الجزائر تسحب ملف تصنيف الراي تراثا عالميا لـ"ضعف أسباب نجاحه"
قررت الجزائر بشكل مفاجئ، سحب ملف إدراج فن "الراي" بقائمة التراث الإنساني اللامادي لـ"اليونيسكو"، لـ"ضعف الملف المودع" منذ 4 سنوات.
وأعلنت الجزائر رسمياً، سحب ملف إدراج فن الراي الشعبي ضمن التراث الثقافي الإنساني للمنظمة، والذي كان مدرجاً في أعمال الدورة الـ15 لـ"لجنة حماية التراث الثقافي غير المادي" والمزمع عقدها من 14 إلى 19 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
- تشييع جنازة رشيد طه الجمعة في الجزائر.. "يا الرايح وين مسافر؟"
- بالفيديو.. الشاب نصرو يعود للجزائر بعد غربة 21 عاماً
وأصدرت وزارة الثقافة والفنون الجزائرية بياناً، حصلت "العين الإخبارية" على نسخة منه، أعلنت خلاله أنه "ضمن المتابعة الدورية لتثمين التراث الثقافي اللامادي الجزائري كتراث عالمي، وبعد أن كانت الجزائر رشّحت أغنية الراي الشعبية قصد إدراجها في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي العالمي شهر مارس/أذار 2016".
وأرجعت ذلك إلى ملاحظة الوزارة وجود نقص في العناصر المكونة للملف المودَع وهو ما يُضعف أسباب نجاحه.
وقررت بموجب ذلك سحب ملف الجزائر، وتدعيمه بعناصر جديدة "تتماشى والإجراءات التقنية التي تشترطها الهيئات الاستشارية" للمنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم "اليونسكو"، مؤكدة متابعة عملية تصنيف أغنية الراي الشعبية في الدورة المقبلة.
كما أكدت منظمة "اليونيسكو" عبر موقعها الرسمي، سحب الجزائر ملفها الذي يحمل عنوان "الراي الأغنية الشعبية الجزائرية" المودع منذ 2016.
وفي 2016، تقدمت الجزائر بـ3 ملفات لمنظمة "اليونيسكو" لتنصيف أغنية الراي ضمن التراث العالمي الإنساني، والثاني لإدراج صناعة ماء الورد والزهر المعروف بـ"التقطار"، و"الفقارة" الذي يعد أقدم طريقة ونظام تسيير تقليدي للماء في الجنوب الجزائري.
شروط صارمة
وتفرض منظمة "اليونيسكو" شروطاً صارمة لتنصيف الملفات كتراث عالمي، تعتمد على دقة كبيرة في المعلومات المطلوبة، ويشرف عليها خبراء مختصون.
ومن أبرز شروط المنظمة الأممية على ملفات الدول، تقديم وثائق للتعريف بعنصر التصنيف، وأن تكون لغة التعريف به بعيدة عن اللغة الأكاديمية وألا تقل عن 170 كلمة.
كما تشترط أن يكون مضمون الملف "ناقلا لقيمة الأجيال الجديدة، وألا يتناقض مع مبادئ التنمية المستدامة"، ويمنع أي تشجيع على "العنصرية والإقصاء والتمييز الديني أو العرقي".
وتتقدم الدول صاحبة الملف بتقديم "مسح عن الجهود التي قامت بها لحماية عنصرها الثقافي في الماضي والمقرر اتخاذها مستقبلا"، وأن يكون للمجتمع المدني دور في ذلك.
ويتضح من شروط منظمة "اليونيسكو" أن دراسة الملفات تتطلب أكثر من 6 أعوام، حيث تتضمن المرحلة الثانية بعد قبول ملف الدول تقديم تقرير شامل عن الإجراءات التي اتخذتها لحماية العنصر الثقافي الذي طلبت إدراجه ضمن التراث العالمي، وتقرير ثانٍ بعد 6 أعوام من إيداع الملف.
كما تشترط المنظمة تكييف قوانين الدول لحماية أي معلم أو عنصر ثقافي في كل جوانبه.
وبعد استيفاء الشروط السابقة، تتقدم الدولة صاحبة الملف بفيلم وثائقي من 55 دقيقة مع ملخص عنه و10 صور محترفة عن العنصر الثقافي.
الفن الجزائري العالمي
ودخل فن أغنية الراي الشعبية الجزائرية إلى العالمية منذ تسعينيات القرن الماضي، وعاد الفضل في ذلك للفنان الجزائري "الشاب خالد" المعروف بعدة ألقاب فنية أبرزها "الكينج" أو "ملك الراي".
وجاء ذلك بعد إصداره ألبوم "دي دي" عام 1991 بعد أن قرر الهجرة لفرنسا، لتتوالى أغانيه التي ترجمت بعض منها إلى عدة لغات، بينها "عيشة" (عائشة)، وعبدالقادر يا بوعلام.
والتحق به بعد ذلك عدد من الفنانين الجزائريين الذين ساهموا في نشر أغنية الراي الجزائرية عالمياً من بوابة أوروبا، أبرزهم الراحل رشيد طه، والشاب مامي، والشاب فضيل.
كما برز فنانون آخرون تعدت شهرتهم إلى دول شمال أفريقيا، وحققوا نجاحاً باهراً على الصعيد المحلي، ووصل عدد متابعيهم بالملايين، أبرزهم الراحل "الشاب حسني" أو حسني شقرون المعروف بلقب "عندليب أغنية الراي الرومانسية" الذي اغتاله إرهابيون سنة 1994 بوسط ولاية وهران (غرب).
بالإضافة إلى الراحل "الشاب عقيل" الذي توفي في حادث مرور بمدينة طنجة المغربية، و"الشاب نصرو" الملقب بـ"ملك الأغنية العاطفية"، و"الشاب بلال"، و"الشابة الزهوانية"، والراحلة "الشيخة الرميتي"، وفرقة "راينا راي"، و"رضا الطالياني" (الإيطالي) وغيرهم.
سر لقب "الشاب"
والملاحظ أن غالبية أسماء نجوم فن الراي الشعبي الجزائري تبدأ بلقب "الشاب"، والذي اشتهروا به في فترة شبابهم، وبقي ملازماً لهم حتى بعد تقدمهم في السن.
ويعود السبب في ذلك إلى البرنامج الفني "ألحان وشباب" الذي بث في الثمانينيات على التلفزيون الجزائري الحكومي، وكان أول برنامج في الوطن العربي من نوع هذا النوع.
وهو البرنامج الذي تخرج منه كثير من نجوم الغناء في الجزائر، ومع كل نسخة سنوية كان صاحب المركز الأول يحمل لقب "الشاب".
أما عن سر تسميته بـ"الراي"، فهي كلمة مشتقة من اللغة العربية وتعني "الرأي"، لكن المقصود بها في اللهجة الجزائرية هو "إبداء الرأي".
ومن هنا، كانت أغاني الراي تعبر عن آراء الناس في مختلف القضايا الاجتماعية والشخصية دون السياسية منها، ولعل مواضيعها تؤكد ذلك، إذ أن كلمات أغاني الراي عن الحب أو عن خيباته، والعلاقات الاجتماعية مثل الصداقة، وكذا عن الجمال والراحة النفسية، وتعبر في المجمل عن هموم وتطلعات الشباب وقضاياه المجتمعية.
فن جزائري أصيل
تذكر عدة دراسات ثقافية تاريخية بالجزائر بأن تاريخ فن الراي الغنائي يعود للقرن الـ18 مع الاحتلال الإسباني لشمال الجزائر، قبل أن يتطور في ثلاثينات القرن الماضي من ولاية تلمسان ووهران وعين تموشنت وغيرها.
واللافت أن بدايات أغنية الراي التي نشأت عبر حركة موسيقية قادها روادها، بدأت بمدائح للنبي محمد صل الله عليه وسلم مثل معظم الطبوع الغنائية الجزائرية خصوصاً خلال فترة الاحتلال الإسباني، إلى أن توسعت وانتشرت في معظم محافظات غرب الجزائر في ستينيات القرن الماضي، وكان لقب من يؤدون أغانيه بـ"الشيخ" و"الشيخة".
وتحولت مدينة وهران إلى عاصمة لأغنية الراي في الجزائر، بعد أن تنقل إليها روادها من تلمسان وسيدي بلعباس ومستغانم وغليزان، أبرزهم الراحلون "الشيخ حمادة"، وعبد القادر الخالدي، وعرفت حينها على أنها أغنية بدوية، لها رقصة خاصة تعرف بـ"رقصة العلاوي".
بدأ انتشار أغنية الراي الجزائرية في ثمانينيات القرن الماضي بمنطقة المغرب العربي، مع البرنامج التلفزيوني "ألحان وشباب" ثم ظهور فرق موسيقية أبرزها فرقة "راينا راي".
قبل أن يُدخلها الشاب خالد وبقية الفنانين الجزائريين إلى العالمية بدايات تسعينيات القرن الماضي، وترجمت عدة أغانٍ لهم إلى عدة لغات بينها الإسبانية والألمانية والإيطالية والهندية والصينية والإنجليزية.
ويبقى طابع الراي الغنائي الأول من حيث الأنواع الغنائية المفضلة عند الشباب الجزائريين، وزاد تعلقهم بالراي مع بروز أسماء فنية جديدة استطاعت أن تحافظ على النوع الغنائي بينهم "كادير الجابوني"، ويقام مهرجان وطني سنوي لأغنية الراي بمحافظة سيدي بلعباس التي كان لها الفضل في تطوير هذا النوع الغنائي من قبل روادها.
aXA6IDMuMTQuMTM1LjgyIA==
جزيرة ام اند امز