الجزائر تخلع جلباب "الدعم" لأول مرة منذ استقلالها.. عبء ثقيل
تعتزم الجزائر للمرة الأولى منذ استقلالها قبل نحو 60 عاما إحداث "ثورة" على نظام الدعم الاجتماعي بعد أن تحول إلى عبء اقتصادي.
وكشفت حكومة أيمن بن عبدالرحمن عن توجهها لإصلاح نظام الدعم الاجتماعي في مشروع موازنة 2022 المقبلة التي ستعرض على البرلمان لمناقشتها وتعديلها في غضون الأسابيع المقبلة.
- الجزائر تكبح الإضرابات وتنعش الأسواق بقرار "مهم" تأخر 20 عاما
- أزمة الغاز في أوروبا.. الجزائر تقدم "طوق النجاة" لإسبانيا
خطوة أثارت جدلا واسعاً في البلاد، بين من اعتبرها من الخبراء بـ"الخطوة الجريئة" التي تخفف من أعباء خزينة وموازنة البلاد في ظل شح الموارد المالية، وبين إبداء شريحة واسعة من الموظفين والعاملين مخاوفهم من استمرار تأثر قدرتهم الشرائية.
ويتضح من مشروع موازنة 2022 بأن الحكومة الجزائرية ماضية نحو تعديل نظام الدعم الاجتماعي الذي بدأ تطبيقه بعد استقلال الجزائر عام 1962، وكان ضمن مبادئ الدولة الجزائرية منذ تبنيها النظام الاشتراكي ستينيات القرن الماضي.
وبلغة الأرقام، أوضح رئيس حكومة الجزائر إلى أن قيمة التحويلات الاجتماعية تعادل 9.4 % من الناتج المحلي الإجمالي و23.78 % من ميزانية البلاد.
ويعيب الخبراء الاقتصاديون على نظام الدعم الحالي بكونه "مستمدا من النظام الاشتراكي"، ويعتبرونه أحد أوجه تخبط الاقتصاد الجزائري وعدم قدرته على مواكبة نظام اقتصاد السوق، فيما كانت تعده الحكومات المتعاقبة بـ"المبدأ غير القابل للتصرف".
4 خطوات حاسمة
ويبدو أن الحكومة الجزائرية سارعت لتبديد مخاوف الطبقة العاملة في البلاد وكشفت عن استراتيجيتها الاقتصادية والاجتماعية التي تنوي اعتمادها من خلال تعديل نظام الدعم الاجتماعي عبر 4 خطوات أكد الرئيس الجزائري بأنها "تحصن القدرة الشرائية للمواطن ولا تؤثر على خزينة الدولة".
أولى الخطوات اعتزام حكومة بن عبدالرحمن إعداد "سجل وطني موحد" مرتبط بسياسة الدعم الاجتماعي، والمرتبطة بـ"الاستهداف الأمثل" للدعم الموجه للفئات الفقيرة في قرار إعادة النظر في رواتب الموظفين الحكوميين، وهي الخطوة التي قال إنها تهدف أيضا إلى "ترشيد منظومة الدعم الاجتماعي".
وثاني الخطوات المعتزم إدراجها "مراجعة شبكة الأجور" الخاصة بالعاملين والموظفين في القطاع الحكومي، دون أن يحدد سقفاً زمنياً لهذه الخطوة المالية الأولى من نوعها بهذا الشكل.
ومن مقر مجلس الأمة (الغرفة الأولى للبرلمان)، أوضح رئيس الوزراء الجزائري بأن حكومته "أخذت مسألة تثمين الأجور بالجدية المطلوبة وسجلتها كمحور هام في برنامجها، وستعالجها وفق مقاربة تشاركية شاملة، ضمن عملية إصلاح واسعة لمنظومة الوظيف العمومي".
وتابع قائلا بهذا الخصوص: "ستعمل الحكومة على إنجاز تقييم دقيق لسياسات الأجور بناء على تحقيقات ودراسات تخص جميع قطاعات النشاطات بما فيها القطاعات الاقتصادية، ومن شأن هذه الدراسات أن توجه خيارات الحكومة في مجال سياسات الأجور والمداخيل المعمول بها وطنياً".
أما الخطوة الثالثة فهي إعداد قانون جديد لمحاربة المضاربة التي أدت إلى ارتفاع قياسي في أسعار مختلف المواد الاستهلاكية.
وتحدث الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في مقابلة تلفزيونية، مطلع الأسبوع الحالي، عن الإجراءات التي اتخذتها حكومته في ظل زيادة الأسعار التي قال إنها "لم تكن ظاهرة جزائرية فقط بل عالمية".
وقال في هذا الشأن إن الخزينة العمومية "حاولت أن تتلقى صدمة ارتفاع الأسعار دولياً وليس المواطن، واتخذنا جملة من القرارات من بينها إلغاء الضريبة على دخل نحو 3 ملايين جزائري".
تبون ذهب أبعد من ذلك، عندما اعتبر أن "العدو الحقيقي للاقتصاد هو المضاربة والمضارب الذين وصفهم بـ"الطفيليين"، وأعطى أمثلة بمواد استهلاكية مصنوعة من مواد مدعمة من الدولة، واتهم أطرافاً لم يسمها بالوقوف وراء ارتفاع أسعارها، مركزا على الإنتاج المحلي الذي قال إن أسعاره ارتفعت.
وأعلن عن قانون سيعرض الأحد المقبل تصل عقوبته 30 عاما إلى المؤبد ضد المضاربين في الأسعار "وحتى الإعدام"، وتعهد بإجراءات أخرى العام المقبل.
كما كشف الرئيس الجزائري عن خطوة رابعة سيتم اتخاذها العام المقبل تتعلق بتخفيف الضرائب على الموظفين ورفع الأجور بصفة منظمة تتقبلها ميزانية الدولة.
وتحدث الرئيس عبدالمجيد تبون عن خطوات أخرى ضمن الإصلاحات الاقتصادية الشاملة التي ينوي تنفيذها خلال المرحلة المقبلة دون أن يحدد سقفاً زمنياً لها، وهي إصلاح النظام المصرفي وإنقاذ الدينار الجزائري من الانهيار، والتي قال إنها تندرج أيضا ضمن خطط الدعم الاجتماعي وتحضين اقتصاد البلاد من صدمات محتملة، مقرا في السياق في رغبته من الاستفادة من الخبرة الاقتصادية والمالية لرئيس وزرائه الجديد الذي يشغل أيضا حقيبة وزارة المالية، بهدف "فك الخناق عن موازنة الدولة".
وترصد الجزائر في موازنتها العامة نحو 17 مليار دولار للدعم الاجتماعي الموجه للعاملين والطبقة الفقيرة، من خلال دعم أسعار عدة مواد بينها القمح والحليب والأدوية.
فيما يرى كثير من الخبراء الاقتصاديين بأن نظام الدعم الحالي لم يعد كفيلا بحماية القدرة الشرائية للمواطن في ظل وجود "اقتصاد موازي" تقوده لوبيات قال رئيس البلاد إنها "تشكلت خلال فترة الإرهاب سنوات التسعينيات".
واعترف تبون بصعوبة التخلص من الاقتصاد الموازي في بلاده الذي حمله المسؤولية في عجز الدولة عن تحصين وحماية القدرة الشرائية، لكنه تعهد بخطوات مدروسة رفض الكشف عنها "لإسقاط الاقتصاد الموازي" الذي قال إنه "متحكم في جزء كبير من الاستيراد والسوق المحلية".
بينما يعزو خبراء اقتصاديون أسباب فشل نظام الدعم الاجتماعي إلى غياب استراتيجيات حكومية للانتقال من اقتصاد البلاد إلى رهينة لعائدات النفط إلى اقتصاد منتج يتماشى مع شروط اقتصاد السوق.
إلا أن المؤكد أن ورقة إصلاح نظام الدعم تبقى محفوفة بالمخاطر بحسب خبراء آخرين، خصوصاً وأن النقابات العمالية التي تبقى "قوة ضغط كبيرة" في بلد مثل الجزائر، تستعمل ورقة القدرة الشرائية والأجور في لغة تواصلها مع السلطات الجزائرية من خلال الإضرابات المتكررة في عدة قطاعات والتي تصل إلى حد شل كثير منها.