عتيقة تبدو موحدة في شكلها ومتجانسة في ألوانها، ما جعل هذه المدينة تختلف عن بقية المدن الجزائرية، المعروفة بعمرانها وقصورها المتعددة، حملت تسميات عربية وبربرية.
"مُرتفع مقدس"
ومن بين الأماكن التي تميز غرداية الجزائرية يوجد مكان يسمى "مصلى المستجاب"، قد يُخيل للبعض بأنه "مسجد" أو "زاوية"، هو ليس كذلك، بل هو مكان "مقدس" عند أهل غرداية مثل المسجد لكن "بدون جدران وسقف وأعمدة".
إذ يعتبر "مصلى المستجاب" "مكاناً مقدساً" في منطقة "واد ميزاب" بولاية غرداية، وهو مكان عالٍ يقع بأعالي جبل "بوهراوة" الذي يطل على كل مدينة غرداية، ومطلي باللون الأبيض المائل إلى الأزرق.
تقام في ذلك طقوس دينية يعتبرها أهل غرداية "مقدسة"، يعتبرون بأنه مكان "يُستجاب فيه الدعاء"، ويتحدثون عن "شعور غريب" ينتابهم عند صعودهم إلى "مصلى المستجاب" ودعائهم لله عز وجل بأن يستجيب لدعواتهم.
"تشييع" المسافرين والحجاج
غير أنه في معتقدات أهل غرداية، فإن الأولوية في ذلك المكان للمسافرين والحجاج، الذين يتنقلون عبر كل تلك المسافة الطويلة في أجواء الحر التي تُعرف بها المدينة بطقوس خاصة تشبه إلى حد ما عادات توديع العروس من قبل أهلها.
وتسمى تلك الطقوس أو العادة "تشييع المسافر" أو "تشييع الحاج"، ليس إلى مثواه الأخير طبعا، بل إلى المكان الذي قرر التوجه له خارج مدينتهم.
تبدأ الطقوس باجتماع أهل المسافر للعمل أو إلى الحج في أحد أقدم أسواق غرداية ويسمى "رحبة السوق" ويتوجهون إلى "مصلى المستجاب" وهم يرددون مدائح وأناشيد دينية.
وبعد وصولهم يتوجهون إلى القبلة ويصلون صلاة شكر ثم يدعون الله عز وجل بالتوفيق للمسافر وأن يعود سالماً معافى إلى أهله وأرضه وأن يوفقه في سفريته.
ثم يشرع المسافر في توزيع "صدقة" ليس على المحتاجين والفقراء بل على الحاضرين من أهله وأقرابه، وهي عبارة عن تمر وخبز ويعتبرونها "بركة المسافر".
ويتوالى الحاضرون على المسافر بالنصائح والتوجيهات ويعيدون التضرع لله سبحانه وتعالى، ثم يودعون المسافر.
وكانت للمفكر الجزائري الراحل مالك بن نبي شهادة عن "مصلى المستجاب" بعد زيارته له عام 1968 دونها في إحدى كتبه.
وقال فيها: إن الشعور بالاغتراب يحس به ابن مزاب أيضا حين يقف في المستجاب حيث خَصصت التقاليد المحلية هذا المكان المطلي باللون الأبيض الضارب إلى الزرقة ليقف فيه المسافر المغادر داعياً الله بالحفظ والسلامة حين يودع أهله وبيته متجهاً إلى مقر عمله بالتل".
وتابع سرد شهادته: "إن السائح القادم من التل يشعر بمثل هذا الشعور، وهو يغادر الجلفة (مدينة جزائرية جنوب البلاد) ليقطع الصحراء الشاسعة، إن الشعور بالابتعاد عن الأهل والعمران شعور متشابه".
وختم بالقول: "إن ابن البلد يُعبر عن ابتهاجه بالوصول وهو يؤدي صلاة شكر لله في المستجاب، أما السائح فيشعر بالابتهاج والسرور حين يُحس بالنجاة وهو يكشف فجأة أسطح المنازل الممتدة تحت عينيه وهو يصل إلى غرداية من أعالي جبالها المطلة عليها وعلى قرى وادي مزاب المجاورة".
aXA6IDE4LjIyNC41NS4xOTMg جزيرة ام اند امز