إيلينا فيرانتي.. روائية إيطالية يقرأ العالم رواياتها ولا يعرفها
في 2011، نشرت فيرانتي الجزء الأول من رباعيتها الشهيرة "صديقتي المذهلة"، التي تتناول حكاية لينا الراوية والكاتبة وليلا الصديقة المذهلة.
تعتبر الروائية الإيطالية إيلينا فيرانتي واحدة من أشهر الكاتبات بالعالم في وقتنا الحالي، وربما كانت أشهر كتاب إيطاليا، واقترنت مسيرة فيرانتي ببعض الإثارة والتشويق؛ إذ أنها اختارت اسمًا مستعارًا لتكتب به أعمالها.
في عام 2011، نشرت فيرانتي الجزء الأول من رباعيتها الشهيرة "صديقتي المذهلة"، التي تتناول حكاية إيلينا أو لينا وهي الراوية والكاتبة، وليلا الصديقة المذهلة، وتفاصيل صداقتهما القوية وحياتهما المتقلبة في مدينة نابولي، منذ بداية خمسينيات القرن الماضي، وصولا إلى وقتنا الحاضر.
حققت الرواية بأجزائها الـ4 نجاحًا ساحقًا، في إيطاليا أولا، ثم في باقي أنحاء العالم ثانيا، بعد ترجمتها إلى عدد كبير من اللغات، وجرى تصنيف الرباعية ضمن روائع الأدب الإيطالي الحديث، وتمت ترجمة الأجزاء الثلاثة الأولى إلى العربية (صديقتي المذهلة، حكاية الاسم الجديد، الراحلون والباقون) عن دار الآداب اللبنانية، وبترجمة معاوية عبدالمجيد.
بدأ القراء في السؤال والبحث عن إيلينا فيرانتي ومن تكون، لكنهم اصطدموا بعد واقعة الاسم المستعار، وفوجئوا بعدم وجود أي معلومات عنها، كما امتنع الناشر الإيطالي عن الإدلاء بأي إشارات تخص هوية الكاتبة، فزاد ذلك من الغموض الذي يكتنف حقيقتها، وضاعف من الهالة المحيطة بها، وبالتالي شهرتها حول العالم.
حاولت صحيفة "Corriere della Sera" الإيطالية فك لغز فيرانتي، وقال الروائي والأكاديمي ماركو سانتاجاتا، في تحقيق نشرته الصحيفة، إن مواصفات إيلينا فيرانتي تكاد تطابق شخصية أستاذة في نابولي تدعى مارسيلا مارمو، معتمدًا في ذلك على قراءة متمعنة ومفصلة لمقاطع من رواية لفيرانتي تدور في بيزا خلال ستينيات القرن الماضي، لكن الناشر الإيطالي سرعان ما نفى الأمر، واصفا إياه بالكلام الفارغ.
باعت روايات فيرانتي ملايين النسخ حول العالم، كما تمت ترجمة أعمالها في أكثر من 40 بلدا، وبعد استحواذ دار الآداب على حقوق ترجمة ونشر أعمالها، اكتسبت فيرانتي المزيد من القراء العرب الذين وقعوا في غرام أعمالها، ومع ذلك لم تكشف عن هويتها حتى الآن، مفضلة الاستمرار في الكتابة باسمها المستعار.
العام الماضي، أنهت فيرانتي الجزء الرابع من رباعيتها "صديقتي المذهلة"، مع تأكيد عدم وجود جزء خامس للعمل، ليبدأ التحضير من أجل نقل الرباعية إلى مسلسل درامي يحمل الاسم نفسه، ويحقق حتماً مزيداً من الرواج الشعبي للرباعية ولصاحبتها التي لا تزال تتخفى خلف اسم مستعار، مع أنها تملك عشرات الملايين من القراء في العالم.
يدور المسلسل في مدينة نابولي من خلال حكاية الصديقتين ليل ولينا، هذه الحكاية التي ما إن صدر جزءها الأول حتى جلب الشهرة والمجد والمال على إيلينا فيرانتي، التي تصبح شخصية عالمية في حال أنها قررت الكشف عن هويتها الحقيقية.
هذا الوجه الذي تخفيه الكاتبة جعلت بطلتها الشهيرة ليلا تخفيه أيضاً، لكن بعدما أنجزت ما طمحت إليه من حياة صاخبة وغريبة الأطوار، هل تُقلد البطلة الكاتبة صاحبتها أو مبتدعتها؟ أم أن الكاتبة لجأت إلى جعل هذه البطلة شبيهة بها بعدما أخفت وجهها وقصت ملامحها من كل الصور التي تركتها في البيت عشية اختفائها السري؟
هذه الخاتمة تستهل بها فيرانتي أولى الرباعية، أي "صديقتي المذهلة"، على لسان الراوية وهي الصديقة الأخرى لينا، إذ شكلتا فعلاً ثنائياً فريداً في تاريخ الثنائيات الروائية، تتبخر ليلا فجأة آخذة معها كل آثارها بل كل ما يدل عليها ويثبت أنها كانت هنا. ومنذ تلك اللحظة، لحظة الاختفاء، تبدأ لينا بسرد حكاية هذا الثنائي الذي شكلته مع ليلا التي كانت مختلفة كل الاختلاف عنها، وكأن الواحدة منهما تكمل الأخرى.
وحسب ما نشرته صحيفة "La Stampa" الإيطالية، كشف الصحفي الاستقصائي كلاوديو جاتي، أن إيلينا فيرانتي هي المترجمة أنيتا راجا، التي تردد اسمها وزوجها الروائي دومينكو ستارنوني، كثيرًا في السنوات الأخيرة بوصفهما كاتبي روايات فيرانتي، نظرا إلى وجود أصداء أسلوبية تتسم بها كتب فيرانتي في روايات ستارنوني، وترجمة راجا روايات ألمانية على غرار كتابات وأسلوب فيرانتي.
ونقلت صحيفة "الجارديان" البريطانية عن أوزولا فيري، التي تشارك في ملكية وإدارة دار "أديزيوني إي/أو"، ومن القلائل الذين يعرفون هوية فيرانتي، قولها إنه "إذا أرادت امرأة أن تُترك وشأنها فاتركوها وشأنها. إنها ليست مافيا أو برلسكوني، بل كاتبة، وهي لا تؤذي أحدًا"، مؤكدة أن هذا العمل الصحفي يثير الاشمئزاز.
وحين سُئل الصحفي كلاوديو جاتي لماذا أراد الكشف عن هوية فيرانتي، التي يفضل قراؤها بقاء هويتها مجهولة، خشية عزوفها عن الكتابة، أجاب أنه يدرك أن عددًا كبيرًا من القراء سينزعجون، لكنه يؤدي عمله كصحفي استقصائي مقيم في نيويورك.
وتمتاز روايات فيرانتي بقدرة متفردة على السرد الذي يأخذ بعقول القراء من خلفيات ثقافية مختلفة، مع انحياز واضح لها في صفوف النساء الناضجات، لا سيما المثقفات منهن، ومسرح الروايات مدينة نابولي الإيطالية في الفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى نهاية القرن الـ20، إذ تتكامل زوايا الجمال والعنف والطموح والهزيمة والولادة والموت والجنس لخلق أجواء غاية في التشويق تأخذك دون رحمة من صفحة لصفحة ومن مجلد لمجلد، لكن دون أن تنحدر إلى مستوى سرد الأحداث في أدب الجرائم الرومانسية.
aXA6IDMuMTQyLjUzLjE1MSA= جزيرة ام اند امز